الرد السوري ونهاية «السبع العجاف»: كرامتنا بألفِ خير؛ فأين كرامتكم؟

الرد السوري ونهاية «السبع العجاف»: كرامتنا بألفِ خير؛ فأين كرامتكم؟
الإثنين ٢٠ مارس ٢٠١٧ - ٠٦:٤٩ بتوقيت غرينتش

قبل عامين؛ في الذكرى الخامسة لانطلاق شرارة الحرب على سوريا، كان عنوان المقال «كرامتنا بألف خير فطمنونا عنكم». كان الهدف يومها مخاطبةَ أولئك المكابرين عساهم يتحسَّسونَ عظيمَ ما اقترفوهُ في «بلد الياسمين»، مع الثقة بأن من خُلقَ ليزحَف لن يطير والإيمان بأن «السبعَ العِجاف» التي رآها الملك في رؤياه هي ذاتها التي ستمر على سوريا، لكن هذا الإيمان لا ينسحب حُكماً على تشبيهِ ما حصل لنا من غدرٍ من القريب أو البعيد بما تعرض له «سيدنا يوسف» على يدِ إخوته، تحديداً أن نبي اللـه «يعقوب» استغفر لأبنائهِ في نهايةِ الحكاية، واستغفار الأنبياء ليسَ مردوداً، لكن تلك الطغم وشذاذ الآفاق من سيستغفر لهم؟ .

العالم - العالم الاسلامي

التشبيهَ الوحيد الذي يليق بهم أنهم من نسلِ «قابيل» الذي غدر بـ«هابيل»، هذا النسل هو الصورة المعاكِسة لـ«وطن الياسمين»، الأول سيبقى «مصدر الشر» والثاني سيبقى «آخر معاقل الحق»، وما يجمعهما شكلاً أن كليهما لن يسقط حتى يرثَ اللـه الأرض وما عليها.

مع بدايةِ العام السابع من عمرِ هذه الحرب التي أرادوها حسب أكاذيبهم لـ«إقامة العدل»، «سقط عدلهم» وبقي «شموخنا»؛ سقط حقدهم على الطفولة وبقيت أرواحنا تبتسم كطفلٍ في حضن وطنٍ لا يشيخ. تصعيدٌ يتبعهُ تصعيد، لكن من قال أساساً إن حربهم «فترت» لنسمي ما قاموا به «تصعيداً»، حربهم لم ولن تفتر؛ فما الجديد؟
عندما ضربَ الإرهاب مقرَّين أمنيين في حمص أواخرَ الشهر الماضي، قلنا إن دقة العملية وحساسيةَ المنطقة المستهدَفة تجعلنا نقول فتشوا عن «إسرائيل»؛ لأن العمل بدقتهِ ورمزيتهِ، أكبرَ من قدرةِ أي تنظيمٍ إرهابي. كان الهدف ضربَ المراكز التي تسيطر على المعلومات المتعلقة بسيرِ المعارك ضد «داعش» في «تدمر».

اعاد «الإسرائيلي» الكرّة من جديدٍ ولذاتِ الهدف، «إنقاذ داعش»، لكن هذه المرة بصورةٍ مباشرة، والذريعة دائماً هي ضرب شحنات أسلحة متجهة لـ«حزب اللـه».

من اللافت أن هذا الاعتداء جاءَ بعد زيارة «نتنياهو» إلى روسيا، التوقيت دفع البعض للذهاب نحو فرضية أن «نتنياهو» جنى بهذه الغارة ثِمارَ التنازلات «البوتينية». لكن لماذا لا ننظر للأمر بطريقةٍ مغايرة والقول إن هذهِ الغارة هي نتيجة منطقية لفشل «نتنياهو» في موسكو، فما يثبت ذلك؟

على نحوٍ غير مسبوق استدعت الخارجية الروسية سفيرَ «إسرائيل» في موسكو للاستفسار عن الغارة. الاستدعاء بحدِّ ذاته أزعج «الإسرائيليين» لأنهم لم يعتادوا عليهِ تحديداً أن السفير جديد ولم يمض إلا أيام على استلامهِ لمهامه. هذا الأمر قد يراه البعض « إجراء دبلوماسياً» قد يكون بأي حالٍ من الأحوال «متفق عليه»، أو ناتجاً عن تواجدٍ للقوات الروسية بالقرب من المنطقة المستهدَفة، عندها سنذهب لما هو أهم؛ الرد السوري، والذي كشف عدة أمور بآن واحد:

أولاً: إذا كان هناك فعلياً «تنازلات بوتينية»، فهذا يعني أن الرد السوري أثبت استقلالية القرار وأن الروس لن يأخذوا من السوريين مالا يوافقون عليهِ في السياسة أو على الأرض.

ثانياً: أثبت هذا الرد بصورةٍ غير مباشرة ما قاله الأسد منذ سنوات، بأننا كنا نرد، وهم يعرفون أننا نرد لكنهم لا يريدون الاعتراف. في واقع الأمر أراد «الإسرائيلي» كالعادة عدم الاعتراف بالغارة أو بالرد السوري، لكنه «أُجبر على الاعتراف». بذات الوقت حاول الخروج بالحد الأدنى من الخسائر، فنفى إسقاط الطائرة وهي ليست المرة الأولى التي تسقط لهم فيها طائرات وينفون، واعترف بالرد السوري، لكن السؤال الذي لم يجب عليه: هل كان الرد فقط مرتبطاً بالصواريخ المضادة للطيران؟

عندما تجبر أصوات صفارات الإنذار، وبقايا الصواريخ «إسرائيل» على الاعتراف بالحد الأدنى فلأنهم يدركون أنهم «أوهن من بيت العنكبوت»، ويكفي الشعور بالخطر ليظهروا على حقيقتهم وليتعروا حتى أمام من يراهم كدولةٍ ديمقراطية تعترف بكل شيء.

إذاً؛ بات واضحاً أن الحرب دخلت في المنعطف الأهم، وهو إمكانية المواجهة المباشرة مع «إسرائيل»، حتى كلامهم عن عدم الانجرار للتصعيد لأنه ليس في مصلحتهم يبدو كذرِّ الرماد في العيون، ولكي تتضح الفكرة أكثر دعونا نحاول فهم ما أراده «الإسرائيلي» في سورية منذ العام2011 حتى الآن:

لا يهم «إسرائيل» إن تدمرت البنى التحتية في سوريا أو انهار الاقتصاد، بالنسبة لهم هذا تفصيل وليس هدفاً، ما يهمهم هل تدمرت القوة الرادعة التي تمتلكها سوريا أم لا؟

هذه القوة الرادعة يمكننا تقسيمها لقسمين: الأول معنوي؛ ستقرؤونه في ردة الفعل الشعبية على بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة؛ أي ما يمكننا تسميته اختصاراً: البيئة الحاضنة للفعل المقاوم التي تمثله سوريا. بدا واضحاً أن «الإسرائيلي» أخفق في كسر هذه البيئة، على العكس هناك من بات يتطوع من خارج سوريا للمشاركة في «تحرير الجولان»، هذه رسائل يعي «الإسرائيلي» مفاعليها.

أما الثاني، فهو مادي مرتبط حكماً بنوعية السلاح الذي يمتلكه السوريون. عقودٌ والصهاينة يفاخرون بأن سلاح الجو المتفوق لديهِم قادرٌ على حسم أي معركة، هذه الفرضية سقطت في حرب تموز 2006، يومها برروا ذلك بأن المواجهة التقليدية بين جيشين على الأرض تختلف عن المواجهة مع «حزب اللـه». مع ذلك كانوا يرتعدون من خفايا ما يمتلكهُ السوريون تحديداً «السلاح المضاد للطيران»، ولنتذكر أن أول ما فعله «ثوار الناتو» في سوريا هو تعطيل منظومات «الدفاع الجوي»، وهو حكماً عملٌ لا يفيد إلا «الإسرائيليين». الرد السوري الذي تم فيه استخدام صواريخ لا تمثل بأي شكلٍ من الأشكال منظومات متطورة لما يمتلكه الجيش العربي السوري أظهر «الإسرائيلي» بموقع المثل الشعبي القائل (كأنك يا بو زيد ما غزيت)؛ وكل ما جرى تدميره لم يؤثر في الترسانة السورية أولاً، ولم تستطع كل الاستفزازات السابقة من جعل الجيش السوري يستعجل الردود لكشف ما تبحث عنه «إسرائيل «ثانياً.

كل هذا لا يجعل السوري مستعجلاً، لأنه أساساً يتعاطى ببرودة أعصاب كونه مازال يعيش الحرب غير المباشرة، لكن الأمر حُكماً لا ينطبق على «الإسرائيلي» الذي قد يرى في الحرب خياراً على صعوبتهِ، إلا أنه الحل الأمثل، لكن أين الأميركي من كل ذلك؟.

اشتعلت الاتهامات والاتهامات المضادة بين الروس والأميركيين حول قصف اجتماع لقيادات في تنظيم القاعدة بـ«ريف حلبـ«؛ قال نشطاء محليون إنه أدى لتدمير مسجدٍ بمن فيه من المصلين. اللافت أن الأميركي أوقع نفسهُ في مطب، فإذا كان المستهدفون فعلياً هم قيادات في تنظيم القاعدة، فماذا كان يفعل ما يسمونهم أصحاب «الخوذ البيضاء» هناك وقد ظهروا في الفيديوهات وهم يكبِّرون وينتشلون الجثث، هل سيعترف الأميركي أن هذه المجموعة هي جزء من منظومة الإرهاب في سوريا، عندها قبل أن يأتي ويقصف في «ريف حلب» عليهِ أن يعتقل من رشحهم لـ»جائزة نوبل» أو منح منتجي فلم وثائقي عنهم جائزة «الأوسكار»! لكن اللافت أن هذه الاتهامات أو ما يمكننا تسميتها حرب التصريحات أسقطت الحديث عن «بداية تنسيق» أو «صفقات» بين الأميركي والروسي التي لا يشبهها إلا الحديث عن ضوء أخضر روسي لـ«نتنياهو» لاستهداف «حزب اللـه» في سوريا.

أما زيارة «بن سلمان» للولايات المتحدة ولقاؤه بـ«ترامب» بدا وكأنه أُعطي أكبر من حجمه، بما فيها خيار تكريس التحالف لمواجهة إيران وبالتالي سوريا، لأن هذا التحالف أساساً موجود و«آل سعود» أثبتوا أن ليس لديهم ما يقدمونه سوى المال، والأميركي لا يمكن له بأي حالٍ من الأحوال أن يذهب في خيار المواجهة الشاملة، كل ما يمكنهُ فعلهُ اليوم هو اللعب بورقةِ «المارينز» في الشمال وتأجيل استكمال الجيش العربي السوري السيطرة على ما تبقى من أراضٍ، فماذا ينتظرنا؟.

في الوقت الذي يسمي فيه إعلام البترودولار «اتفاق الوعر» بـ«التطهير العرقي»، وفي الوقت الذي يصر فيه البعض ألا يتعظ بأن هناك من يجمعهم في مكان ليسهل التخلص منهم كما جرى التخلص من قيادات القاعدة بـ«ريف إدلب»، هناك من لا يزال يخفق قلبهُ عندما يسمع بالرد السوري على العدوان «الإسرائيلي». هي معركة الكرامة التي لن يفهمها من امتهن الذلّ، إنها المعركة التي أجبرتنا بعد عامين أن نسألهم «أين كرامتكم». كرامتهم واضحةٌ أين هي، وخيارنا واضح، ألم يقل لهم الأسد منذ البداية «إن أردتموها حرباً مفتوحة، لتكن»، هي كذلك طوال السنوات الماضية مع فارقٍ بسيط أن الوسائل التي نمتلكها لمواجهة الأصيل لم تُستخدم بعد، وليعلموا أن خيار استخدامها ليس بحاجةٍ للكثير من التفكير، وهل هناكَ أجمل من جرِّ عدوك لما لا يريده… (جربونا).
 

فراس عزيز ديب / شام تايمز

109-4