ترامب وديمقراطية الإستبداد

ترامب وديمقراطية الإستبداد
الخميس ١٠ نوفمبر ٢٠١٦ - ٠٩:٣٩ بتوقيت غرينتش

من الصعب القبول بفكرة ان بلدا كبيرا مثل الولايات المتحدة الامريكية، التي تعتبر القطب الاوحد في العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، يقوده رجل واحد، وهو رئيس الجمهورية، الذي ينتخب لمدة اربع سنوات فقط، ويتخذ قرارات الحرب والسلم في العالم، على ضوء الظروف الطارئة والاحداث المستجدة، التي تبرز خلال سنوات ولايته.

هناك من يرى ان بلدا مثل الولايات المتحدة، حقق كل هذا التقدم العلمي والتكنولوجي والصناعي والزراعي، وتحول اقتصاده الى قاطرة يجر وراءه اقتصاد العالم، لا يمكن ان يحدد شخص واحد الاهداف السياسية والاقتصادية له، فهناك مؤسسات وجهات من النخب الاقتصادية والسياسية، تعمل لصالح اصحاب المال في امريكا، تضع خططا وبرامج، اقتصادية وسياسية، قصيرة ومتوسطة وطويلة الامد، وقد يصل مدى الاخيرة الى خمسة عقود، لا يملك الرئيس الامريكي، ايا كان هذا الرئيس، من خيار سوى العمل لتحقيق اهداف هذه الخطط دون زيادة او نقصان.
الشيء الثابت في جميع هذه الخطط الامريكية، وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة الى منطقة الشرق الاوسط وبقوة، بعد الحرب العالمية الثانية، هو "امن اسرائيل" و "النفط"، وما عداهما من قضايا، قد تتغير بين وقت واخر، وهذا التغيير يجب الا يخرج من اطار مصالح اصحاب المال في الولايات المتحدة.
اذا ما قبلنا بهذه المقدمة، سيكون من السذاجة ان يولي العرب والمسلمون كل هذا الاهتمام بفوز هذا المرشح الامريكي او ذاك، فالمرشحون للانتخابات الرئاسية الامريكية، ليسوا سوى ادوات تنفيذية، لما تم الاتفاق عليه في الخطط العشرينية والخمسينية الامريكية، ولا يحق لهؤلاء الرؤساء التحرك الا في المجال الضيق، الذي عادة ما يترك لهم ان يتحركوا فيه، من اجل الا يظهر الرؤساء بمظهر الموظف الذي ينفذ التعاليم فقط.
لذلك نرى ان غزو الرئيس الامريكي السابق جورج بوش افغانستان والعراق، كان سيقع بغض النظر عن الرئيس الذي يسكن البيت الابيض، فمن الخطأ اعتبار الرئيس الامريكي بوش كان مغامرا وميالا للحروب، بينما الرئيس باراك اوباما، كان حكيما وميالا للسلام، فالرئيسان تحركا في المجال الذي حددته لهما الخطط وعلى ضوء مصلحة اصحاب المال والثروة.
لا نرى سببا وجيها لكل هذه الضجة المثارة اليوم، من قبل وسائل اعلام عربية واسلامية،  حول فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وهزيمة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، فهناك من طار فرحا لفوز ترامب، وهناك من نصب المآتم لهزيمة كلينتون، انطلاقا من تلك الفكرة التي تؤكد على دور شخص الرئيس الامريكي على ادارة دفة السياسة الامريكية كيفما شاء، بينما الواقع ليس كذلك بالمرة، فلا فرق بين ترامب وكلينتون، سوى في ذلك الفرق الضئيل الذي يتبلور عادة في تلك المساحة الضيقة التي تتركها الخطط الامريكية لرؤساء الجمهورية.
نعتقد ان كل ما قاله ترامب بشأن الاتفاق النووي بين ايران والسداسية الدولية، لم يكن الا للدعاية ولكسب الاصوات، لانه وببساطة كان على امريكا ان توقع على الاتفاق النووي مهما كانت النتائج، فهذا ما ارادته المؤسسة الامريكية التي تختفي وراء الرؤساء، بعد ان عجزت عن  تفكيك البرنامج النووي الايراني السلمي، والاتفاق كان سيوقع مهما كانت ميول ومواقف واتجاهات سيد البيت الابيض، لذا فان ترامب لا يمكنه التراجع عن الاتفاق النووي، لانه هدف امريكي يجب تحقيقه، وكل ما اثير ومايثار حوله من قبل الجمهوريين، ليس سوى محاولات لذر الرماد في العيون.
ترامب قد يعقد دخول العرب والمسلمين الى امريكا، الا انه لن يشن هجوما على سوريا، فمثل هذه الحرب يبدو انها غير مدرجة في سلم اولويات الخطط الامريكية، وهذا بالضبط هو الذي جعل اوباما يكتفي بالتهديد والوعيد بضرب سوريا، ولم تترجم عمليا.
علينا ان نعرف الجهات التي تصنع رؤساء امريكا، لنعرف مآلات السياسة الامريكية، فهذه الجهات هي التي تصنع رؤساء امريكا، فقانون جاستا سيلاحق السعودية لدعمها للارهاب، ولن يكون بامكان اوباما وترامب الغاء القانون، لانه وببساطة، اصبح وسيلة بيد المؤسسة الامريكية لابتزاز حلفاء الامس.. انها ديمقراطية الاستبداد.

* شفقنا

205