الأسد: جاهزون للمنازلة الكبرى .. وبوتين يكفّر عن خطيئة "غورباتشوف"

الأسد: جاهزون للمنازلة الكبرى .. وبوتين يكفّر عن خطيئة
الخميس ٢٧ أبريل ٢٠١٧ - ٠٧:٤٠ بتوقيت غرينتش

عقب كل مواجهة ميدانية مباشرة –على إعتبار بأن الحرب وسيلة من وسائل الصراع السياسي- يبدأ تشكل الفضاءات الحيوية ومجالات النفوذ، فيتقلص بعضها ويتمدد الآخر، إستناداً لنتائج المواجهة الشاملة عموماً، وآخر تجليتها المتمثلة بالمواجهة العسكرية تحديداً.

سوريّاً، بتنا اليوم في الثلث الأخير من المواجهة المستمرة منذ سبع سنوات، وفي هذه المرحلة –الثلث الأخير الذي قد يطول أو يقصر، لكن أهميته ناجمة من التغييرات النوعية التي يحملها في طبيعة الصراع وحدّته ونتائجه- سيكون العنوان العريض للصراع "كسر إرادة العدو" إما بهزيمة واضحة نهائية، أو بمواجهة موضعيّة تنتهي بقبول "تسويّة" تعطي المنتصر ما يريد دون سحق الخاسر، أو برفع كلفة المواجهة إلى الحدود القصوى، بحيث يختار أحد الأطراف "المهادنة" والإستسلام على أطراف الميدان بدلاً من قلب المعركة... تمهيداً لرسم المجالات الحيوية ومناطق النفوذ الإستراتيجي. من هنا، يمكن "تفهم" حالة السائدة من الإستقطاب والأحلاف الإقليميّة والدوليّة التي تذكر بحلفي وارسو والنيتو إبان الحرب الباردة... ما هي أسلحة الحرب القادمة؟ كيف استعدت سورية وحلفائها لها؟ هل سنرى قوات بريّة روسيّة ضخمة في سوريّة؟... هذا ما سأحاول مقاربته بما تبقى من المقال.

* سوريّة وبتر أذرع الإخطبوط:

منذ ثمانينات القرن الماضي، وبعد أن نقلت سورية من كوريا الشمالية أول مصانعها لإنتاج صواريخ "سكود"، دخلت المواجهة مع الكيان الصهيوني منحى جديداً كليّاً... وقد لجأت سورية لهذه الإستراتيجية بعد دراسة متأنية لعناصر المواجهة، خصوصاً بعد رفض رئيس الإتحاد السوفيتي آنذاك "ميخائيل غورباتشوف" تزويد سورية بمنظومات الدفاع الجوي "أس-300". وأمّا عنوان هذه المواجهة فيمكن تلخيصها كما يلي:(لا يمكن للكيان الصهيوني الدفع بكل طائراته الحربية نحو سورية دفعة واحدة، لكن سورية قادرة على تدمير مطارات العدو دفعة واحدة عبر الإغراق الصاروخي) وهكذا ستقطع الذراع الطولية لكيان العدو، وسيكون مجبراً على الدخول في مواجهة كلاسيكية-تقليدية، الغلبة فيها من نصيب سورية وحلفائها حتماً. هذا يفسر ما قاله يوماً الراحل الكبير حافظ الأسد لأحد المراسلين الإعلاميين الغربيين عندما سأله حول موقف سورية في الحرب مقبلة مع "إسرائيل":(لديهم أقوى سلاح جو في المنطقة، وهم قادرون على توجيه ضربة موجعة لسورية، ولكن هذه الطائرات لن تجد مدارج لتهبط عليها... وستعود المنطقة إلى مئة عام إلى الوراء). وعندما سأله الإعلامي عن معنى ذلك، ردّ قائلاً:( لم يكن هناك شيء إسمه "إسرائيل" قبل مئة عام)... لنتأكد بأن المغزى الحقيقي لإستهداف أدوات الغزو الإرهابية لوحدات الدفاع الجوي ومحطات الرادار السوريّة، تمكين سلاح الجو الصهيوني من التحكم بالأجواء السورية على مدار الساعة لإستهداف قواعد ومنصات إطلاق صواريخ أرض-أرض من جهة، ومنع ترميمها وإعادة تذخيرها من جهة ثانية... ولهذا أيضاً، بحث الكيان الصهيوني عن قواعد جوية بديلة في الإقليم للتعويض عن أي نقص قد يلحق بقواعده، مثل تركيا، وكردستان العراق.
ولم تكتفي سورية بذلك؛ بل عملت على وضع إستراتجية دفاعيّة-هجوميّة للفتك بسلاحي الدبابات والدروع الصهيوني المتطور، باستخدام تشكيلة واسعة من الأسلحة المضادة للدروع في مقدمتها صاروخ "الكورنيت" القاتل، والذي أثبت فعالية منقطعة النظير في تدمير أحدث إصدارات العدو من دبابات "الميركافا"، وكانت تجربة وادي الحجير في جنوب لبنان خير شاهد على نجاح هذه الإستراتيجية.

* الحرب الإلكترونية:

شكّل تعطيل منظومات الرادار والدفاع الجوي السورية في منطقة البقاع اللبنانية 1982، واحدة من أكبر الكوارث التي تعرض لها الجيش العربي السوري، حيث عطّلت الحرب الإلكترونية التي شنها العدو الصهيوني بمساعدة أمريكا، الرادارات السورية ومنظومات دفاعها الجوي وسلاح الجو... لتخسر عشرات الطائرات الحربية، وعدد من بطاريات الصواريخ والرادارات... لكن ذلك شكل حافزاً لتحديث هذه المنظومة، وتنويع مصادر السلاح، وإطلاق عمليات تحديث وتطوير بقدرات وطنية سورية. اليوم، وعندما حاولت طائرات العدو الصهيوني التوغل إلى عمق سورية عبر شمال لبنان، لإستهداف قطاعات الجيش العربي السوري وحلفائه في ريف حمص الشرقي، تصدت الدفاعات الجوية السورية ذاتها، ولكن بعد تطويرها وتحصينها ضد عمليات التشويش، لتُسقط طائرة وتصيب أخرى من التشكيل المعادي، ولتضع حدّاً لاعتداءات العدو، ولينكفئ سلاح جوّه إلى عمق الأراضي المحتلة عند أي محاولة إستهداف جديدة... كما حصل قبل أيام معدودة في "نبع الفوار".

* حُلم يتحقق، والمسمار الأخير في نعش حلم غزو سورية:

بعد أن رفض "غورباتشوف" تزويد سورية بصواريخ "أس-300" بحجة اكتشافه "الهوية المسيحية" للسوفيت، وعلى الرغم من أن الراحل الكبير أخبره بأن مهد المسيحية التي "يدين" بها شعبه موجود في سورية، إلا أنّ الإنقلاب في سياسات الإتحاد السوفيتي قد وقع فعلاً قبل إنهياره بسنوات. مجدداً، حاول الرئيس بشار حافظ الأسد الحصول على هذه المنظومة بنسختها الحديثة، وقد تم عقد إتفاق بهذا الصدد، إلا أن ضغوطاً غربية وصهيونية أجلت تسليمها بالكامل، ولكن لم تلغيه... بعد أن وصلت بالفعل أجزاء من المنظومة إلى سوريّة.
من المعروف بأن أحد أهم نقاط ضعف الصواريخ الجوالة "كروز"، إعتمادها في انطلاقها نحو الهدف على خريطة لجغرافيا الهدف، تتضمن الكثير من العلامات والموانع الطبيعية والإصطناعيّة التي تزودها بما يشبه الخريطة، ولكن عند مرورها لمسافات طويلة فوق أسطح ممهدة، مثل الصحاري والمسطحات المائيّة، فإن دقتها تنخفض بشكل كبير... بالاستناد على تلك الحقيقة، يمكن أن نكتشف أهميّة وخطورة الدور الذي تؤديه صواريخ "الياخونت" السورية، فإلى جانب قدرتها على إستهداف كافة القطع البحرية بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات وبشحنة تفجيرية كبيرة... فهي تُجبر السفن الصاروخية على تجنب شعاعها الناري الذي يبلغ 300كم، ما يحدُّ من دقة صواريخها بشكل كبير. ويعد هذا السلاح أحد العوامل ألتي دفعت واشنطن لاستخدام صواريخها الجوالة من قبالة السواحل اللبنانية لا السورية. ويعد بطء صواريخ "التوماهوك" نقطة ضعف أخرى، بحيث يمكن لأسلحة الدفاع الجوي الرشاشة إسقاطها بكل سهولة، خصوصاً إذا كانت قادرة على توفير "شبكة نيران" مستمرة ومنظمة وكثيفة... إلى جانب إمكانية التشويش على مستقبلات هذه الصواريخ والتحكم بها، وهذه القدرة متوفرة لدى كل مكونات حلف المقاومة... وعند إضافة منظومة "أس-300" للبيئة المعادية للصواريخ الجوالة، ترتفع فرص إسقاطها إلى 98%، ما يعني كارثة محققة لأي هجوم مماثل.
تسارع وتيرة الحسم الميداني لصالح سورية وحلفائها، وانكسار مشروع غزو سورية بالأدوات الإرهابية، ليتعثر مخطط السيطرة على الإقليم ما يعني بداية إنهيار لمنظومة العدوان في الداخل السوري والإقليم والعالم، والاعتداءات الصهيونية المتكررة، واستخدام السواحل اللبنانية في توجيه ضربة صاروخية لمطار الشعيرات، والتهديد بغزو سورية... حتّم العودة لترميم وتحديث شبكة الدفاع الجوي السوريّة بأحدث ما في الترسانة الروسيّة من منظومات مثل، "بانتسير" و"أس-300 و400" القادرة على العمل بكفاءة عالية جداً ضد كافة الأهداف الطائرة من صواريخ جوالة ومقاتلات ومروحيات وطائرات مسيّرة... في أعقد ظروف التشويش الالكتروني المضاد، وفي مختلف الأنواء الجويّة. وكان "الإستفسار" عن فرص توريدها، أحد أهم الأسئلة التي طرحتها مؤخراً وكالتي "ريانوفستي" و"سبوتنك" الروسيتين على الرئيس بشار حافظ الأسد، وليردّ "الأسد":"نحن مهتمون عادة بالجيل الأحدث من أي نظام، لكن ذلك يعتمد على ما هو متوافر...". ليلتقي تماماً مع تصريح رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي "فيكتور أوزيروف":"إن روسيا قد تقوم بتصدير الكميات اللازمة من منظومات الدفاع الجوي إلى سورية في حال تم التوصل إلى اتفاق حول ذلك... وأن هذا الأمر لن يشكل عبئاً إضافياً على قطاع الصناعات العسكرية الروسية"، ويصبح المشهد أكثر وضوحاً عندما نضيف إليه تصريح لافروف الثلاثاء 25/4/2017، :"نشعر من محاولات بعض شركائنا أنهم يضعون خطاً أحمر، ويعطلون الحل السلمي والحوار بين الأطراف السورية، إضافة إلى اللجوء مجددا لمسألة تغيير النظام لكننا سنقاوم هذه المحاولات".

* كلمة أخيرة:

في ذات المقابلة مع "سبوتنك" و"ريانوفستي" مهدّ الرئيس "الأسد" للمنازلة الكبرى بقوله:(عندما نتحدث عن الغزو التركي، وعندما نتحدث عن القوات الأمريكية -والتي نعتبرها غزوا- وعندما نتحدث عن الإرهابيين على الأرض، فكلهم كيان واحد ولا فرق بينهم، هناك سيد واحد يسيطر على كل هذه الفصائل، وبالتالي، فإن الأولوية الآن هي إلحاق الهزيمة بالإرهابيين، عندما تهزم الإرهابيين، فإن الجيش التركي وأي جيش آخر سيصبح ضعيفا على الأرض، قوتهم الحقيقية تكمن في وكلائهم وليس في جيشهم هم... وأضاف:إما أن يغادروا، أو عليك أن تذهب لمحاربتهم. لا تستطيع القول:"يمكنهم أن يبقوا" أو "دعنا نتفاوض"، لا، لا تفاوض على ذلك). ولم يكتفي الرئيس الأسد بذلك؛ بل أفصح عن بعض إستعدادات سورية لمواجهة هذا الغزو عندما سؤل عن النقطة التي سيطلب فيها المزيد من المساعدة والدعم الروسيين، بما في ذلك على الأرض، بقوله:(إذا غير أعداؤنا وداعموهم وإرهابيوهم ووكلاؤهم إستراتيجيتهم وأحضروا المزيد من الإرهابيين من سائر أنحاء العالم، وبات هناك جيوش كاملة من الإرهابيين، قد تصبح هناك حاجة). رُسمت الخطوط الحٌمر، وأنجزت خطط المواجهة، وتهيأت عناصر الصدّ، وليس من خيار سوى النصر... وكفى.

سمير الفزاع - وكالة أوقات الشام

4