ما الذي دفع مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة لإطلاق تصريحات ضد الرئيس الأسد؟

ما الذي دفع مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة لإطلاق تصريحات ضد الرئيس الأسد؟
الأربعاء ٠٥ أبريل ٢٠١٧ - ٠٤:٠٣ بتوقيت غرينتش

رمى راعي البقر قبعته التكساسية ومسدس الكولت، تاركاً حكايا الغرب المتوحش لأفلام هوليوود فقط، ثم ارتدى بزة كالتي يرتديها حيتان وول ستريت الأثرياء، جلس في المكتب البيضاوي ثم أعطى أوامره لفريقه السياسي بإصدار تصريحات شبيهة بالبورصة تنخفض وتيرتها حيناً وترتفع حد السماء حيناً آخر.

وفيما تهمة العمالة لروسيا أكثر ما يعمل الآن لإبعادها عنه، قام الألماني الأصل دونالد ترمب بالإيعاز لمندوبته في الأمم المتحدة نيكي هيلي بالعدول عن تصريحات سابقة كانت قد أعلنتها تجاه سوريا من أن أولوية واشنطن لم تعد الإطاحة بالقيادة السورية بل مكافحة الإرهاب.
لقد كانت تلك التصريحات السابقة لواشنطن تفوق تأثير قنبلة هيدروجينية على الرأي العام العالمي والعربي، استنفرت جميع وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الاستراتيجية للتنبؤ بسياسة ترمب القادمة، فيما قامت جهات عديدة باستثمار تلك التصريحات التي تخلت عن إسقاط الحكومة السورية باعتبارها دليلاً على تهمة كانت قد وّجهت لترامب بأنه عميل لروسيا التي تدعم الرئيس الأسد.
لم تدم تصريحات نيكي هيلي السابقة عن أولويات واشنطن الجديدة عدة ساعات، حتى خرجت بتصريح عدائي ضد دمشق مفاده بأن الولايات المتحدة لن تقبل مشاركة الرئيس بشار الأسد في أي انتخابات مقبلة في سورية، زاعمةً أن الحكومة السورية تتحمل مسؤولية ما يحدث في البلاد وللشعب السوري، لكنها في ذات الوقت تهربت من الإجابة على سؤال حول الدعم الروسي لمن تهاجمه الولايات المتحدة، وفي هذا التفصيل يكمن الشيطان.
دونالد ترمب بنظر الكثير من الأمريكيين عموماً والمحافظين والمتعصبين السياسيين خصوصاً هو رجل موسكو في واشنطن، الأمر الذي يؤثر في الرأي العام ويدفع ترمب للقيام بأي خطوة من شأنها إبعاد تلك التهمة عنه.
ولهذا السبب قام ترمب بتوجيه مندوبته الجمهورية نيكي هيلي للخروج بتصريحات معادية ضد دمشق بعد أيام قليلة على تصريحاتها حول القيادة السورية والتي اعتبرها كثيرون انعطافةً كبيرة في السياسة ضمن المنطقة، تلك التصريحات جعلت العديد من خصوم سورية يجرون سيلاً من الاتصالات بالبيت الأبيض، لاستفهام ما تقصده هيلي مما قالته حول أولويات واشنطن.
سارع ترمب  للاجتماع بمستشاريه المقربين الذين قالوا له بأن عليه سحب تصريحاته الإيجابية المباشرة تجاه دمشق لأن ذلك سيتسبب بإحراج لإدارته ويؤكد جميع التهم الموجهة بأنه يعمل بتنسيق سري مع موسكو الداعمة للرئيس الأسد، وأشار المستشارون إلى ضرورة اتباع استراتيجية بالونات الاختبار والتي تتمثل بإطلاق تصريحات لمعرفة ردود فعل الدول والحكومات عليها، مشددين على وجوب أن تكون التصريحات الجديدة لاذعة تجاه سورية وتؤكد على فكرة أن واشنطن لا تزال في موقع الخصم لدمشق حليفة روسيا، وهذا كفيل بإبعاد شبهة عمالة ترمب للكرملين، خصوصاً مع تصاعد الامتعاض الأوروبي من روسيا والاتهامات الفرنسية لموسكو بالتدخل في انتخاباتها وقبل ذلك الأصوات العالية التي رددت اتهامات لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية التي فاز بها ترمب، وقد تزامن ذلك مع إصدار الاتحاد الأوروبي وثيقة نهائية في  لوكسمبورغ يؤكد فيها استمراره دعم ما تُسمى بالمعارضة السورية واللجنة العليا للمفاوضات.
الإدارة الأمريكية تريد الآن الاحتفاظ بقنوات التواصل مع الجميع، تريد الاستمرار بحلب البقرة الخليجية وتقديم خدماتها الأمنية والعسكرية لها مقابل المال والاستثمارات وهذا يتطلب مواقفاً سياسية محابية لتلك الأنظمة ضد خصومها كدمشق، كذلك هناك الاتحاد الأوروبي الذي يرى في موسكو حليفة سورية تهديداً لأوروبا الغربية بما يجعل واشنطن تحاول الوقوف على مسافة واحدة منهما إن صح التعبير.
بالمحصلة فإن فريق ترمب سيستمر بالتنسيق العالي مع موسكو سراً، وفي ذات الوقت سيحاول الخروج بتصريحات متناقضة من حين لآخر، ترضي معظم الأطراف ولا تثير المخاوف والاتهامات، ستظل التصريحات الكلامية مجرد ثرثرة إعلامية لن تشكل قيمةً إلا في حال تنفيذها على الأرض، والآن ما يتم تنفيذه هو محاربة الإرهاب وداعش وتقدم الجيش العربي السوري في ريف حماة والغوطة الدمشقية، فيما الحادث الإرهابي الذي ضرب سان بطرسبرغ سيكون بمثابة صاعق سيشعل الغضب الروسي تجاه إرهابيي سورية ويجعل واشنطن مضطرة لعدم رفض أي ردات فعل عسكرية تقوم بها روسيا ضد هؤلاء على الأرض السورية.
* علي مخلوف - عاجل الاخبارية

4