فورين بوليسي: سعادة الشيخ دونالد آل ترامب

فورين بوليسي: سعادة الشيخ دونالد آل ترامب
الإثنين ٠٩ يناير ٢٠١٧ - ٠٧:٤٩ بتوقيت غرينتش

شرح لي فرد من العائلة المالكة الكويتية مرة سبب عدم إعجاب أحد بشكل كبير في هذا الجزء من العالم بباراك أوباما. بالطّبع، الزّعماء هنا لم يوافقوا غالبًا على سياساته ووجدوا أنّه ساذج وغير راغب في ممارسة السّلطة الأمريكية. لكن الأمر الذي لم يرق لهم فعليًا كان طريقته في إنجاز الأعمال. الرّئيس السّابق جورج بوش الابن، وفقًا لتفسيره، كان يتصل لإلقاء التّحية فقط، أو يرسل رسالة للتّهنئة عند فوز فريق كرة القدم المفضل لدى الأمير. أوباما كان يتصل فقط في حال أراد شيئًا.

العالم - العالم

بعد مضي ثلاثة أعوام على هذه المحادثة، يجب أن لا يكون مفاجئًا أن تبتهج الممالك العربية في الخليج الفارسي بانتخاب دونالد ترامب. تمامًا كما أراد مؤيدو ترامب في الولايات المتحدة "تجفيف المستنقع" وإلقاء السّتار على ثمانية أعوام من سياسات حقبة أوباما، يأمل حلفاء الولايات المتحدة في الشّرق الأوسط شيئًا مماثلًا - الكشف عن سياسة خارجية يصفها المسؤولون والمثقفون هنا غالبًا بجمل مثل "كارثة تامة" و"فشل مدوٍ".

الأسبوع الماضي، في حوار المنامة الامني، الذي حضره عشرات السّاسة والمسؤولين العسكريين ومسؤولو الاستخبارات من مختلف أنحاء المنطقة، كان الجو جيدًا إلى حد كبير. وقال محمد اليحيى، المستشار السابق في السّفارة السّعودية بلندن، إنّه "هناك بالتّأكيد شعورا بأن الأمور ستصبح أسوأ مما كانت عليه في عهد أوباما. بعد أوباما، أي تغيير في البيت الأبيض كان سيلقى الترحيب هنا. لكن مواقف ترامب من الاضطرابات الجذرية فتنت الخليج (الفارسي) السّني. الزّعماء هنا يأملون أن يعيد [ترامب] كتابة سياسة واشنطن مع إيران ويعاقب طهران على نشاطاتها في مقابل التّغاضي عن خطاب ترامب المعادي للإسلام كما لو أنّه حماقة في حملته الانتخابية.

تحركات ترامب المُبكِرة أكدت في معظمها التّوقعات في دول الخليج (الفارسي). فخيارات ترامب بخصوص مجلس الوزراء تتضمن مسؤولين كثيرين هم ضد إيران علنًا، بمن في ذلك الجنرال السّابق جايمس ماتيس والجنرال المتقاعد مايكل فلين.

حماس دول الخليج الفارسي لترامب ينبع أيضًا من شخصيته كرجل أعمال. بدلًا من سمعة أوباما كمثقف أكثر تحسبًا وحذرًا، يُنظَر إلى ترامب كشخصية تزدهر بسبب الصّفقات والعائلة والسّياسة. وقال عبد الله المناعي، وهو كاتب صحفي، إنّه "يمكن التّنبؤ دائمًا بأفعال رجال الأعمال. ما هي الخلاصة؟ وهل سيجعله هذا يبدو جيدًا؟،.. كونه رجل أعمال..، يعني وجود احتمالات بأن تكون الدّول العربية قادرة على إقامة علاقات جيدة جدًا معه".

حماس المسؤولين الخليجيين لترامب نابع، على عدة مستويات، من خيبة أملهم من أوباما. ومع اقتراب مغادرة الرّئيس [الأمريكي] الـ 44 للبيت الأبيض، فإن زعماء الخليج (الفارسي) مستعدون أخيرًا للاعتراف بمدى ازدرائهم له.

قائمة شكاوى الزعماء العرب طويلة، لكنها ترتكز على خلاف رئيس بشأن دور أمريكا في المنطقة. أوباما، الذي انتُخِب لإخراج اميركا من الحروب الإقليمية، تحدث باستمرار عن حدود القوة الأمريكية وقاوم الدّعوات إلى الالتزام العسكري -خصوصًا في سوريا. وعلى النّقيض من ذلك، نظر المسؤولون العرب إلى القوة الأمريكية كواقع على الأرض بدلًا من أن ينظروا إليها كموضوع للنّقاش الفكري، والشّاهد على ذلك وجود أكثر من 58 ألف جندي أمريكي متمركزين في المنطقة.

وباختياره عدم التّدخل في سوريا، يقول هؤلاء المسؤولون إن أوباما أعطى الضّوء الأخضر لإيران وروسيا للتّدخل من دون خوف من الانتقام.

ولفت الحضور في مؤتمر المنامة الامني، الانتباه إلى ما رأوه كتتويج لهذا الفشل في السّياسة الخارجية: إعادة السّيطرة من قبل القوات السّورية ..، على شرق حلب الذي كان خاضعًا لسلطة المسلحين.

كما يبدو أيضًا أنّ البيت الأبيض أعاد النّظر في موقفه بشأن دعم عملية التّحالف التي يقودها السّعوديون في اليمن..، فقد دمرت الغارات السّعودية على مدى عام ونصف البلاد وأدّت إلى كارثة إنسانية، لكن، في الأشهر الأخيرة، خطوط المعركة بالكاد تزحزحت. في 13 ديسمبر/كانون الأول، أفادت رويترز أنّ الولايات المتحدة ستوقف مبيعات بعض الأسلحة إلى المملكة وتعيد النظر في تدريب القوات الجوية السّعودية .

في رحلته الأخيرة إلى المنطقة كوزير للدّفاع، انتقد آشتون كارتر المسؤولين العسكريين في دول الخليج (الفارسي)على "اشتكائهم" من أنّه يتوجب على واشنطن فعل المزيد. وخلال رده على الأسئلة، بدا أنّ صوته حمل الكثير من الازدراء في طياته، مذكرًا الحضور عدة مرات أنّه كان قد أجاب بالفعل عن الأسئلة التي طرحوها. لكن عند حديثه عن التّوترات الداخلية في مجلس التّعاون بدت خيبة أمله واضحة. حيث قال "في الواقع، في حال كانت دّول المنطقة قلقة بشأن نّشاطات إيران .. فإنّهم يحتاجون أيضًا إلى الدّخول في اللّعبة. ويعني هذا التّعامل بجدية بشأن التّعاون مع بعضها البعض". وقد ترك الخطاب الحضور من الخليجيين إمّا يهزون رؤوسهم غير مصدقين للّهجة المتغطرسة أو متمتمين بعض العبارات من نوع "بئس المصير" لإدارة أوباما.

الأمل الأساس للمسؤولين العرب فيما يخص ترامب وإدارته هو أنّهما سيؤديان إلى تراجع النّفوذ الإيراني في المنطقة. وقد كرر ترامب هذه الآراء. وقد كان لمستشاريه مواقف أكثر قوة. ففي شهادة أمام اللّجان الفرعية للجنة الشّؤون الخارجية والقوات المسلحة في العام 2015، وصف مستشار الأمن القومي فلين إيران بأنّها "خطر واضح وقائم على المنطقة، وفي نهاية المطاف على العالم"، بحسب تعبيره.

ويرى محللون انّ العلاقات الاقتصادية ستكون بسيطة جدًا تاسيسا على مبدأ ادفع لي وسأبقي إيران بعيدة عنك. وباعتبارها واحدة من أغنى المناطق نسبة لدخل الفرد في العالم، فلدى دول الخليج الفارسي الكثير لتقدمه. يمكنها أن تعقد صفقات دفاعية جديدة مربحة، أو تستثمر في البنية التّحتية التي تعهد الرّئيس المُنتخب بإنشائها في الولايات المتحدة، أو حتى أن تنقل اصولها المالية إلى الولايات المتحدة لتتم إدارتها من قبل المصارف الأمريكية.

في المقابل، لدى الزّعماء الخليجيين لائحة من الأزمات الإقليمية التي يريدون من ترامب معالجتها. منها المحافظة على الضغط الاقتصادي ضد ايران واستخدام الفترة الزّمنية الممتدة لـ 15 عامًا للصّفقة كفترة سماح لتعزيز أنظمتها الدّفاعية الخاصة التي تشتريها من الولايات المتحدة. وفيما يخص سوريا، يأملون أن يجدوا أذنًا صاغية لمقترحات تدعو لمهاجمة النّظام السوري وحليفته إيران، وفي الوقت ذاته "داعش" الذي صنعته أيديهم واموالهم.

بالطّبع، فإنّ عددًا من تصريحات ترامب خلال حملته ومنذ فوزه في الانتخابات، تظهر وكأنها تدحض مثل هذه التّوقعات العالية. إعجاب ترامب بالرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين هو التّناقض الأكثر بروزًا. في سوريا، تعمل موسكو مباشرة مع الحكومة ومع إيران لاستعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المسلحين. القوات الجوية الرّوسية تقصف الجماعات المسلحة المعارضة المدعومة من الدول العربية هناك على نحو شبه يومي.

هذا فيما شكك ترامب سابقًا بالدّعم الأمريكي للمعارضة، مصرحًا لوول ستريت جورنال أنّه "ليس لدينا أي فكرة من هم هؤلاء النّاس". وواصل كلامه مقترحًا أنّه على الولايات المتحدة أن تتحالف مع كل من يقاتل "داعش" بمن في ذلك روسيا.

كما يامل الزّعماء العرب من ترامب أن يقوض النفوذ الإيراني في العراق، ويعزز دعمه للحرب التي تقودها السّعودية في اليمن -أو أن يغض الطرف عنها.

هذا لا يعني أنّه لا توجد مخاوف بشأن تعاطف ترامب مع الإسلاموفوبيا. لكن على الأقل البعض هنا مستعدون للتّغاضي عن مواقف ترامب وأولئك في مكتب الأمن القومي تجاه الإسلام -طالما أن تصرفات الرّئيس المقبل تخدم مصالحهم الخاصة، وهم يعتقدون أن الأمر سيكون كذلك.

مع ذلك، في التّهامس على هامش الحوار، كان بعض صناع السّياسة هنا أيضًا قلقين. ترامب ليس أوباما -لكن لا يمكن لأي أحد أن يكون متأكدًا بالضّبط أي نوع من الرّؤساء سيكون.

وبغض النّظر عن مواضع التقاء السّياسات أو عدم التقائها، هناك شيء واحد يبدو واضحًا: من المُرجح أن تكون العلاقات الشّخصية بين الزعماء الخليجيين وترامب أفضل مما كانت عليه مع أوباما. ففن الصّفقة ناشط وجيد هنا.

المصدر: فورين بوليسي - ترجمة "مراة البحرين"

109-4