ما أصعب ان تكون وزيرا في السعودية هذه الايام ..!

ما أصعب ان تكون وزيرا في السعودية هذه الايام ..!
الأربعاء ٢٦ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٨:٢٠ بتوقيت غرينتش

ليس هناك اصعب من ان تكون وزيرا في المملكة العربية السعودية خصوصا هذه الايام، لان عليك ان تتحلى بكل انواع الحرص والحذر معا في كل كلمة تقولها، ليس بسبب حساسية اصحاب القرار، وانما ايضا بسبب وسائط التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل “برلمانا” حقيقيا، يراقب السلطة التنفيذية وشؤون الدولة، في ظل غياب الصحافة الحرة، وشدة الرقابة الرسمية عليها، علاوة على غياب الحياة الديمقراطية، والبرلمان المنتخب والقضاء المستقل.

الدكتور محمد التويجري، نائب رئيس الاقتصاد والتخطيط السعودي، خرج عن كل الخطوط الحمراء في نظر الدولة، وصاحب القرار الاول فيها، عندما تحدث كشخص مسؤول ومؤهل يفهم في ميدان عمله، بحكم تخصصه، في برنامج تلفزيوني، محذرا من ان المملكة ستواجه الافلاس في غضون ثلاث سنوات في حال عدم اقدامها على اصلاحات اقتصادية، واتباع سياسات تقشفية، مثل رفع الدعم تدريجيا عن السلع الاساسية، وفرض ضرائب غير مباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة، ورفع بعض رسوم الخدمات الحكومية.

التويجري كان يريد تسويق هذه الاجراءات غير المسبوقة الى المواطنين السعوديين الذين سيدفعون ثمن الاهدار المالي على مدى السنوات الماضية، وسوء الادارة، والغرق في حروب استنزاف مالية وبشرية في سوريا واليمن، وكان “علميا” وصادقا، وصريحا في طرحه هذا، الشاب تعلم في الخارج، وتأثر بسياسات انفتاحية في الغرب والشرق معا.

من الطبيعي ان تثير تصريحات التويجري “ضجة” على اوساط التواصل الاجتماعي، لجرأتها وعكسها للواقع الاقتصادي في البلاد بأمانة ونزاهة، ولكن ما هو غير طبيعي ان يتعرض الرجل الى ضغوط للتراجع عن هذه التصريحات، لان صاحب القرار لا يريد استخدام كلمة “افلاس″، ليس في هذا التوقيت فقط، وانما في اي زمان ومكان، فاقتصاد المملكة يجب ان يكون قويا، وخزانة الدولة لا تعاني من عجز سنوي يقترب من المئة مليار دولار، والاحتياطات النقدية تراجعت بمقدار النصف في اقل من ثلاث سنوات (من 780 مليارا الى حوالي 440 مليارا)، والدولة لم تذهب الى اسواق المال المحلية والدولية للاستدانة من خلال طرح سندات خزانة كان حجم آخرها حوالي 17.5 مليار دولار.

الوزير التويجري خرج بالامس معتذرا عن “زلة لسان”، وقال “ان التعبير خانني عندما استخدمت كلمة “الافلاس″، ولكن هذا لا يعني انه ليس لدينا مشكلة اقتصادية هيكلية، واننا نعمل بجد في المرحلة المقبلة لعلاجها”.

وزير النفط السعودي خالد الفالح اوحي اليه بضرورة القيام بعملية انقاذ “استباقية” اخرى، والادلاء بدلوه في الامور الاقتصادية التي هي خارج اختصاصه عندما قال “ان رؤية المملكة الطموحة عام 2030 لا تستهدف التخلص من النفط كأحد اسس الاقتصاد السعودي، وانما تنويع مصادر الدخل والاقتصاد، واضافة قطاعات اخرى اليه، وتوفير استثمارات وفرص وظيفية للشباب”، واكد “لسنا في خطر ونحن بخير فهناك ازمة اقتصادية عالمية تعاني منها دول عظمى مثل روسيا الدولة الصناعية والنفطية ايضا”.

الامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ورئيس المجلس الاقتصادي الاعلى، هو الذي اكد في مقابلة مع العربية عند اطلاقه لـ “رؤية 2030″، انه سيتم الاستغناء عن النفط كليا كمصدر للدخل في عام 2020، وسط حملة ترحيب اعلامي مكثفة، تصور هذه الرؤية بأنها نهاية “الادمان النفطي”.

لا يعيب المملكة العربية السعودية ان تواجه ازمة مالية، ولكن ما يعيبها، هو محاولة الايحاء بعكس ذلك، واجبار وزراء على التراجع عن تصريحاتهم بهذه الطريقة المهينة وامام الملأ.

مهمة الوزير في السعودية، وربما دول خليجية اخرى ايضا، اصبحت مهمة شاقة جدا، ليس بسبب الحساسيات فقط، وانما في ظل تخفيض الرواتب والغاء جميع المنح والبدلات والامتيازات الاخرى ايضا.

راي اليوم

109-4