في ذكرى المولد الأغر للإمام الصادق عليه السّلام

دور الحوار في مدرسة الإمام الصادق وأثره في بناء الوحدة الإسلامية

دور الحوار في مدرسة الإمام الصادق وأثره في بناء الوحدة الإسلامية
الأربعاء ١٤ ديسمبر ٢٠١٦ - ٠٨:٣٧ بتوقيت غرينتش

قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام لشيعته في باب ردم الهوة بين المذاهب الاسلامية: صلّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم... فإنّكم إذا فعلتم ذلك، قالوا رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه وقال لنا: "كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً.

جعفر بن محمد بن علي بن الحسین بن علي بن أبي طالب علیهم السلام المعروف بالإمام الصادق علیه السلام وهو الإمام السادس للشیعة الإمامیة الإثنی عشریة. ولد عليه السلام في المدينة المنورة في السابع عشر من شهر ربیع الاول سنة ثلاث وثمانین من الهجرة ، وترعرع الصادق في ظلال جده الامام السجاد علیه السلام وابیه الامام الباقر علیه السلام وعنه اخذ علوم الشریعة ومعارف الاسلام . أمّة أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بکر. واستشسهد في المدينة المنورة سنة 148 للهجرة عن عمر يناهز الـ 65 عاماً وکانت إمامته 34 عاماً، ودفن في البقیع إلى جانب أبیه الإمام الباقر وجده الإمام السجاد وعمّه الإمام الحسن علیهم السلام.
یکنى بأبی عبد الله والیه ینسب المذهب الجعفري.
عاصر خلال فترة إمامته ثمانية من ملوك بني أمية واثنين من ملوك بني العباس، حيث عاصر بقية ملك هشام بن عبد الملك وملك الولید بن یزید بن عبد الملك وملك یزید بن الولید بن عبد الملك الملقب بالناقص وملك إبراهیم بن الولید وملك مروان بن محمد الحمار ثم صارت المسودة من أهل خراسان مع أبی مسلم سنة اثنتین وثلاثین ومائة فملك أبو العباس عبد الله بن محمد بن علی بن عبد الله بن عباس الملقب بالسفاح أربع سنین وثمانیة أشهر. ثم ملك أخوه أبو جعفر عبد الله الملقب بالمنصور إحدى وعشرین سنة وأحد عشر شهرا.
تزامن عصر الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام، مع ضعف وزوال حکم بنی مروان، فکما تهیأت الأجواء للحریات السیاسیة والثورات الدینیة، کذلك الحال بالنسبة لحریة البحث والمناظرات العلمیة و نشر المعارف فی مختلف الأقسام. وتمكن الإمام عليه السلام من خلال هذه الظروف وعلمه الوفير والهداية الربانية الخاصة  من نشر العلوم الاسلامية ممارسة دوره في التصدي للافكار التشكيكية التي طرحت نفسها على الساحة والتي وصلت الى المسلمين نتيجة ترجمة الكتب اليونانية التي بدأت في عهد الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
الإمام الصادق هو صاحب مدرسة عظیمة جداً مدت جذورها عمق التاریخ وبقیت مبارکة طیبة، أصلها راسخ في الأرض وفروعها في السماء، تؤتي أکلها کل حین بإذن ربها.وصاحب هذه المدرسة وحده موسوعة علمیة، تقف وراء طاقاته التکوینیة المتینة أسباب جلیلة ساهمت جمیعها في شحن المعارف الواسعة إلى فکره المرکّز، وإرادته المعتصمة بالمران الأصیل. وکانت تلك المعارف والطاقات المبارکة کلها تصب في بوتقة واحدة هي بوتقة بناء مجتمع إسلامي صالح وفرد یعیش حریة الفکر وحریة الإنسانیة وعبودیة الباری عز وجل.
لقد ساعدت الاوضاع السياسية، بين شيخوخة الدولة الأموية وطفولة الدولة العباسية، الإمام الصادق إذ اتسع المجال له لنشر العلم بمختلف فروعه وتوسيع الأفق الفكري لفقهاء المسلمين في علمي الكلام والحديث، وبسبب تلك الظروف ايضا اشتهر الإمام الصادق في ذلك العصر وانتشر ذكره وتوسعت مدرسته الفكرية التي كان يدرس فيها أربعة آلاف عالم، اشتهر عنها حرية القول وحرية النقض والإبرام في شأن الحقائق الدينية والعلوم الطبيعية.
فتلاميذ الإمام الصادق، لم يكونوا من مذهب معين بحد ذاته بل أغلب علماء الاسلام تتلمذوا على يديه، ويفتخرون بهذه التلمذة كما ينقل متواتراً عن الإمام ابي حنيفة قوله: لولا السنتان لهلك النعمان، لما كانت لهاتين السنتين الدراسيتين من أثر بالغ في حياته العلمية وإكتمال وعيه لشريعة السماء. وهذا إن دلَّ على شيئ فإنما يدل على الروح الوحدوية التي كانت تعيش بين جنبات الامام جعفر الصادق(ع) وتربيته لطلابه على أساس العلم والتقوى والحياة من أجل الاسلام ومصالح المسلمين.
وكان دور الحوار في مدرسة الإمام الصادق عليه السلام، له الاثر الاكبر في بناء الوحدة الإسلامية. إن إيمان وإلتزام الإمام الصادق بالحوار كان كبيرا لإيصال المفهوم الاسلامي الصحيح للآخرين أياً كانوا، ولذلك كان عليه السلام، يتحدث بطول نفس مع الزنادقة الذين لم يؤمنوا بالإسلام، ولا يغضب عندما يسأله أحد الزنادقة “كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟”، ويجيبه الإمام “رأته القلوب بنور الإيمان وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها، والكتب ومحكماتها، واقتصر العلماء على ما رأوه من عظمته دون رؤيته”.
أن الفكر الحواري في مدرسة الامام الصادق لم يتوقف معه عليه السلام، بل سار الأئمة الباقون على نهجه في ترسيخ العلم في حياة المسلمين بالحوار والمناقشة العلمية الجادة بينهم وبين غيرهم حتى من أتباع الديانات الأخرى. لا يمكن أن تتحقق الوحدة بين المسلمين مع تعند كل جهة دون الاعتراف باسلام الآخر ما دام يشهد بالشهادتين ويلتزم بأحكام الاسلام، وهذا ما كان يراه الامام جعفر الصادق عليه السلام، وكان يؤمن به ويعلم تلاميذه على أن كل من إتصف بتلك الصفات له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ولا يجوز سبه ولعنه كما ورد عن جده الامام علي أبن أبي طالب عليه السلام: (لا تكونوا سبابين ولا شتامين، وإني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبهم إياكم: اللهم إحقن دمائنا ودمائهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به).
ويؤدب الإمام عليه السلام أتباعه وشيعته، بالدعاء حتى لخصومهم وأعدائهم بأن يهديهم الى طريق الحق والصواب، لأن المؤمن الحقيقي هو من يكظم غيضه ولا يشفيه بالانتقام من عدوه، كما كان يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون)، هذا هو أدب وأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام جعفر الصادق عليه السلام، إمام المذاهب الاسلامية جميعاً. وورد في كتاب حلية الاولياء عن عمرو بن المقدام بن معد يكرب انه قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.
بهذه الأخلاق الفاضلة المؤمنة بالحوار كأساس لبناء الصرح الاسلامي تمكن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، من تربية آلاف العلماء وما بقي إرثاً للمسلمين من خلفه كله من آثار ذلك الايمان بالحوار والتسامح الذي إتصف بهما وعلَّمها لتلاميذه وأصحابه، وأوصى المسلمين بالالتزام بمبدأ الحوار البناء لا الحوار الهدام لوحدة المسلمين بزرع التفرقة بينهم.
في الحقيقة ان وحدة المسلمين ضرورة شرعية وعقلية ؛وتتجلى الوحدة بوضوح في وحدة الموقف العملي اما الوحدة في الراي الفكري والفقهي فهي امر بعيد ومثالي لايتحقق في ارض الواقع.
ومن هنا فالحوار في مسائل الخلاف من على المنابر الاعلامية لايجدي نفعا بل ان اضراره اكثر لاستقرار المذاهب على افكار واراء مرت عليها عدة قرون ومن يريد البحث عن الحقيقة او مراعاة المصلحة العامة فينبغي ان يتحاور في مؤتمرات مغلقة اما الحوار العلني فماهو الا للمغالبة وافحام المقابل او احراجه امام المشاهدين دون اقناعه لان لاغلبية تتمسك بموروثها ولا تتقبل غيره. وبمناسبة الميلاد السعيد للرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وحفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام، ينبغي الاقتداء. بالعترة الطاهرة في مواقفهم الوحدوية ومراعاة النقاط المشتركة والمصلحة الاسلامية العليا.
وكان الامام جعفر الصادق عليه السلام يدعو، شيعته إلى تعميق العلاقات مع المخالفين ومشاركتهم في آمالهم والامهم حيث يقول: "كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شيناً، صلّوا في عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم".
وقال عليه السلام: "اوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث واداء الامانة... صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فانّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري فيفرّحني ذلك ويدخل عليّ منه السرور وقيل، هذا ادب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل: هذا ادب جعفر..". 
ونهى عليه السلام عن التعصّب لأنه أحد أهم أسباب وعوامل التشاجر والتناحر والاختلاف والفرقة بين المسلمين لأنه يمنع من اللقاء والاجتماع في النقاط المشتركة وفي الآفاق العليا.
قال عليه السلام: "من تعصّب أو تعصِّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه".
وقال عليه السلام: "من تعصّب عصّبه الله بعصابة من نار".
ودعى الإمام الصادق عليه السلام إلى اصلاح العلاقات بين الناس والتقريب بينهم، ليكونوا أخوة متآزرين متعاونين فقال:"صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا".
ووجّه الانظار إلى الموازين السليمة في التقويم والتقديم، والقائمة على أساس القرب من الله تعالى، وهي أهم ميزان للعلاقات. وفي هذا الصدد قال عليه السلام:" من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله وتعطي في الله، وتمنع في الله".
فقد قدّم عليه السلام، الحبّ في الله والبغض في الله على جميع الوان ومجالات الحب والبغض القائمة على أساس الانتماء والولاء للعشيرة أو الوطن أو اللغة أو المذهب، لأنها انتماءات وولاءات ثانوية، لا تصح ان تكون بذاتها محببة بل بدرجة تأثيرها الايجابي الواقع ضمن قاعدة الحب في الله والبغض في الله.
وكانت علاقاته مع أئمة المذاهب قائمة على المحبة والمودة والاحترام المتبادل، وفي ذلك قال مالك بن أنس: كنت ادخل إلى الصادق جعفر بن محمد، فيقدّم لي مخدّة، ويعرف لي قدراً، ويقول: يا مالك انّي احبّك، فكنت اسرّ بذلك وأحمد الله عليه. -بحار الانوار ج47 ص16-.
ان هذه الرواية تنسجم مع أخلاق الإمام جعفر الصادق (ع) في علاقاته مع الآخرين، وفي تحركه نحو تقريب القلوب، وقد وردت في كتب الشيعة.
وكان الفقهاء وأئمة المذاهب الأخرى يتوجهون لزيارته واللقاء به وأخذ العلم عنه.
فقد كان سفيان الثوري يقول: "حدّثني جعفر بن محمد" و سمعت جعفراً يقول. وكان يقول له: "لا أقوم حتى تحدثني" وكان الامام ابو حنيفة يقول: "لولا السنتان لهلك النعمان. وورد في كتاب حلية الاولياء عن عمرو بن المقدام بن معد يكرب انه قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.
وبهذه الأخلاق الفاضلة المؤمنة بالحوار كأساس لبناء الصرح الاسلامي تمكن الامام جعفر الصادق عليه السلام، من تربية آلاف العلماء وما بقي إرثاً للمسلمين من خلفه كله من آثار ذلك الايمان بالحوار والتسامح الذي إتصف بهما وعلَّمها لتلاميذه وأصحابه، وأوصى المسلمين بالالتزام بمبدأ الحوار البناء لا الحوار الهدام لوحدة المسلمين بزرع التفرقة بينهم.
السلام عليك ياصادقا مصدّقا في القول والفعل ورحمة الله وبركاته.
213 

تصنيف :