العدوان الأميركي أطاح بالإتصالات بين واشنطن وموسكو وبنتائج الأستانة وجنيف

العدوان الأميركي أطاح بالإتصالات بين واشنطن وموسكو وبنتائج الأستانة وجنيف
السبت ٠٨ أبريل ٢٠١٧ - ٠٦:٥٤ بتوقيت غرينتش

هل عاد الصراع في سوريا إلى المربّع الأوّل والصعب بعد العدوان الأميركيّ بستين صاروخًا من نوع تماهوك على قاعدة الشعيرات العسكريّة في ريف حمص؟ ممّا لا شكّ فيه أن الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب شاء تعويم نفسه بوجه معارضيه في الداخل الأميركيّ والخارج الأوروبيّ، بعمل عدائيّ استهلك فيه موضوع خان شيخون استهلاكًا مقيتًا، وانتقل الرجل من جبهة الحرب على الإرهاب إلى جبهة الحرب على النظام.


لم تكن مجزرة خان شيخون وبحسب معلومات واردة سوى اللحظة الأولى المتضخمة جدّا، والمحرّكة لمجموعة ضغوطات احتشدت أمام البيت الأبيض وتراكمت، وتسربت إلى عقل ترامب الديماغوجيّ لتحدث عنده هذا الارتجاج  الخطير في مفهوم العلاقات الدوليّة. وتقول تلك المعلومات وبحسب مصادر دبلوماسيّة موثوقة، بأنّه غداة حدوث المجزرة اتصل وزير الخارجيّة الروسيّة سيرغي لافروف بنظيره الأميركيّ ريك تيلرسون، وأعلمه بأنّ مسألة خان شيخون مفتعلة ويجب التباحث بها مليًّا وروسيا تملك في حوزتها وثائق ومعلومات تدين بشدّة «جبهة النصرة»، التي جاءت بالأطفال لهذا الموقع بهدف إثارة السخط والغضب بوجه النظام السوريّ واستند في ذلك إلى مجموعة صور ووقائع كشفت عمق المؤامرة. وتمنى عليه بان تتريث واشنطن في أيّ ردّة فعل قبل صدور النتائج بالتحقيقات حتى لا يوصم عهد دونالد ترامب بأنّه عهد الخطايا. وتضيف المصادر بأنّ تيلرسون المعروف بواقعيّته وهدوئه واتزانه تشارك مع لافروف بعض المعلومات، وكشفت بأن تيلرسون تفاجأ بدوره بردّة فعل الرئيس السريعة.

المصادر عينها، قرأت حدث خان شيخون المأساويّ والفظيع، بأنّه حدث استراتيجيّ وهادف. من افتعل هذه المجزرة لم يقم بتعويم تركيا وقطر والسعوديّة فقط، بل أعاد اللحمة إلى هذا المعسكر والولايات الأميركيّة المتحدة بعد مرحلة من القطيعة سبّبتها مواقف ترامب الداعمة للرئيس السوريّ بشّار الأسد، وعلى ما يبدو فإنّ دونالد ترامب لا يملك القدرة على التقدير ولا على التحليل البليغ، ومواقفه تدلّ على أنه سريع الانفعال للغاية، وحين قرّر مواجهة إيران بهذه الصورة الانفعالية وبلا مقاييس ومعايير محدّدة وطمعًا بصفقات محددة مع الخليج ( الفارسي) ، سأله فلاديمير بوتين وكرّر لافروف السؤال غير مرّة، كيف يمكن مقاتلة من يساهمون في الحرب على الإرهاب وهم حلفاء متينون للرئيس الرئيسين الروسي والسوريّ في هذه الحربّ؟ كان السؤال وبحسب تلك المصادر بمثابة تحذير مشوب ببعض التشكيك.

المصادر الديبلوماسية تشرح مرامي ترامب هذه الضربة العدوانيّة، والمعاني والأهداف خلفها:
1- إيجاد مخرج له على المستوى الداخليّ بعدما استفحل الصراع بينه وبين المواقع الأميركيّة الأخرى على خلفيتيّ انتخابه الملتبَس، ومواقفه من الرئيس بشّار الأسد.
2- إعادة التموضع داخليًّا أي على المستوى الأميركيّ بإرضاء معارضي النظام السوريّ في الدائرة السياسيّة الأميركيّة، فيتحوّل التموضع إلى تحفيز لاستعادة زمام الأمور على مستوى الصراع في سوريا وعليها.
3- رسم خريطة جديدة لعلاقاته مع دول الخليج ( الفارسي) ومع العالم الأوروبيّ بعد سوء الفهم الحاصل بين الإدارة الأميركيّة والدول الأوروبيّة وهو بحاجة بالتالي أن يكسب رضاهم ليصار فيما بعد للعمل على تطويق موسكو.
4- تنفيذ الرؤية الإسرائيليّة بأن تبقى أميركا حارسًا لها ومؤمّنة لديمومتها كقوّة جوهريّة ولها هيمنتها الواضحة.
5- استكمال مشروع تفتيت سوريا والعراق بالمفهوم الأميركيّ عن طريق إنتاج دويلة كرديّة وحمايتها وإنتاج منطقة عازلة تقطع الطريق بين سوريا والعراق ما بين الرقة والموصل.

قبل الوصول إلى ما تحقّق من خلف هذا العدوان الأميركيّ، توصلت المعلومات من خلال المصادر الدبلوماسيّة إلى اكتشاف بأنّ ثمّة اتفاقًا كان قد جرى بين الأميركيين والروس، على أن يدخل الجيش السوريّ مباشرة إلى الرقة ومنطقة القامشلي لتحريرها واستعادتها، وفتح الطريق المباشر باتجاه العراق، وكان الدبلوماسية الروسيّة قد أقنعت الإدارة الأميركيّة بضرورة التخلّي عن مشروع حماية الأكراد وتشجيعهم على تكوين دويلة لهم، فستقوى تحت تلك الرافعة النزعات في العالم كلّه وبخاصّة في روسيا وأوروبا الشرقيّة على رسم حدود وخرائط دويلات قوميّة ومذهبيّة، وسيشتدّ حينئذ ساعد القوى التكفيريّة والإسلامويّة على التغلغل والاتجاه وبخاصة في الجمهوريّة المنفصلة عن الاتحاد السوفياتي سابقًا بترسيم دويلاتهم والانطلاق منها للبلوغ نحو موسكو بالذات، وسيجد الأمن العالميّ نفسه تحت هذا التهديد.

في المرحلة الأولى فهم الأميركيون الرؤية الروسيّة وكان على تناغم شديد معها، وقد رحّب بها الرئيس السوريّ بشّار الأسد، غير أن بعض الدوائر الأميركيّة استشاطت غضبًا من جرّاء ما تمّ اعتباره من قبلها «بالفخّ الروسيّ» «والفتح الإيرانيّ الجديد»، لقد حدثت اجتماعات داخليّة صاخبة أبلغ فيها مسؤولو تلك الدوائر الرئيس الأميركيّ رفضهم المطلق بالتخلّي عن التواجد في الرقة وبضرورة تشجيع الأكراد وإقامة مناطق عازلة. ومما يجدر قوله بأنّ التحليل المضاد الذي قدّم للرئيس الأميركيّ بأن التخلّي عن الرقة والموصل يمنع التواصل ليس بين سوريا والعراق، بل بين إيران والساحل المشرقيّ الرابض على المتوسّط، كما أنّه يقطع طرق الإمدادات العسكريّة بين إيران والجيش السوريّ وحزب الله على وجه التحديد، «فمن يعني بأنّ مفهوم الحرب على الإرهاب عليه أن يعني الإرهاب كلّه، ويتزاوج بالضرورة مع مفهوم القضاء على الرئيس السوريّ بشّار الأسد».

وتضيف المعلومات الصادرة عن المصادر الدبلوماسيّة المواكبة، بأنّ مجزرة خان شيخون كان لا بدّ من حصولها بتلك الأذرع المتوحشة التي قادت الأطفال إلى هذا الموقع، فلم يكن بين القتلى مقاتل واحد من «جبهة النصرة» على الإطلاق، فقط أطفال، ممّا يعني بأنّ ثمّة فعلاً شنيعًا كان يجب أن يحدث ليقود دونالد ترامب ومعه الإدارة الأميركيّة إلى هذا العدوان. ثمّة تنسيق واضح ليس بحاجة لتفسير وتأويل بين الصوت والصدى، حتّى أن لجان تحقيق دولية غير رسميّة ستظهر أسماؤها لاحقًا بدأت بالتجند والتطوّع لقراءة ما حصل وإجراء التحقيق النزيه كما حصل خلال مجزرة غوطة دمشق. لقد حصلت مجزرة غوطة دمشق خلال عهد باراك أوباما واستطاع فلاديمير بوتين ثنيه عن ردّة الفعل بعد تحقيق أظهر عدم علاقة النظام السوريّ بها، امّا وبعد مجزرة خان شيخون فإنّ دونالد ترامب استبق التحقيق وانصاع لإرادة إدارته والدوائر ونفّذ عدوانه تحت ستار المعاقبة، والسؤال المطروح من خوله ومن سمح له بالمعاقبة، وبأية صفة يعاقب سوريا؟

أمّا الأهداف والمعاني فبدت واضحة بحسب الاوساط على النحو التالي:
1- لقد أعاد العدوان الأميركيّ تعويم القوى التكفيريّة، وأعاد الاعتبار إلى مقولة منافسته الرئاسيّة السابقة هيلاري كلينتون «بأنّ تنظيم القاعدة نحن من أنتجناه»، لقد اعاد ترامب إنتاج هؤلاء من جديد ليعودوا إلى التموضع سريعًا كقوّة مقاتلة في الداخل السوريّ.
2- لقد أعاد العدوان عينه الاعتبار لدول الخليج ( الفارسي ) المعادية لسوريا، لتعود فتستعمل سوريا ملعبًا لها بوجه النظام وبوجه إيران وحزب الله على الخلفيّة المذهبيّة وبوتيرة عالية جدًّا وهذا مصدر الخطورة المزدحمة والمتفجرة في هذا المحيط.
3- أخذ المنطقة إلى مفهوم اللاإستقرار الأمنيّ وتخشى بعض الأوساط السياسيّة من استعمال مسألة الانتخابات في لبنان والسجال حولها لتعميم مفهوم اللاإستقرار وجذب لبنان نحو التوتر الكبير السياسيّ والأمنيّ.
4- إعادة الاعتبار لصراع المحاور فتعود أميركا على رأس محور قوامه السعوديّة قطر وتركيا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا، مقابل محور تتصدره روسيا وإيران وقوامه الصين وقد تنضم إليه مصر والجزائر في الدفاع عن سوريا وبقائها وبقاء النظام فيها.
5- سقوط التسوية بين روسيا وأميركا وسقوط معظم الاتفاقات المكوِّنة لها، بمعنى سقوط النتائج الصادرة عن الأستانة وصولاً إلى جنيف.
6- سقوط الاتفاق الجويّ المتوازن وبالتالي فإن أي اعتداء أميركي محتمل سيواجه روسيًّا بأشد منه.

هل العدوان مدروس أو حماقة؟ ليس العدوان مدروسًا من قبل ترامب بقدر ما هو مدروس من مجموعة دوائر تماهت لجذب ترامب نحوه. العالم يتغيّر بسرعة قصوى والأزمة تشتدّ والحرب في سوريا وعليها قد تطول وتشتدّ، في ظلّ عالم عربيّ «الجميع فيه قتلى وجرحى».

المصدر : الديار ك جورج عبيد

112