في ذكرى ميلاد الرسول محمد (ص)..

السلام علی أعظم هاد وأجل مربي عرفته الارض والسماء

السلام علی أعظم هاد وأجل مربي عرفته الارض والسماء
الأربعاء ١٤ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٧:٢٣ بتوقيت غرينتش

من أحق بالتخليد من ذكراك يا حبيب الله ويا صفوة الله وخيرته من خلقه، ويا دليل الحق ويا مصدر العزّ ويا باني التأريخ ويا أبا الامجاد ويامربي الانسانية، ومن أولى من حقك بوجوب الوفاء، يا فاتح الخير وقائد البركة ويا رائد الرحمة وخازن المغفرة يا رسول الله الاعظم يا محمد بن عبد الله صلى الله عليك وعلى آل بيتك الطاهرين الميامين؟.

العالم - العالم الاسلامي

السابع عشر من شهر ربيع الاول من عام الفيل، ذكرى انبثاق النور بين شعاع مكة وبين هضابها ثم تالقه حتى عمّر مشارق الشمس وارجاء الكون وأفاق السماء والارض، ذكرى ميلاد سيّد الخلق رسول الله صلى الله عليه وآله، الَّذي أرسله الله تعالى كافّةً للنّاس بشيراً ونذيراً، وأرسله رحمةً للعالمين، ليخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور، وليعلّمنا في مدى الزّمن الكتاب والحكمة، وليزكّينا، وليرتفع بنا إلى أن نكون المقرَّبين من الله تعالى في العقل والقلب والرّوح والحركة.
السابع عشر من ربيع الاول ذكرى ميلاد النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي اسس أول دولة إسلامية، والتي واجهت هذه الدولة الفتية وکذا الدعوة الإسلامية مواجهة شرسة من جانب المشركين من قريش التي عزمت علی اکتساح الدولة والدعوة الاسلاميتين فشنت الحرب بعد الحرب علی المسلمن، ولکان لابد للنبي الاکرم صلى الله عليه وآله،  والمسلمين من الدفاع. وشاء الله تعالى ان يقام الإسلام بدعوة الرسول محمد صلی الله عليه واله وسلم وسيف علي بن أبي طالب وحمزة عم الرسول عليهما السلام خاصة، وسيوف المسلمين الاوفياء بشکل عام.. فسلام علی أعظم هاد وأجل مربي عرفته الارض والسماء..
ولا شكَّ أن ميلاد الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هو ميلادٌ للهداية العامة، وإظهار للصراط المستقيم، وإحياءٌ للبشرية، وبعثٌ لها من رقاد طويل، كما كان ميلادا لأمة ملَكَت الدنيا، وطوَّفت في المشارق والمغارب تحمل لواء الحق وتجاهد في سبيله، وحري بنا في هذه الذكرى ان نستشفُّ العبرة ونأخذ القدوة استرشادا بالقرآن الكريم ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب 21.
والمسلم دائمًا وأبدا مشوّق إلى الاقتداء وترسّم خُطى المتقين والمجاهدين، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم ﴿أولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ﴾ الأنعام من الآية 90، وهذا الاستشراف من المسلم إلى هذه النماذج الوثَّابة إنما هو نوعٌ من استمداداتِ العظمة التي تتكوَّن وتترسَّب في داخله لتكون ذاتيةً راقيةً عميقةً مبصرةً، لا يستغني عنها أي عظيم أو مجاهد، حتى ولو كان نبيًّا أو رسولاً، وصدق الله القائل: ﴿وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) هود 120.
وحتى يستبين الطريقُ ونسير على هدًى من سيرة رسولها وزعيمها ورائدها علينا أن نلتقط بعض الدروس والعبر السيرة العطرة وفي الميلاد الكريم، فإن أول ما يطالعنا في هذا المجال ومما يحتاج إليه كل داعية مسلم وكل مجاهد في الحقل الإسلامي والدعوة إلى الله هو أن الرسول الاكرم- صلى الله عليه وعلى آله- سلك طريق التغيير بالسنن الكونية والاجتماعية والنفسية والعقلية، واستعمل كلَّ الملكات وكل الحواس والإمكانات والأساليب في دعوة الناس ونقلهم من الظلمات إلى النور، سهر الليالي، وقطع الفيافي والقفار، واستغل كل جمع وكل موسم وكل قرابة وكل صلة وكل موقف، انه عرف الواقع فتعامل معه، ووعى التقاليد فوعاها، وفهم العقول فأرشدها وحاجَّها، وقدَّر المصاعب، وعرف العقبات، وأعدَّ العدَّة، ولم يترك شيئًا للمصادفات أو الظروف. لقد جيَّش الطاقات، ووظَّف العقول، واستعمل الحكمة، وهدهد العواطف، وأشبع الأشواق، ولفت إلى الغايات، وقاس الأمور بمقاييسها الصحيحة في السرِّ والعلَن، في الإعداد والاستعداد، في السلم والحرب، فأقدم لما كان الإقادم حزما وعزما، وانتصر بالحجة، وفاز بالمنطق، ووجَّه بالهداية، وأبهر بالقدرة، وفتح بالتعاليم، لم يقهر النفس أو يسخر منها أو يُكرهها على شيء، بل كان حريصا على الناس، رءوفًا رحيما، ليس بفظٍّ ولا غليظ، ولا قاسي القلب، لم يساوم على الحق أو يلوِ فيه، ويسلك أفضل السبل لقبوله والإقناع به. ثانيا، عرف الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أن أسس التغيير هو الرجال فكان لا بد له من إيجادهم وتجميعهم حول دعوته، فشمَّر عن ساعدي الجد، ونزل إلى الميدان الحقيقي، الذي به تنتصر الدعوات، وتفوز الأمم، وتشاد الصروح، وترتفع المثل والغايات.
وكان على رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أن يلتقي في الميدان بأعداء كثُر، وأن ينتصر في معارك متعددة، معارك في داخل النفوس الجاهلية، ومعارك وسط المجتمع ودروبه، ومعارك خارجية متربِّصة حتى يستطيع أن ينتزع الرجال. معارك الجاهلية بقسوتها وصلفها وغرورها وعنصريتها وتقاليدها وعقائدها ومظالمها ومجونها ووحشيتها وطبقيتها وأهوائها، معركة الديانات الفاسدة، بما لها من سدنة وكهنة وأحبار ورهبان، تمر سواء في الخداع والكذب والضلال، كل ذلك وغيره يحتاج في الداعية إلى ثلاثة عناصر: إيمان وصبر ووقت. وانتصر الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في هذه المعارك بإيمان وصبر وأناة؛ حتى كوَّن الأمة وانتصر بها وانتصرت به وحملت الهداية وجاهدت في سبيلها.
ثالثًا، إن تربية الرجال هي أساس قوتهم وسرّ عظمتهم، واتحادهم وتآخيهم هو لبُّ سعادتهم وعزّتهم، فربى رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الرجال حتى كانوا أكرم الناس نفسًا، وأتقاهم قلبًا، وأفضلهم سريرةً، وأطهرهم يدًا، وأشرفهم ذيلاً، وأوصلهم رحمًا، وأحنَّهم عاطفةً، وأعفَّهم لسانًا، وأصدقهم لهجةً، فكانوا صورةً صادقةً لدعوتهم ومثلاً حيًّا لقرآنهم ونموذجًا فريدًا لرسالتهم وقدوةً طيبةً، وتاريخًا عَطِرًا، وشهادةً واضحةً على عظمة الهداية وصِدق الداعي، وجلال التعاليم الربانية، وربانية المنهج.. أشاد القرآن الكريم بهم في رجولتهم وثباتهم، فقال الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ الأحزاب.
كما أشاد بهم بقلوبهم ونفوسهم وأخوَّتهم وإيثارهم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)﴾ الحشر.
رابعا، أظهرت لنا سيرة الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن تاريخ العظماء إبداعٌ ونبوغٌ وجهادٌ وكفاحٌ وبذلٌ وعطاءٌ وهدايةٌ وإرشادٌ وقيادةٌ وحكمةٌ ورحمةٌ وعدالةٌ، وأن هذا الإبداع وهذه الأوصاف كما تتحقق في خلقه العظيم وفي سيرته تتحقق كذلك في منهجه ورسالته، وقد رسمت لنا السيرة العطرة صورةَ العظمة الحقيقية، وبيَّنت لنا معالم الريادة الصحيحة، وأظهرت بهتانَ العظمة المزيَّفة وضلال الريادة المغشوشة التي بُلي التاريخ بها، واكتوت الأمم بنيرانها.
خامسا، يجب أن تعيش الأمةُ رسالتَها إذا أرادت أن تعود إلى خيريَّتها وريادتها، وهذه الخيرية بشروطها كما ذكرها الحق سبحانه ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه) آل عمران: من الآية 110.
ينبغي أن تعيش الأمة رسالتها إذا رغبت أن تحيى عزيزةً مُهابةَ الجانب، وإلا عوقبت وسلَّط عليها طغاتها وأهواءها وأعداءها، وهذه سنة الله في المتنكِّبين للطريق والمتنكِّرين له، وصدق الله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَأوينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف 176.
صلوات الله وملائكته وانبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة الله وبركاته.

213

تصنيف :