عندما تخلق معركة حلب علما عسكريا جديدا

عندما تخلق معركة حلب علما عسكريا جديدا
الأربعاء ٠٧ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٧:٤١ بتوقيت غرينتش

تتزاحم عبر التاريخ المدارس العسكرية في الدفاع وفي والهجوم وفي العمليات الخاصة. وتقوم هذه المدارس بطبيعتها على اسس معتمدة في طريقة القتال، دفاعا او هجوما في الجبال والاماكن المفتوحة او في المدن والاماكن المبنية، وتشكل ما يسمى بالعقيدة القتالية العسكرية بشكل عام.

العالم - سوريا

بالعادة، الذي يحدد هذه المدارس القتالية هو مزيج من العوامل منها: الامكانيات المتوفرة لدى جيش معين في العديد والاسلحة والتجهيزات العسكرية من جهة، وامكانيات وقدرات العدو من جهة اخرى، بالاضافة الى ميدان القتال وخصوصياته الجغرافية والاجتماعية والسكانية وغيرها، وحيث تلعب الخبرة العسكرية وقدرات القادة في الميدان الدور الاساس في رسم الخطوط العامة للمناورة المعتمدة ضمن مبادىء ثابتة الى حد ما، وضمن هامش غير واسع كثيرا، تفرض فكرة المناورة نفسها استنادا لدراسة واسعة تأخذ بعين الاعتبار كافة العوامل والمعطيات المذكورة.

هذه الاسس المذكورة مبدئيا هي التي يتم اعتمادها بشكل عام في التخطيط للمعارك مع بعض الاستثناءات. ولكن في دراسة لمعركة حلب الاخيرة والتي سيطر فيها الحيش العربي السوري وحلفاؤه على القسم الاكبر من احياء المدينة الشرقية بطريقة صاعقة، خرجت هذه الاسس والمبادىء المعتمدة في العلم العسكري عادة، من الميدان لتدخل مبادئ اخرى غريبة عن اغلب المدارس القتالية التي اعتمدتها وتعتمدها الجيوش بشكل عام، ولتشكل مدرسة جديدة في القتال الحديث وفي مهاجمة الاماكن المبنية. ويمكن تلخيص خطوطها الرئيسية على الشكل التالي:

- المرحلة الاولى تمثلت بتنفيذ ضربات جوية موضعية ومركزة على اماكن تواجد المسلحين، ترافقت مع عمليات مراقبة دقيقة من الجو ومن الارض، عبر مراقبين عسكريين وعبر مجموعة جريئة من المواطنين، تم بنتيجتها تكوين صورة واضحة وتفصيلية عن اماكن توزع المسلحين وتحركاتهم  في مراكز المدافعة وعلى محاور التقدم المحتملة في كافة الاتجاهات، وتم  الحصول من عمليات المراقبة هذه على اماكن وطبيعة تواجد المدنيين بالقرب من مراكز المسلحين وفي الاماكن الاخرى.

المرحلة الثانية تمثلت بتنفيذ عدة مهاجمات محدودة في المكان وفي الزمان، منها في تلة الشيخ سعيد جنوب غرب حلب، ومستديرة عيدين شمال الاحياء الشرقية،  ومحور المقبرة الاسلامية - السكن الشبابي شرق المدينة، ومنطقة عزيزي جنوب شرق المدينة  وغيرها، وكانت هذه المهاجمات عبارة عن عمليات استطلاع بالنار وبالقتال المتقارب الحذر، وهدفت الى تكوين فكرة تقريبية عن طريقة قتال المسلحين في المدافعة، وهدفت ايضا الى تحديد طريقة ردة فعلهم بمواجهة اي خرق يتعرضون له، او بمواجهة عدة خروقات متزامنة مع بعضها بعضا في نفس الوقت.

المرحلة الثالثة تمثلت بالسيطرة وتركيز الدبابات والاسلحة المتوسطة المباشرة في كافة الاتجاهات، وعلى اغلب التلال والنقاط الحاكمة، المشرفة على الاحياء الداخلية التي يحتلها المسلحون والمشرفة ايضا على محاور الانتقال داخل هذه الاحياء.

مرحلة المهاجمة الرئيسية تمثلت بتنظيم وتنفيذ مناورة الدخول الى احياء حلب الشرقية وذلك استنادا الى المعطيات المستنتجة من المرحلتين الاولى والثانية وذلك على الشكل التالي:

- تم اعتماد عشرات المحاور للدخول بحيث توزعت عليها الجهود والاليات والعتاد بطريقة متشابهة لدرجة صعّبت على المسلحين تحديد اتجاه الجهد الرئيسي للهجوم، مما افقد هؤلاء المرونة والمبادرة الدفاعية وتشتّتت جهودهم، خاصة وانهم عجزوا عن دعم اي محور تم اختراقه بسبب التغطية الجوية الفاعلة التي حاصرت مجموعاتهم ومنعت ايا منها من الانتقال لمساندة ودعم المجموعة التي تعرضت مراكزها للخرق.

- تكفلت الاسلحة المباشرة ومدافع الدبابات المتمركزة على النقاط الحاكمة، او تلك المتقدمة مع الوحدات المهاجمة، بتنفيذ عملية رماية مركّبة، تم فيها اولا دعم وحدات المشاة والوحدات الخاصة المتقدمة، وتم فيها ثانيا تنفيذ رماية " فصل ميداني "، وهذه تعتبر من المهمات المستحدثة والجديدة والتي كُلف بها سلاح المدرعات في هذه المعركة، وتم من خلالها وعبر رماياتها الدقيقة والحساسة فصل اماكن تواجد المدنيين عن المسلحين، ومنعت هذه الرماية الدقيقة هؤلاء من الخروج من مواقعهم ومحاولة الاحتماء بالمدنيين او محاولة استعمالهم دروعا بشرية.

- ابتعدت الوحدات المهاجمة اثناء التقدم عن تنفيذه من خلال الاطباق التقليدي عبر قاعدة انطلاق واسعة واعتبارا من خط مهاجمة محدد، لتعتمد طريقة غريبة وجديدة في العلم العسكري ايضا، تمثلت بتنفيذ عمليات خاصة خلف خطوط المسلحين الدفاعية، دعمتها بعدد كبير من المقاتلين الذين تدفقوا خلف تلك الخطوط بحماية المدرعات والاسلحة المباشرة الدقيقة.  ومن النقاط التي وصلوا اليها في عمليات الخرق المذكورة شكلوا قواعد انطلاق فاجأت المسلحين من الخلف ومن عن يمينهم او يسارهم، فانهارت خطوطهم الدفاعية وسقطت اغلب مواقعهم المحصنة بالاساس بمواجهة خطوط تمركز الجيش العربي السوري وحلفائه .

واخيرا ... قد يكون للنتيجة الميدانية التي تحققت حتى الان،  او التي هي على الطريق لان تكتمل في استعادة السيطرة على احياء حلب الشرقية وطرد او توقيف المسلحين الذين كانوا ينتشرون داخلها، اهمية استراتيجية في تغيير مسار الحرب في الشمال السوري، وبالتالي في هزيمة محور الحرب على سوريا بالكامل، ولكن ستشكل مناورة الهجوم الصاعق على تلك الاحياء، بهذه الطريقة العسكرية المبتكرة ، وبهذا الاصرار والالتزام والحرفية، ظاهرة عسكرية لافتة تميز العلم العسكري عبر التاريخ وخاصة في قتال المدن والابنية السكنية.

شارل أبي نادر / العهد

109-2