كيماوي خان شيخون.. بين "الطواقي" و"الملابس" البيض

كيماوي خان شيخون.. بين
الأربعاء ٠٥ أبريل ٢٠١٧ - ٠٦:٥٤ بتوقيت غرينتش

تمثيلية "كيماوية" جديدة استفاق العالم عليها الاثنين، بطلها كما هي العادة مجموعات "مدنية" غالبيتهم من الأطفال "فقط" استهدفهم الجيش السوري بـ"قنابل" تحوي غاز سام من نوع "السارين"، ودون سابق إنذار استنفر "العالم" أجمعين وانتقل من مرحلة "التغريد" على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى المطالبة باجتماع "فوري" لمجلس الأمن الدولي لبحث هذه "الجريمة" التي ارتكبها "النظام السوري" بحق المدنيين الآمنين في مدينة خان شيخون على الحدود الإدارية بين مدينتي حماة وإدلب.

العالم - مقالات

دول العالم التي تداعت أمس واستنفرت على وقع "تمثيلية الكيماوي"، هي ذاتها التي اعتادت التطبيل والتزمير لصالح الميليشيات الإرهابية التي تحكم مدينة إدلب وريفها وصولاً إلى أطراف ريف حماة الشمالي، أي "هيئة تحرير الشام" و"أحرار الشام" و"جيش الفتح" المنضوين جميعاً تحت راية "جبهة النصرة"، التابعة لتنظيم "القاعدة" المصنّف إرهابياً، ففرنسا التي تسلّمت الشق الإنساني لتلك الفصائل وأسعفتهم بالمواد الطبية والجراحية منذ كانوا يسيطرون على الأحياء الشرقية لمدينة حلب، ثم نقلت نشاطها معهم إلى إدلب وشمال مدينة حماة، إضافةً إلى بريطانيا التي تسلّمت الملف العسكري وزودت تلك الميليشيات بأحدث أنواع الأسلحة وأجهزة الرصد التي من المفروض ألا يمكلها إلا تشكيلات الجيوش الكبرى، وصولاً إلى إسرائيل التي تقدم الدعم اللوجستي والفضائي لذات الفصائل، كلها سارعت إلى مطالبة مجلس الأمن إلى الانعقاد بصورة مستعجلة لبحث "الأزمة الكيماوية" المستحدثة، حتى قبل أن تُطالب بفتح تحقيق مثلاً عن هذه الحادثة التي يندى لها الجبين، خاصة وأن ضحيتها دائماً هم "أطفال" .. إذاً مالسبب في هذا الاستعجال الدولي لتوجيه التهمة إلى الدولة السورية؟.

قبل البحث في الأسباب التي دفعت تلك الدول إلى إعادة تكرار "جريمة السارين" التي كانت ابتكرتها سابقاً في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق عام 2013 وفشلت حينها في توريط الدولة السورية في هذه الجريمة، علينا البحث في الدوافع التي "أجبرت" الجيش العربي السوري في استخدام تلك الأسلحة إن كان هو من فعلها "فرضياً". أولاً: الوضع الميداني الذي يخوضه الجيش السوري يعتبر من أفضل الأوضاع التي مر بها منذ عام 2016 وحتى اليوم، فلا جبهات خاسرة أمامه، بل الجبهات التي كانت تعتبر عصيّة عليه قبل سنوات باتت جبهات سهلة تستطيع الوحدات العسكرية اقتحامها في أي وقت والسيطرة عليها، خاصة بعد أن تمكن الجيش من استراد مدينة حلب بكامل أحيائها إلى كنفه، فقد تغيّر الوضع العسكري للجيش وبات أكثر ثقة على الأرض مما كان عليه سابقاً، وهو أمرٌ بات معروف وواضح للمهتمين بأخبار الميدان السوري.

ثانياً: لم يعد الجيش في موقع الدفاع، بل بات مهاجماً نخبوياً ولديه القدرة على صد الهجومات المنظمة والمدروسة بأقل تكلفة ممكنة، فمن تابع معركة تدمر الأخيرة ولاحقاً جوبر وريف حماة الشمالي، يعرف أن وحدات الجيش غيّرت جميع تكتيكاتها العسكرية، وباتت قادة بشكل مطلق على صد أي هجوم مُعادي بهجوم معاكس تكون نتائجه سريعة، كالذي حصل لتنظيم داعش في البادية السورية وريف حلب الشمالي الشرقي، ومثله للفصائل الإرهابية في الغوطة الشرقية بعد معركة جوبر "الخاسرة"، وصولاً إلى معركة ريف حماة الشمالي التي حشدت الفصائل لها أكثر من 8000 مُقاتل من النخبة جلّهم أجانب، حيث انتهت المعركة بمقتل نصفهم، وعودة 90% من المناطق التي تقدموا إليها خلال أقل من 4 أيّام، وهي الآن "أي الميليشيات الإرهابية" تعيش حالة من الفوضى بعد الهزيمة الكبرى التي هددت "إمارتهم في إدلب"، التي فيما يبدو أنها تفتقد اليوم لأي قوة قادرة على الدفاع عنها في حال شنّ الجيش هجوماً واسعاً عليها، بعد خسارة نخبتها في قرى ريف حماة الشمالي.

ثالثاً: المصالحات التي تمكّنت القيادة السورية من توسيعها لتشمل معظم الريف الدمشقي وحمص ودرعا، وعودة الحياة طبيعية إلى مناطق المصالحات، وانضمام شُبّانها إلى صفوف الجيش لقتال التنظيمات الإرهابية.

رابعاً: التغيّر المُفاجئ في الآراء الدولية حول "مستقبل الرئيس الأسد" من جهة، وقتال التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، والتي كانت التصريحات الأمريكية بدايتها وصولاً إلى التصريحات الفرنسية التي جاءت على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت، وتلميحات بريطانية وبعض الدول الأوروبية والإقليمية وعلى رأسها تركيا التي أعلنت منذ أسبوع نهاية "مهمة درع الفرات"، كل ذلك انعكس سلباً على "أحلام الفصائل الإرهابية" في سورية، والتي كانت تتوقع أن يستمر العداء للحكومة السورية حتى "سقوط النظام" فيها، إلا أن ما حصل وسيحصل كان ضربة قاصمة لهم..

ما سبق هي بعضاً من العناصر التي تضع الدولة السورية في موقع القوة وليس موقع الضعف كما يظن البعض، وبالتالي ما الذي يدفع الحكومة السورية للطلب من الجيش استخدام السلاح الكيماوي "إن كان مازال في حوزتها" ضد الفصائل الإرهابية؟.. الحقيقة أنه لاشيء، فالجيش السوري لم يستخدم السلاح الكيماوي أبداً، فلو أراد استخدامه كما يشيع أعداء الدولة السورية، ألا كان من الأجدر استخدامه ضد تنظيم داعش الذي يُهاجم بأعداد ضخمة وبكثافة نارية كبيرة، حيث من السهل ضربه بقذائف تحمل غازات سامة سواء في تدمر أو الرقة أو في ريف حلب الشرقي، ألم يكن من السهل استهدافه في دير الزور عندما هاجم بآلاف المقاتلين المدينة نهاية العام الماضي؟، فهو منظمة "إرهابية" باعتراف العالم أجمع، ويحق للدولة السوري وأي دولة أخرى استخدام حتى الأسلحة النووية عندما تتعرض مناطقها لهجمات على غرار هجمات تنظيم داعش، ومع ذلك لم يُستخدم السلاح الكيماوي ضده، ليس لشيء إلا لأن الجيش السوري لا يستخدم مطلقاً هذه الأسلحة، فهو لن يورط نفسه أمام عشرات الدول التي تنتظر منه "خطيئة واحدة" لتستنفر في وجهه.

ما حصل في مدينة خان شيخون باختصار هو كالتالي، عندما خسرت الفصائل الإرهابية معاركها الأخيرة في ريف دمشق وحماة، فوجئت بالتصريحات الأمريكية التي أبدت عدم رغبتها بمناقشة مستقبل الرئيس بشار الأسد وترك هذا الملف للشعب السوري، ثم هددت واشنطن الفصائل بقطع الرواتب عنهم في حال لم يحققوا أي إنجاز أو يتوحدوا، لحقت دول أوروبية أخرى الولايات المتحدة بتصريحات مماثلة.

شعرت تلك الفصائل بالخوف وسط تقدم واضح للجيش على جميع الجبهات، كل ذلك دفع الميليشيات لإعادة تكرار رواية "الأسلحة الكيماوية" ولكن بشكل مطوّر، تكثيف إعلامي ضخم .. ضخ آلاف الصور لأطفال قد يكونوا "قتلوا" بالفعل لخدمة المسلسل "الممل"، والذي دائماً ما يكون أبطاله "أصحاب القبعات البيض" الذين لم يستهدفهم لا صواريخ أرض أرض ولا الفسفوري ولا حتى الكيماوي، لكنهم دائماً ما يكونوا في مكان الحدث بعد دقائق فقط من حدوثه، ومتل العادة، يكون هناك عشرات الأطفال "المغمى عليهم"، والذين تعرضوا لمئات الليترات من المياه لخدمة "النص المتلفز"، مصفوفون على قارعة الطريق عُراة بلا ثياب ودائماً ما يكونوا يرتدون "الكلاسين البيض" فقط، حتى تكون الصورة أوضح.. فيما نسي القائمون على تمثيلية أمس أن بعض الصور أوضحت أن المكان "المستهدف" هو موقع عسكري بحت، عبارة عن منطقة "أحفورية" مليئة بالمغارات والمحارس التي تصلح لتكون مستودعات لأسلحة وليس مناطق سكنية، كما نسي هؤلاء أن يغيّروا أو يوازنوا بين الجهات التي خرج منها "الزبد" من فم "الضحايا" الذين تعرضوا للمادة الكيميائية، فمن غير المعقول أن يخرج "الزبد" من الجهة اليمنى فقط من فم كل الضحايا، إضافةً إلى ماسبق، كان عليهم أن ينوعوا الضحايا، فأيضاً ليس من المعقول أن تكون دائماً الضحايا هم "أطفال" في منطقة شبه عسكرية إذا لم تكن "عسكرية" بالفعل، فأين أهالي هؤلاء الأطفال إذاً، وماذا يفعل هؤلاء الأطفال في هذه المنطفة بعيداً عن أمهاتهم على الأقل ..؟.

في الحقيقة، من كشف زيف ادعاءات هؤلاء الإرهابيين واتهامهم الجيش العربي السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضدهم ليس كل ما سبق فقط، هناك شيء آخر هو من فضح هؤلاء، ألا وهو بنيامين نتنياهو، هو الذي فضح كذبكم ونفاقكم، فمن غير المعقول أن يُسارع مجرم إرهابي له تاريخ طويل بالقتل والدمار ويداه مليئتان بدماء الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، ليطالب العالم بالإنسانية تجاهكم .. فوالله إن لم تكونوا قد نسقتم معه على ارتكاب هذه الجريمة .. سيكون هو الذي ارتكبها بكم بعد هزائمكم الأخيرة ..

ماهر خليل - عاجل الاخبارية

2-4