في ذكرى استشهاد الامام الحسن المجتبى (ع)..

دور الامام الحسن(ع) في حفظ التراث الكبير لأبيه أميرالمؤمنين عليه السلام

دور الامام الحسن(ع) في حفظ التراث الكبير لأبيه أميرالمؤمنين عليه السلام
الإثنين ٢٨ نوفمبر ٢٠١٦ - ٠٤:١٥ بتوقيت غرينتش

تولّى الإمام الحسن السبط عليه السلام منصب الإمامة والقيادة بعد استشهاد أبيه المرتضى عليه السلام في الواحد والعشرين من رمضان سنة 40 هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره المبارك ..واستمر بعد أبيه يحمل مشعل القيادة الربّانية حتى الثامن والعشرين أو السابع من شهر صفر سنة 50 هجرية، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة.

استلم الامام الحسن السلطة بعد ابيه، وقام بأفضل ما يمکن القيام به في ذلك الجوَ المشحون بالفتن والمؤمرات فامر الولاة  علی اعمالهم واوصاهم بالعدل والاحسان ومحاربة البغي والعدوان ومضی علی نهج ابيه عليه السلام الذي کان امتدادا لسيرة جده المصطفی محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وعندما بويع الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، كان في الجانب الآخر معاوية بن أبي سفيان يترصّد الأخبار، وعاصمته تحتفل بقتل أمير المؤمنين عليه السلام، ولكن خبر البيعة للإمام الحسن عليه السلام هزّه وأرعد فرائصه، فعمل معاوية على بثّ الجواسيس في داخل المجتمع الإسلامي؛ لنشر الإرهاب وإشاعة الدعايات ضد حكم أهل البيت عليهم السلام لصالح الفتنة في الشام، لكن سياسة الإمام الحسن عليه السلام كشفت مخطّطات معاوية.
يمكن القول إن من أهم القضايا السياسية في تاريخ الإمام الحسن (ع) صلحه مع معاوية ابن أبي سفيان، فإن صلح الإمام الحسن (ع)، وكان مطابقاً للحكمة والسياسة الرشيدة، وفي صالح المسلمين والمؤمنين تماما، مضافا الى ان الامام استطاع بذلك ان يفضح معاوية جميع الناس ويسلب الشرعية منه، ولولا صلح الإمام الحسن (ع) لاندرست معالم الدين وقواعده ولما تمكن الإمام الحسين (ع) من نهضته المباركة. وبالرغم مما کان يعلمه الامام الحسن عليه السلام من معاوية ونفاقه ودجله وعدائه لرسالة جده وسعيه لاحياء مظاهر الجاهلية..بالرغم من ذلك کله لقد ابی ان يعلن الحرب الا بعد ان کتب اليه المرة بعد المرة بدعوه الی جمع الکلمة وتوحيد امر المسلمين فلم يبقی له في ذلك عذرا أو حجة.
ان خيانة قائد جيشه على خط النار - عبيد الله بن العباس - والتحاقه بمعاوية، ومعه ثلثا الطليعة التي كلفت بمواجهة العدو الزاحف مما أثار موجةً من البلبلة والاضطراب في معسكر الإمام عليه السلام وهو أحرج ساعاته. فمن ناحية، ان القوات العسكرية التي يقودها الإمام السبط عليه السلام ذاته، كانت تتوزعها الشعارات والأهواء والمصالح والأفكار.إغداق معاوية بالأموال الوفيره على زعماء القبائل وأصحاب التأثير في المجتمع العراقي بسخاء منقطع النظير.
ومن ناحية اخرى فان قوة العدو، وتمتع جيشه بروح انضباطية عالية، بالنظر لتوفر عامل الطاعة، واختفاء التخريب بين صفوفه، خلافا للعراق الذي استبد به الانشقاق من خلال الشعارات، والأفكار والأهواء، والمصالح المتضاربة، التي تمزق جيش الإمام عليه السلام وتضعف من مقاومته. ان اهم المبررات والعوامل فرضت على الإمام الحسن عليه السلام ان يستجيب للصلح وللوثيقة التي املتها عليه الظروف، لان المواجهة يعد عملا غير حكيما وضربا من اللامعقول، لا يقدم عليه انسان عادي، فكيف يمارسها رجل عظيم كالحسن بن علي عليه السلام ؟.. ولربما ذهب البعض إلى القول ان الأجدر بالحسن عليه السلام أن يضحي من أجل حقه، ولكن الحسن عليه السلام لو قاتل لقُتل وجميع أهل بيته، وتذهب دماءهم هدرا ولاتحقق اية مصلحة للدين الحنيف، ولمارست السياسة المنحرفة دورها في اطفاء نور الإسلام إلى الابد، ولما وجد بعد ذلك من يفرق بين الحق والباطل ولما ادركت الامة -كما ادركت بعد حين- اي تسلط كان عليها، واية سياسة عبودية انقادت اليها… ان حرص الإمام عليه السلام على الهدى والحق جعله يختار التوقيع على الوثيقة ليمارس بعد ذلك دوره في بيان الشريعة واحكامها وابعادها لأمة محمد صلى الله عليه وآله، فيما تبقى من حياته. لقد أراد الإمام عليه السلام ان يكشف زيف دعاة الفتنة ومدى تنكبهم عن الصراط المستقيم وجحودهم للعهود والمواثيق وتلهفهم للسلطة والسيطرة.. ليكون ذلك كله تعرية لما آل اليه الحكم، وتوطئة لثورة الإمام أبي الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام .لهذا راى عليه السلام بان لايتورط في حرب لاتحقق المصالح العليا للدين الاسلامي الاصيل ولهذا قبل بالصلح.
من هنا فقد تعرّض الإمام الحسن السبط عليه السلام، للنقد اللاذع من شيعته وأصحابه الذين لم يتّسع صبرهم لجور معاوية، مع أنّ أكثرهم كان يدرك الظروف القاسية التي اضطرّته الى تجنّب القتال واعتزال السلطة، كما أحسّ الكثير من أعيان المسلمين وقادتهم بصدمة عنيفة لهذا الحادث لِما تنطوي عليه نفوس الاُمويّين من حقد على الإسلام ودعاته الأوفياء، وحرص على إحياء ما أماته الإسلام من مظاهر الجاهلية بكلّ أشكالها. ولئن غض الإمام المجتبى الطرف عن الخلافة لاسباب دينية ومبدئية فهو لم يترك الساحة ومواريث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لتنهب بأيدي الجاهليين بل نجده قد تصدى لتربية القاعدة التي على اساسها تقوم الدولة وعليها تطبّق أحكام الشريعة، فكان بحق رجُل الثورة الصامتة.
ان الامام المجتبى عليه السلام، بصلحه المشروط فسح المجال لمعاوية ليكشف واقع اُطروحته الجاهلية، وليعرّف عامة المسلمين البسطاء مَن هو معاوية ؟ ومن هنا كان الصلح نصرا ما دام قد حقّق فضيحة سياسة الخداع التي تترّس بها عدوّه. وفعلا نجحت خطّة الإمام حينما بدأ معاوية يساهم في كشف واقعه المنحرف، وذلك في إعلانه الصريح بأنّه لم يقاتل من أجل الإسلام، وإنّما قاتل من أجل المُلك والسيطرة على رقاب المسلمين، وأنّه سوف لا يفي بأيّ شرط من شروط الصلح.
بهذا الإعلان وما تلاه من خطوات قام بها معاوية لضرب خط الإمام عليٍّ عليه السلام وبنيه الأبرار وقتل خيرة أصحابه ومحبّيه كشف النقاب عن الوجه الاُموي الكَريه.
انتقل الإمام الحسن عليه السلام، بعد توقيع الصلح مع معاوية، إلى مدينة جدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، وودّعته الكوفة وأهلها وهُم يرون الذلّة قد خيّمت عليهم، وتحكّمت الفتنة بهم، وبوصول الإمام عليه السلام إلى المدينة بدأت نشاطاته، وأعماله الفكرية، والاجتماعية تأخذ جانباً مهماً في حياة المسلمين ، فأنشأ مدرسة وقيادة فكرية كبرى ؛ لتكون محطّة إشعاع للهدى والفكر الإسلامي. ومارس الإمام عليه السلام مسؤولية الحفاظ على سلامة الخط بالرغم من إقصائه عن الحكم، وأشرف على قاعدته الشعبية فقام بتحصينها من الأخطار التي كانت تهدّدها من خلال توعيتها وتعبئتها، فكان دوره فاعلاً إيجابياً للغاية، ممّا كلّفه الكثير من الرقابة والحصار، وكانت محاولات الاغتيال المتكرّرة تشير الى مخاوف معاوية من وجود الإمام عليه السلام كقوة معبّرة عن عواطف الاُمّة ووعيها المتنامي، ولربّما حملت معها خطر الثورة ضد ظلم بني اُمية، ومن هنا صحّ ما يقال من أنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام، كان تمهيداً واقعياً لثورة أخيه أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
حفظ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، بدوره العظيم والتاريخي التراث الكبير لأبيه أميرالمؤمنين عليه السلام وعلى جميع الأصعدة وفي كل مجال، وفي نفس الوقت مهّد بمواقفه الحكيمة والبعيدة المدى لثورة أخيه الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وللنهضة المباركة التي هي الأخرى بدورها خلّدت الإسلام في مساره الواقعي الصحيح وكشفت الزيف المتواصل للمتقمّصين بالإسلام كذباً وزوراً.
ان أجهزة الحكم الأُموي لم يكن خافيا عليها ذلك؛ ولأجل هذا عقد أقطاب السياسة المنحرفة اجتماعاً مع معاوية لتداول أمر وضع الحسن عليه السلام، فكان حديثهم: إنّ الحسن قد أحيا أباه وذكره: قال فصُدِّق وأمَر فأُطيع، وخفقَت له النعال، وإنّ ذلك لدافعه إلى ما هو أعظم منه، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسـيء إلينا. ولهذا قرّر معاوية التخلص من الإمام الحسن، ووضع خطّته الخبيثة بالاتفاق مع جعدة ابنة الأشعت بن قيس، حيث تؤكد الروايات أن الحسن استشهد مسموماً، سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس بإغراء من معاوية بن أبي سفيان، لما عزم على البيعة ليزيد ولم يكن شيء اثقل عليه من الحسن بن علي عليه السلام، وبعد أن وعد جعدة بتزويجها بولده يزيد، وبأن يدفع لها مائة ألف درهم. ولكن معاوية بعد تنفيذ هذه الخطة أعطاها المال، ولم يف لها بتزويجها بولده، قائلاً: إنا نحب حياة يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه.
واستشهد من جراء ذلك الإمام الحسن (ع) في شهر صفر سنة 50.
وقد خلف الإمام المجتبى عليه السلام تراثا فكريا ثرّا من خلال ماقدّمه من نصوص للامة الإسلامية على شكل خطب أو وصايا أو احتجاجات أو رسائل أو أحاديث وصلتنا في فروع المعرفة المختلفة، مما يكشف عن تنوع اهتمامات الإمام الحسن عليه السلام وسعة علمه وإحاطته بمتطلبات المرحلة التي كانت تعيشها الامة المسلمة في عصره المحفوف بالفتن والدواهي التي قل فيها من كان يعي طبيعة المرحلة ومتطلباتها إلا ان يكون محفوفا برعاية الله تعالى وتسديده.
وکان الامام الحسن عليه السلام قد أوصی ان يدفن الی جوار جده رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلا أن بني أمية، وعلی راسهم مروان بن الحکم منعوا من ذلك وحالوا ان يجمع بين رسول الله (ص) وريحانته وحبيبه وبسطه الحسن سيد شباب اهل الجنة فاضطر اهل البيت عليهم السلام لدفنه في البقيع .
فسلام عليه يوم ولد ويوم جاهد من أجل إعلاء كلمة الاسلام المحمدي الاصيل وبنى صروحه الشامخة عالية ورفع رايته خفاقة مشرقة، ويوم مات شهيداً ويوم يُبعث حيا.

213

تصنيف :