ومضات بمناسبة ذكرى انتصار الثورة الإيرانية

ومضات بمناسبة ذكرى انتصار الثورة الإيرانية
الخميس ٠٩ فبراير ٢٠١٧ - ١٠:٤٠ بتوقيت غرينتش

كان الشرق الأوسط كدول، والعالم الإسلامي بقطبيه السني والشيعي قد سلّما بوجود الكيان الصهيوني، فأنور السادات رئيس أكبر دولة عربية قد زار الكيان الصهيوني وتمّت تغطية فعلته دينياً من جانب شيخ الأزهر، ومن قبل كان الشاه محمد رضا بهلوي قد تحالف مع الصهاينة إلى أقصى الحدود وفتح لهم سفارة في طهران من دون أن يواجه معارضة حقيقية فاعلة إلاّ من جانب مرجع ديني منفي من بلده يقطن في العراق وثلة من أتباعه امتلأت بهم السجون أو أنهم أُبعِدوا عن المدن إلى القرى النائية أو فرضت عليهم الإقامة الجبرية، لكي لا تصل أصواتهم إلى الناس خوفاً من حركة اعتراضية.

العالم - ايران

وعلى الصعيد الدولي كان التواطؤ بين مختلف الدول الكبرى على القبول بـ «إسرائيل» كعضو في الأمم المتحدة ودعمها في مواجهة الذين يهدّدون وجودها «وتبرير» جرائمها لأنها «تدافع عن نفسها ومواطنيها».

وأمام هذا الواقع المطبق على الأمة كانت القوى الثورية الوطنية والقومية والتحرّرية تتخبّط بين تواطؤ الكيانات المتحكمة بالأوطان المتآمرة مع المحتل الغاصب وبين الضرورة العقلية والمنطقية التي تفرض مواجهة الظالم ومقارعة الغاصب ومناصرة المظلوم، وكان هامش الحركة ضيقاً جداً أمام المقاومين، حيث كانت المجموعة المتّجهة لمقاتلة الصهاينة تجد قبل بلوغها أرض العدو مَن يقوم باعتقالها وزجّها بالسجن متهمة إياها بمختلف التهم، وفي حال نجحت في تجاوز العوائق وقاتلت جنود العدو وأرادت العودة، فإنها كانت تجد مَن يسدّ عليها الطريق من جنود الدول المحيطة بالكيان الغاصب وكانت تقع بين فكّي كماشة جنود العدو وحماة حدوده من الدول المحيطة.

وفي المجال السياسي أيضاً كان التآمر من قبل القريب قبل البعيد وكانت الخيانة للقضية من جانب الزعماء «التقدميين» قبل الرؤساء «الرجعيين»، وكان هذا الواقع مريحاً لـ«الإسرائيليين» ومساعداً لهم ليتحرّكوا من دون رادع ويتوسّعوا في احتلالهم دونما خوف من أحد. وما يفضحه زعماء الكيان الصهيوني اليوم عن قدم التواصل مع زعماء الدول العربية والتآمر المشترك منذ ما قبل إعلان «دولة إسرائيل»، والكشف عن تقديم الضمانات المكتوبة لهم من قبل مؤسس الدولة الوهابية لبريطانيا العظمى بدعم تأسيس دولة لليهود على أرض فلسطين هو عيّنة من هذا التواطؤ الخبيث.

الناس يصدّون بصدورهم العارية رصاصات جلاوزة الشاه

في هذا الليل المدلهمّ جاءت حركة الشعب الإيراني بقيادة مرجع فقيه ديني هو الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني، حيث لا يمكن لأحد الطعن في فقاهته ومعرفته بالدين على أعلى المستوى لكونه الأعلم بين المجتهدين والفقهاء في استنباط الأحكام من مصادر التشريع الكتاب والسنة، ولا يمكن لأحد أيضاً أن يشكّك في صدق توجهه الثوري المنطلق من صميم الدين، والنابع من حقيقة الإسلام، والمنطلق من الفكر الأصيل المستمدّ من مدرسة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان الناس يصدّون بصدورهم العارية رصاصات جلاوزة الشاه وتتوسّع التظاهرات يوماً بعد يوم حتى شملت القرى النائية ولم تنفع أساليب القمع والمواجهة كلها، وساد الانقلاب على النظام بمن فيهم المقربون منه، وشاركت في المظاهرات الشعبية فئات الشعب كافة من مختلف الأفكار والمشارب والطبقات والقوميات، فلم يجد الشاه وحُماته بدّاً من قبول الواقع الجديد ولم يكن لديه خيار غير الفرار قبل فوات الأوان بعد اختيار شاهبور بختيار من الجبهة الوطنية رئيساً للوزراء وتعيين شورى تحلّ محله في غيابه.

"فكان الانهيار الكامل للجيش وإعلانه الولاء للإمام وانتصار الثورة في يوم الحادي عشر من شهر شباط من العام 1979 ميلادي"

وبعد أن فشلت القيادة العسكرية الموالية للشاه في النزول إلى الشارع وفرض منع التجوال في المدن كآخر محاولة للإمساك بالأرض وخروج الناس من بيوتهم إطاعة لأمر مرجعهم الديني الأعلى غير مبالين بما يمكن أن يترتب على عملهم هذا من نتائج، راجين بذلك رضا الله وإطاعة نائب الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه. فكان الانهيار الكامل للجيش وإعلانه الولاء للإمام وانتصار الثورة في يوم الحادي عشر من شهر شباط من العام 1979 ميلادي. وكانت هزيمة نظام الشاه بمثابة انهيار إحدى دعامتي التواطؤ مع الصهاينة الآنف الذكر في بداية المقال. وانبلج الفجر أمام كل أصحاب الفكر الثائر على الظلم والفساد، وفتح الطريق أمام جميع الذين كانوا قد علقوا بين فكّي الصهاينة والمتآمرين، ولذلك نرى مسارعة زعيم الثورة الفلسطينية يومذاك للسفر إلى إيران متجاوزاً كل الاحتياطات الأمنية التي كان أكثر الشخصيات تمسّكاً بها. وأعلن التحالف مع الثورة الإسلامية وقبوله بقيادة الإمام الخميني، وانبعثت الحياة من جديد في صفوف الشعب الفلسطيني، وعاد الأمل لديهم بإمكانية دحر الغزاة والعودة إلى الأرض التي أُخرجوا منها عنوة وحيلة قبل عقود، وأصبحت الشعوب المستضعفة تأمل إمكانية الغلبة على السلطات المستبدّة في بلادها والتخلّص من نير الظالمين إذا عقدت العزم ووحّدت الصفوف وقادها المخلصون.

وفي مقابل هذا الانفجار العظيم على صعيد العالم العربي والإسلامي واليقظة الشاملة على صعيد عامة الشعوب المستضعفة في الأرض سارع الاستكبار العالمي المتمثل بالولايات المتحدة إلى التدخل مباشرة من خلال إرسال نخبة من جنوده مع أحدث الطائرات وبإشراف مباشر من الرئيس الأميركي جيمي كارتر مع التواطؤ من بقايا النظام البائد لاحتلال إيران انطلاقاً من الإنزال العسكري في «طبس» على مدرج مطار في منطقة نائية بعيدة عن أعين الناس ليكون هو رأس الجسر ونقطة التجمّع وقاعدة الانطلاق للوصول إلى العاصمة واحتلالها بذريعة العمل على تحرير أعضاء السفارة الأميركية الذين كانوا قد اعتقلوا بعد وصول الشاه إلى الولايات المتحدة بإيعاز من المخابرات الأميركية لتعمل على تهيئة الأجواء لإعادته للسلطة، كما حصل في العام 1953 ميلادي، حيث أجهضت الثورة الشعبية بقيادة آية الله السيد أبو القاسم كاشاني وبالتعاون مع الدكتور محمد مصدق، لكن هذه المؤامرة الكبيرة فشلت بفضل الله واحترقت الطائرات الأحدث والنخبة من الجنود الأميركيين.

حرب النيابة التي افتعلها صدام

وانطلقت الخطة الثانية بتحريض حكام المنطقة والطغاة في بلاد المسلمين الخائفين على عروشهم وكراسيهم واللائذين بأسيادهم فراراً من غضب شعوبهم إلى العمل لوقف الإعصار الكبير الزاحف على بلدانهم، فكانت الحرب التي شنها صدام حسين نيابة عنهم تحت شعار «حماية الحدود الشرقية للوطن العربي»، وسانده طوال ثمان سنوات جميع الدول العربية باستثناء سوريا وليبيا «تطبيقاً لمعاهدة الدفاع العربي المشترك»، وموّلوا حربه بمئات المليارات من الدولارات من ثرواتهم بحجة «التضامن العربي»، وقامت الدول الاستكبارية كلّها بتأمين جميع ما يلزم من أحدث الأسلحة الفتاكة وحتى الإحداثيات عبر مختلف الأقمار الصناعية المتطوّرة وضمان الدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية كافة، وفي الجهة المقابلة كان الحصار الشامل والمطبق على النظام الوليد الذي يديره حديثو العهد بالسلطة وعديمو التجربة في إدارة أمور البلاد مع ما برز من تحرّكات عسكرية من جانب التنظيمات القومية واليسارية وحتى المطالبة بالانفصال مستغلة انفراط عقد الدولة المركزية وعدم تماسك قوات الجيش والشرطة، فلم تصل صفقات الأسلحة التي كان النظام البائد قد اشتراها ودفع أثمانها كاملة، وتمت سرقة كميات كبيرة من الأسلحة الموجودة في المخازن من قبل التنظيمات والعصابات التي لبست لبوس الثوار، فلم يكن بيد الشباب المنتصرين التجربة وقلّ وجود السلاح بأيديهم كمّاً ونوعاً، وصار لزاماً على هؤلاء مجابهة الجبهات المتعددة بالإمكانات البسيطة وباللحم الحي من قبل الغيارى على وطنهم وثورتهم ودينهم.

"كانت القذائف الكيماوية الممنوع استعمالها دولياً والتي سارعت الدول الأوروبية المدّعية الدفاع عن حقوق الإنسان إلى شحنها تنهمر على رؤوس الأبرياء"

ودامت هذه الحرب المجنونة 8 سنوات في خط تصاعدي من الهجوم العسكري المباغت وقصف المطارات وتدمير الطائرات وتقدم الدبابات والجيوش على طول الحدود العراقية الإيرانية المشتركة لاحتلال الأرض وتدمير المدن وإلحاق بعض المحافظات بالدولة العراقية، ولمّا صدّ المدافعون عن البلاد الغزاة ودحروهم عن أرض الوطن ولاحقوهم خلف الحدود لدرء مكائدهم والحؤول دون تجميع صفوفهم كانت القذائف الكيماوية الممنوع استعمالها دولياً والتي سارعت الدول الأوروبية المدّعية الدفاع عن حقوق الإنسان إلى شحنها تنهمر على رؤوس الأبرياء من أهالي القرى التي تحرّرت من الاحتلال، فقتلت في دقائق آلاف الأطفال والشيوخ والنساء بمرأى المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان واللجان التابعة للأمم المتحدة المعنية بالشؤون الإنسانية.

ولمّا لم تنفع كل هذه الأشكال من المواجهات تدخلت مجدداً الولايات المتحدة بنفسها داعمة النظام العراقي فقصفت منصات النفط الإيرانية في الخليج (الفارسي) ودمّرت ناقلات النفط الإيرانية وأقدمت أيضاً على إسقاط طائرة مدنية بصاروخ وقتل جميع ركابها. لكن في نهاية المطاف استطاعت الجمهورية الإسلامية إفشال جميع أنواع المؤامرات واضطر صدام حسين الذي مزّق اتفاقية الجزائر التي وقعها هو مع شاه إيران قبيل شنّ العدوان إلى الالتزام بها والقبول بالشروط الإيرانية كافة وتوجيه بنادقه إلى صدور الذين ساندوه في حربه والانقلاب على الدول التي وضعت إمكاناتها كلها تحت تصرفه واحتلال الكويت وتهديد السعودية.

فكانت الحرب الأميركية لـ «تحرير الكويت» التي كانت السفيرة الأميركية في العراق هي الموعزة من قبل إلى الموافقة على احتلالها، وكان تدمير ما تبقى من الجيش والعتاد العسكري العراقي، ومن بعد ذلك كانت ذريعة أسلحة الدمار الشامل فكانت الحرب المدمّرة واحتلال العراق والقضاء على نظام صدام حسين بالكامل وحلّ الجيش العراقي وانهيار مؤسسات الدولة العراقية كافة.

تطور ايراني في كل المجالات رغم أنف المتآمرين

واستطاعت الجمهورية الإسلامية في إيران رغم أنف المتآمرين، وفي ظل الحصار المطبق عليها من التطور في المجالات كافة، فلم تتوقف يوماً عملية الانتخابات بمختلف أشكالها ولم تتأثر عمليات تداول السلطة بين مسؤوليها ولم تتأخر يوماً عن اللحاق بركب التطور في مختلف الجالات. فكانت الإنجازات العسكرية المتتالية حتى بلغت أحدث الصواريخ البالستية بعيدة المدى، وكان التحول في المجال النووي الذي أذهل العالم كله، وكان الوقوف وراء الانتصار على الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب والعرب في لبنان وغزة فلسطين وإجبارها على الانسحاب مدحورة من دون قيد أو شرط من لبنان والاندحار مجبورة من القطاع تاركة وراءها المستوطنات. وكان الحضور القوي في المنطقة والعالم مما أجبر القوى الكبرى مجتمعة على قبول إيران نووية وفك قسم كبير من الحصار المفروض ورفع القيود عن الأموال المجمدة وحملها نقداً بالطائرات وتسليمها لإيران، بل والتوسّل مرات عديدة من قبل الرئيس الأميركي ليقبل رئيس الجمهورية الإسلامية اللقاء به على هامش اجتماعات الأمم المتحدة فرضي الرئيس الإيراني أخيراً بالمحادثة الهاتفية أثناء توجّهه إلى المطار مغادراً نيويورك.

"لم تفلح كل المواجهات الساخنة ولا الباردة في إبطاء حركة الجمهورية الإسلامية في إيران بل إن دول المنطقة أضاعت الفرص للتعاون الصادق مع إيران"

وطوال هذه السنين تعاقب 6 رؤساء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وتعاملوا مع الجمهورية الإسلامية بمختلف الأساليب، ولم تفلح كل المواجهات الساخنة ولا الباردة في إبطاء حركة الجمهورية الإسلامية في إيران بل إن دول المنطقة أضاعت الفرص للتعاون الصادق مع إيران وأعطت أموالها لتشتري سلاحاً لم ينفعها في تحقيق أهدافها، وحرمت شعوبها من ثرواتها التي وهبها الله سبحانه لتنعم بها.

واليوم نرى مع الأسف الدول نفسها تعود مرة الأخرى للاعتماد على أميركا نفسها التي ورطتهم في مجابهة الجمهورية الإسلامية مصدقين «هوبرات» الرئيس الأميركي دونالد ترامب متناسين دونالد ريغان «وشعاراته» وجورج دبليو بوش و«زمجراته» من الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب من دون أن ننسى تهديدات كارتر وكلينتون وأوباما من الحزب الديمقراطي، وهناك مثل معروف يقول «مين جرّب المجرّب كان عقله مخرّب»، ونحن نريد أن لا يجرّب زعماء المنطقة ورؤساء دولها هذه المرة ما جرّبوه طوال 39 عاماً حتى يبقى لهم شيء من العقل.

السيد صادق الموسوي - البناء

2-4