سامي كليب: لو كنت سعوديا لقلقت من ترامب و"إسرائيل"

سامي كليب: لو كنت سعوديا لقلقت من ترامب و
الإثنين ٢٧ مارس ٢٠١٧ - ٠٧:٠٠ بتوقيت غرينتش

يحدو العرش السعودي الحالي أمل (كي لا نقول وهما) في أن يقدّم الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مساعدة كبيرة للرياض في صراعها ضد إيران.

يرافق ذلك سعي حثيث من دوائر ولوبيات للضغط على السعودية بغية فتح علاقة مباشرة مع "إسرائيل". يرافقه كذلك اتصالات بعيدة عن الأضواء بين حكومة نتنياهو ودول عربية من تلك التي لم توقع استسلاما بعد مع آخر نظام تمييز عنصري في العالم .

لو كنت مكان السعودية لقلقت جداً، ذلك أن حليفي اليوم سيصبح حتما عدوي غدا حين تتغير المصالح، لماذا؟
أولا: ان العقل الذي جاء بترامب الى الرئاسة الأميركية ليس عقلا مراهقا ولا فوز ترامب جاء صدفة كما يُشاع. انما خَلفَ الأمرِ منظومة مالية وسياسية واجتماعية قررت العودة الى أولوية العرق الأبيض على كل الأقليات والشعوب. هي قررت أيضا أن كل مسلم إرهابي حتى يثبت العكس.

قد يدغدغ ترامب حاليا مشاعر الرياض، لكن الأكيد أن هذه المنظومة التي لم توفر العرش السعودي من الاتهامات القاسية في خلال الحملة الانتخابية، سوف ترتد على العرش عاجلا أم آجلا بعد أن تستنزفه ماليا الى أقصى حد.
ثانيا: قد يعتقد ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن ترامب سيساهم في فرش السجاد الأحمر أمامه للوصول الى العرش على حساب منافسين آخرين وفي مقدمهم ولي العهد الأمير محمد بن نايف ذو الحظوة الكبيرة عند الغرب والمعروف غربيا بأنه سيد محاربة الإرهاب في السعودية. لكن هذا يفترض انتصارا مستحيلا في اليمن (وقد كانت التظاهرة المليونية في صنعاء أمس لصالح علي عبدالله صالح والحوثيين مؤشرا كبيرا)، هذا يفترض أيضا تغييرا مستحيلا لمجرى الرياح في سوريا، وتقليما مستحيلا لاظافر ايران من العراق الى بيروت، ونهضة صعبة مالية واقتصادية في المملكة. بالعكس تماما قد نكتشف بعد حين أن الشركات السعودية من آرامكو الى أفضلها، مضطرة لضخ أموالها في المصارف الأميركية ، لأن العقل المالي خلف ترامب (والذي يختلف جذريا عن العقل المالي التقليدي في أميركا) ، يطلب ثمنا ماليا باهظا لكل طلب سعودي.
ثالثا: اذا كانت أميركا في عهد باراك أوباما قد غازلت الاخوان المسلمين (ضد السعودية ومصر والخليج (الفارسي)) وانفتحت على ايران حيث وقعت مع الدول الغربية اتفاقا نوويا استثنائيا، فكيف لا تفكر السعودية أنه بعد، قد يجد ترامب ذو العقل التجاري والمالي والمصلحي، مصلحته في مكان آخر غير السعودية اذا مالت الرياح باتجاه إقليمي ودولي مغاير.....
رابعا: ان المطلوب من السعودية في المرحلة المقبلة كثير: من تغيير مناهج التعليم ، الى وضع حد لسطوة الفكر الوهابي على النظام التربوي والاجتماعي، الى إجراءات أمنية قاسية على حركة مواطنيها صوب الغرب ( لنلاحظ مثلا الاجراءات الأخيرة من اميركا وبريطانيا بشأن الطيران والأجهزة الالكترونية ... والآتي لا شك أعظم وأخطر)...والمطلوب خصوصا الانخراط المباشر والفعّال في ضرب الإرهاب .... ( هل لنا تصور ردة الفعل في الداخل السعودي على كل ذلك ؟ )

خامسا: ثمة من يعتقد ان ترامب موالٍ بعمق لإسرائيل وسيدافع عنها بشراسة. ربما هذا صحيح ولكنه خلافا للادارات الاميركية السابقة لن يكون منطلقا من المباديء التي جمعت اميركا و"إسرائيل" وانما على المصالح. فترامب وأعضاء فريقه الذين يدورون في فلك مالي وديني وايديولوجي مناهض للاقليات ولكل عرق غير أبيض( لا بل وغير أبيض جرماني تحديدا )، لم يكونوا تاريخيا ممن يثيرون اطمئنان "إسرائيل"... لنتذكر كيف هاجمهم بعض الاعلام الإسرائيلي حولة ترامب وكيف انسحب عدد من انصار منظمة " ايباك" في أميركا حين حضر ترامب.... لكن يبدو ان سيد البيت الأبيض فهم لاحقا انه لا يستطيع ان يكون ضد الاعلام وضد الاستخبارات وضد اليهود مرة واحدة ..... هذا يعني ان أي انزلاق صوب حرب كبيرة في المنطقة قد يؤدي لاحقا الى انسحاب ترامب من المنطقة لا الانخراط في مشاكلها الباهظة ماليا وعسكريا ..... هذا يعني أن دول الخليج (الفارسي) وغيرها قد تجد نفسها عرضة لحرب مع ايران لا أحد غير الله يعرف نهايتها.

ماذا الآن عن "إسرائيل" ؟

يستعد النظام العربي المهترىء والمترنح والمتخاصم والمدمر للانبطاح أكثر أمام إسرائيل. لن نفاجأ اذا ما ظهرت بعض البواكير في القمة العربية المقبلة في عمان. قد يظهر ذلك في فتح أبواب مواربة امام علاقات إقليمية عربية اسرائيلية ، تماما كما قد يظهر من خلال رفع اللهجة ضد ايران وحزب الله وغيرهما... لكن الخطر الفعلي في كل هذا، لن يكون على الدول المنضوية تحت محور المقاومة وانما على تلك التي تسمي نفسها أيضا ب " المعتدلة " ....لماذا ؟
-لا يمكن لإسرائيل مطلقا ان تقبل بنجاح حلف عربي إسلامي كبير مهما كانت أهدافه. فكل حلف عربي إسلامي هو ضدها، حتى لو كان مؤقتا ضد ايران . هكذا كانت وهكذا ستبقى مهما شعرت بانفتاح عربي عليها . كل ما تريده حاليها هو استنزاف دول عربية بذريعة الحرب ضد ايران والحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدات الاميركية والعربية.
-تريد "إسرائيل" سرقة أكبر قدر ممكن ما بقي من فلسطين في هذه الفترة بالضبط. ستستمر في العمل على تهويد الأرض والبشر والشجر ولون الشمس والقمر..... هل ستتحمل السعودية فعلا حصول كل ذلك وهي تتفرج ؟ وهي لو تحملت ، هل ستمضي الأمور فعلا في الداخل السعودي والمحيط العربي والإسلامي بسلام ؟ الن تفتح الرياض الأبواب واسعة في المنطقة لإيران الرافعة شعار تحرير فلسطين ودعم المقاومة ؟
-أخيرا لنراجع قليلا بعض الادبيات الإسرائيلية حول تقسيم الدول العربية، هل أنها تستثني السعودية ؟ الأكيد لا . واليكم بعض الأمثلة :

في مقالة بعنوان حدود الدم نُشرت عام ٢٠٠٦ في مجلة القوات المسلحة الاميركية، نقرأ التالي : " من جانبها ستعاني السعودية، وهي دولة مصطنعة، تجريدها من مناطقها بالقدر نفسه الذي ستعانيه باكستان"

وفي دراسة بعنوان "استراتيجية إسرائيل" العائدة الى الثمانيات، نقرأ: "
إن شبه الجزيرة العربية برمتها مرشحة بشكل طبيعي لأن تتفكك نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية، هذه المسألة لا يمكن تجنبها خصوصاً في المملكة العربية السعودية. وبغض النظر عما إذا كانت قوتها الاقتصادية القائمة على النفط ستظل على حالها أم أنها ستضعف على المدى الطويل، فإن الخلافات الداخلية هي تطور طبيعي وواضح في ضوء البنية السياسية القائم."

ولمن يريد المزيد فالدراسات والوثائق كثيرة حول الخرائط المرسومة بدقة لتقسم السعودية كما باقي الدول العربية ...

انا لو كنت مكان السعودية، لكنت أولا تلقفت الدعوة التي أطلقها اليوم من قلب صنعاء ، الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي لا يزال من على جيشه وبالتحالف مع أنصار الله يقاتل بشراسة التحالف بقيادة السعودية منذ عامين. فهو اقترح على الرياض اليوم " سلام الشجعان"....يذكرنا هذا بالاتفاق الذي كان تم التوصل اليه للحل السياسي في اليمن قبل أسبوع واحد من الحرب، لكن المبعوث الاممي فوجيء آنذاك بأن السعودية قد بدأت الحرب... ربما اريد لهذه الحرب تحقيق انتصار للأمير محمد بن سلمان بغية فرض نفسه ملكا مقبلا .... الآن تغير المشهد تماما ...

ولو كنت مكان السعودية ، لحافظت على ما بقي من مال، ولحذرت جدا من ترامب وإسرائيل، وعملت على طي الصفحة والمباشرة بالدخول في حلول سياسية فعلية في سوريا والعراق واليمن وصولا الى لبنان ....

ولو كنت مكان السعودية لبحثت عن قواسم مشتركة مع ايران وقبلت نصائح سلطنة عمان والكويت وروسيا وغيرها بغية الدخول في مفاوضات تسوية ، لان الحرب هذه المرة قد تضع كل مستقبل السعودية على كف عفريت ....

ليس ترامب ولا إسرائيل من النمط الذي يمكن الركون اليه، اذا ما تغيرت مجاري الرياح خصوصا مع احتمال دخول الصين وروسيا على الخط .....
غرقت السعودية في فخ اليمن ، فهل تغرق في وهم قاتل اسمه التقارب مع إسرائيل والاطمئنان إلى ترامب

*سامي كليب - اوقات الشام

4