الطائفية حربة الإستعمار الجديد

الطائفية حربة الإستعمار الجديد
السبت ١٠ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٣:٠٢ بتوقيت غرينتش

“لا يمكن ان يُسمح لإيران أن تظهر كمنتصر في سوريا.. وتنشر تأثيرها الضار في عموم ما يعرف بالهلال الشيعي عبر عناصر ميليشيا حزب الله في لبنان، والمقاتلين الشيعة الذين تدعمهم في العراق وسوريا”.

العالم - العالم الاسلامي

هذا الكلام الذي يُقطر طائفية وحقدا اعمى، على ايران ومحور المقاومة، وينتصر لـ”اسرائيل” والرجعية العربية والتكفيريين وعلى راسهم “داعش” والقاعدة، ليس لزعيم “داعش” ولا لزعيم جبهة النصرة او فتح الشام (القاعدة)، ولا لمشايخ التكفير و”ابطال الفتنة الطائفية على تويتر” ، ولا لـ”فضائية خليجية” مثل “العربية” او “الجزيرة” ولا حتى للعرعور وباقي شلة الوهابية، بل هذا الكلام هو لوسيلة اعلامية تصدر من “اقدم ديمقراطية في العالم”، وهي صحيفة “التايمز” البريطانية!!.

قبل ايام تناولنا في مقال طويل موقف وسيلة اعلامية شهيرة، وهي وكالة رويترز البريطانية، من الاحداث التي تجري في سوريا والمنطقة العربية، وبينا كيف عرّت الاحداث التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط منذ عام 2003 وكذلك بعد ما عرف بثورات “الربيع العربي”، وكيف ظهرت على حقيقتها، بعيدة كل البعد عن المهنية والموضوعية، وماهي الا بوقا ينفخ في الطائفية والفتن والصراعات لخراب دولنا ومجتمعاتنا.

لا نسعى من وراء هذا المقال وغيره، تتبع هفوات الصحافة الغربية التي صدعت ادمغتنا بالحيادية والموضوعية، فهذا الامر كان زيفه مكشوفا لنا ولغيرنا منذ زمن بعيد، وان كانت الاحداث التي تمر بها منطقتنا عرتها بالكامل، الا اننا نريد من خلال هذه المقالات ان نبين، ان كل ما يقال في منطقتنا، على لسان قادة بعض الدول، والسياسيين والصحفيين، والذي تفوح منه رائحة الطائفية النتنة والفتن والخراب والدمار، مصدره غربي، يُصدّر الينا، لتجتره بعض الجهات عندنا، وتُظهره، على انه صناعة عربية واسلامية، بينما الحقيقة ليست كذلك.

كلنا يتذكر حديث بعض من يسمون انفسهم “قادة عرب”، عن “الهلال الشيعي” وعن “خطر التشيع” و “خطر النفوذ الايراني”، و “الخطر الذي يتهدد السنة”، و.. ، تحوله الى مادة دسمة للامبراطوريات الاعلامية التي تعتاش على الفتنة والدمار، ولدى الصحفيين المرتزقة وشيوخ الفتنة المأجورين، على مدى اعوام، ومن كثرة تكرار هذه الاكاذيب والمزاعم، صدقها بعض السذج والبسطاء، الذين انضموا الى “داعش” والقاعدة والجماعات التكفيرية الاخرى، من اجل الوقوف امام هذا “الخطر الداهم” والانتصار لـ”السنة”.

اليوم ومن خلال مقال صحيفة “التايمز” البريطانية، اصبح واضحا ان هذه السموم التي سممت وشلت الجسد العربي والاسلامي، مصدرها بريطانيا، الدولة صاحبة شعار “فرق تسد”، وصاحبة التاريخ الاستعماري الاسود، التي تقف، الى جانب فرنسا، وراء كل المآسي التي عاشتها الشعوب العربية والاسلامية على مدى اكثر من قرن، ويبدو ان بريطانيا لم يُشبع نهمها كل ما سرقته من ثروات العرب والمسلمين، والذي كان الاساس المادي الذي اقامت عليه حضارتها وتقدمها الاقتصادي والعلمي، لذلك جاءت اليوم لتبث سمومها في مجتمعاتنا، لسرقة ما تبقى من ثرواتنا، عبر سلاح جديد هو الطائفية، وزرع الفتن بين اتباع الدين الواحد والنبي الواحد والقبلة الواحدة والقران الواحد.

من المؤسف بل والمؤلم، ان نجد من يكرر كالببغاء بين العرب والمسلمين، هذه المزاعم والاكاذيب البريطانية ويبني عليها ويروج لها على انها حقائق، وتزهق ارواح وتشرد شعوب وتدمر دول باكملها بسبب ذلك، بينما المستعمر البريطاني ومن ورائه الصهاينة، يضحكون علينا، بينما نحن يقتل بعضنا بعضا ونهدم بيوتنا بايدينا.

الملفت انك لا تجد في الاعلام الغربي اي اشارة الى “اسرائيل” ودورها في الفتن التي تضرب ديارنا ومجتمعاتنا، بل على العكس تماما، يحاول هذا الاعلام اظهار “اسرائيل” على انها “حمامة سلام” و “واحة للديمقراطية” وتتعرض مثل “العرب السنة” للخطرين ” الايراني” و “الشيعي”، ورغم سخف وتفاهة هذه المزاعم، الا اننا نرى وللاسف الشديد بعض العرب، يبني عليها ايضا، بالشكل الذي اخذت بعض الانظمة العربية بالهرولة نحو “اسرائيل” لتطبيع العلاقات معها، من اجل مواجهة العدو المشترك!!.

هذه الحالة المشمئزة والكريهة، حالة الارتباط مع “اسرائيل” وحتى العمالة الفاضحة لها، اصبحت مكشوفة ليس فقط لدى بعض الدول العربية والشخصيات السياسية، بل لدى “المعارضة السورية” التكفيرية منها والعلمانية على حد سواء!!، فقبل ايام وجه “المعارض” السوري خالد الخلف، “رسالة شكر” إلى “إسرائيل” على قصفها مطار المزة في العاصمة دمشق!!.

وقال الخلف في مقابلة خاصة مع قناة اسرائيلية، “إن المعارضة السورية تشكر إسرائيل بفم ممتلئ على هذا الفعل الإنساني الرائع الذي يسجل بسجل إسرائيل، بقصف قواعد صاروخية بمطار المزّة، كانت هذه الصواريخ مجهزة لقتل أطفال حلب في سوريا، في حال تكررت الهجمات الإسرائيلية فإن المعارضة ستنتصر!!”.

الموقف المخزي والعار لخلف هذا، قد سبقته مواقف اكثر عارا لرموز “المعارضة” السورية التكفيرية والعلمانية، الذين تسابقوا في تقديم الطاعة لـ”اسرائيل”، فمنهم من حارب من اجلها، ومنهم من تعهد بالتنازل لها عن الجولان المحتل في مقابل اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، ومنهم من طالبها بغزو سوريا، ومنهم من ..، وما هذه المواقف المخزية لما يسمى بالمعارضة السورية، الا تجسيد عمليا لما روجت له الصحافة الغربية منذ عقود لثقافة الانبطاح، والتي كانت تدور حول محور واحد وثابت وهو تسويق “اسرائيل” على انها صديقة  للعرب، وايران على انها “عدوة” للعرب، وان سبب الصراع الجاري الان في الشرق الاوسط ليس “اسرائيل” ، بل الشيعة.

من الواضح ان الطائفية التي تعتبر حربة الاستعمار الجديد، رغم كل ما احدثتها من كوارث في ديارنا، الا انها فشلت في تحقيق اهداف هذا الاستعمار، بسبب وعي اغلب العرب والمسلمين، الذين ادركوا منذ اليوم الاول انهم مستهدفون من قبل تحالف امريكي صهيوني عربي رجعي، وهو ما ظهر جليا من التدخل العسكري الصهيوني المباشر والعلني في الحرب على سوريا، وكذلك من التبني المباشر والعلني للصحافة الغربية، للخطاب الطائفي، لمواجهة محور المقاومة، الذي افشل مخططات المحور الامريكي وتحول الى رقم صعب في المعادلة الاقليمية والدولية.

المصدر : شفقنا

109-4