توقيع الأردن لاتفاق الغاز الإسرائيلي "المسروق" تطبيع اقتصادي خطير

توقيع الأردن لاتفاق الغاز الإسرائيلي
الخميس ٢٩ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠٧:٢٤ بتوقيت غرينتش

توقيع الحكومة الأردنية لاتفاق استيراد الغاز الإسرائيلي “المسروق” تطبيع اقتصادي محفوف بالمخاطر.. فلماذا لم يتم اللجوء الى البدائل العربية والإسلامية الأخرى؟

الأردن في عين العاصفة إعلاميا وسياسيا هذه الأيام، فبعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، ومشاركة الاخوان المسلمين فيها، بعد “مصالحة” غير معلنة بينهم وبين الدولة تنفيسا لجانب من الاحتقان السياسي والمجتمعي، وبما يخدم مصالح الطرفين، نزلت جريمة اغتيال الكاتب والناشط السياسي الأردني ناهض حتر نزول الصاعقة على النخبة السياسية والشارع معا، وسرقت الأضواء من “عرس″ الدولة الانتخابي الذي مر دون مشاكل كبرى، وأعطى الأردن صورة حضارية في محيط شرق اوسطي ملتهب.

يجادل البعض في الأردن، وعلى وسائط التواصل الاجتماعي خاصة التي باتت بديلا مهما للإعلام التقليدي الذي بدأ يفقد معظم بريقه وهيمنته، ان الدولة الاردنية العميقة “تعمدت” اشراك “الاخوان المسلمين”، وبعض الأصوات “المشاكسة” في الانتخابات، وعدم التدخل مثلما حدث في انتخابات برلمانية سابقة، لضرب عدة عصافير بحجر واحد، واسمنها، وربما أخطرها، توقيع صفقة الغاز بين الحكومة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار، ومدتها 15 عاما، وتوفر 40 بالمئة من احتياجات البلاد من الكهرباء.

ندرك جيدا ان ظروف الأردن الاقتصادية صعبة، وان العجز في موازنة هذا العام يصل الى 907 مليون دينار، ودين عام في حدود 35 مليار دولار، رغم الضرائب الجديدة ورفع الدعم عن سلع أساسية، مثلما ندرك ان الحكومة القادمة، او أي حكومة أخرى غيرها، لم تعد قادرة على فرض ضرائب جديدة تنهك المواطن الأردني المنهوك أصلا، في ظل الغلاء الفاحش، وانخفاض الأجور، وشح المساعدات من ذوي الفربى، ولكن استيراد الغاز الإسرائيلي المسروق من الأرض والمياه الفلسطينية يشكل “استفزازا” للشارع الأردني ومشاعره الوطنية الجياشة، ويعارض معظمه التطبيع مع هذا الكيان الغاصب.

العاهل الأردني كان مصيبا عندما قال في خطابه امام الأمم المتحدة قبل أسبوع، ما معناه، ان الأردن يقدم “سابقة حضارية في المنطقة عندما ينظم انتخابات حرة ونزيهة في وقت تعاني دول الجوار من حروب وإرهاب وتطرف، ولكن هذه السابقة تحتاج الى حماية توفر الاستمرارية، من خلال تجنب أي خطوة من قبل الحكومة يمكن ان تهدد امن الأردن واستقراره وقيم التعايش على ارضه.

اتفاقية الغاز هذه التي جرى تمريرها في ظل فراغ برلماني، او بالأحرى بين برلمانين، الأول رفضها، والثاني يجدها موقعة وانتهى امرها، هذه الاتفاقية تظل غير دستورية لأنه لم يصادق عليها مجلس النواب، الامر الذي يعطي املا بإمكانية مراجعتها.

مقاطعة البضائع الاسرائيلية تتصاعد في العالم بأسره، وتحظى بدعم شعبي وأكاديمي غير مسبوق رغم الانهيار العربي الراهن، وتحول المحتل الإسرائيلي للأسف الى صديق لحكومات عربية عديدة، ولذلك كان الاحتفال الإسرائيلي بهذه الاتفاقية مع الأردن لافتا، حتى ان صحف اسرائيلية لم تتردد في وصفه بانه “تاريخي”.

اقدام أطراف عربية أخرى من بينها مصر والسلطة الفلسطينية على استيراد الغاز الإسرائيلي، لا يجب ان يستخدم كحجة لتبرير هذه الصفقة، فالسلطة الفلسطينية مكروهة، ولا تحظى بأي احترام في نظر المواطن الفلسطيني في الوطن والمنفى، وباتت احد أدوات الاحتلال لقمع الشعب وحماية الاستيطان، ومنع أي مقاومة حتى السلمية منها، اما الأردن فوضعه مختلف، وليس خاضعا للاحتلال، وما زال يملك الحد الأدنى من قراره المستقل، وسلطته تحظى بدعم الغالبية الشعبية.

كنا نتمنى، ونحن نقدر ظروف الأردن ونعرفها جيدا، لو ان الحكومة الأردنية لجأت الى بدائل أخرى لاستيراد الغاز، وهناك دول عربية وإسلامية عديدة تملك احتياطات هائلة منه، مثل ايران وقطر، ولا نعتقد ان هاتين الدولتين ستترددان في بيع غازهما للأردن بأسعار، ان لم تكن اقل من أسعار الغاز الإسرائيلي، فمماثلة له على الأقل، وحتى لو كان الفرق كبيرا فإن المواطن الأردني الوطني الشهم، لن يتردد لحظة في المساهمة من قوت يومه واطفاله بتقليص هذا الفارق السعري، وسيرحب بأي ضرائب إضافية، ويعتبرها واجبا وطنيا، فمن هو على استعداد بالتضحية بروحه، وما اكثرهم في الأردن، لن يتردد في تحمل هذا الواجب.

لا نستغرب حالة الغضب التي عبر عنها الكثير من النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه اتفاق الغاز، ومطالبتهم النواب الجدد بإتخاذ موقف رافض ضده، لأننا لا نشك مطلقا في المشاعر الوطنية المتأججة لهؤلاء، وللشارع الأردني الذي يمثلونه ضد الاحتلال الإسرائيلي، وما استشهاد ابن الكرك البار سعيد العمرو في باحة الحرم القدسي الشريف برصاص الغدر الا احدث الأمثلة.

لا نريد ان ننتقد الحكومات الخليجية التي اوصلت الأردن الى هذا الوضع الاقتصادي المتردي، ليس لأنها لم تعد تهتم بالنقد، وانما لأنها أيضا، او معظمها، يؤيد هذا المنحى التطبيعي الأردني، وتقيم علاقات مع الاحتلال تحت الطاولة، وتمهد لتطبيع علني وشيك.

النخبة السياسية الأردنية الحاكمة في تقديرنا لم تتعاطى بشكل فاعل مع العديد من هذه الدول، عندما كان يدخل خزينتها أكثر من ملياري دولار يوميا، كعوائد نفطية، وجذب استثمارات ومنح مالية، مقابل الخدمات الأردنية الأمنية التي تحصل عليها، والآن، وبعد ان تبخرت الأموال وطارت الطيور “الغربية” بأرزاقها وصفقاتها بات الوقت متأخرا، وأصبحت معظم الدول الخليجية نفسها تزحف نحو التقشف والعجوزات.

كان الله في عون الأردن وشعبه في ظل حقول الألغام التي تحيط به، وبعض السياسات قصيرة النظر التي تتبعها حكوماته، وآخرها توقيع اتفاق الغاز.

المصدر: “راي اليوم”

114-2