ضربة ترامب في الجزيرة السورية!

ضربة ترامب في الجزيرة السورية!
الجمعة ٠٥ مايو ٢٠١٧ - ١٢:٢٢ بتوقيت غرينتش

يبدو أن وعْدَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستهداف دمشق لم يكن في الشعيرات إنما في القامشلي، هذا باختصار شديد معنى التطوّرات الأخيرة في المنطقة الشرقية بعد اعتداء الطائرات التركية على مواقع للقوات الكردية، ومنشآت حكومية سوريّة هناك (25 نيسان/أبريل الماضي).

العالم - سوريا

 يشتغل في  الشرقية وحولها نمطان من الرهانات، الأول هو النمط التقليدي المعروف، والمُشتكى منه، والمتذرّع به دوماً، وتجده لدى كرد تركيا تجاه كرد الإدارة الذاتية، والعكس أيضاً، وحيث تقع واشنطن بين الطرفين موقع الخصم والحكم في آن، وخاصة من جهة أنقرة؛ والنمط الثاني هو نمط موجود ولكنه غير منظور في كثير من الأحيان، ويستلزم قدراً من الشجاعة للاعتراف به.

النمط الثاني هو نوع من مُكر السياسة، وله وجهان، الأول أن الولايات المتحدة، وهي حليف للكرد والترك، "تتآمر" عليهما وتدرجهما في سياساتها الصغرى والكبرى في المنطقة، وهو ما سوف تأتي مؤشّراته لاحقاً، وأما الوجه الثاني فهو أن يستبطن الكرد والترك ما تريده الولايات المتحدة منهما، ليقوما بما تريده هي منهما، عن طوع وقبول حسن، وفي ظن كل منهما أنه يستدرجها لخدمة مصالحه هو.

ولهذا النمط مؤشّرات كثيرة في التاريخ وفي الواقع، وتعيده الكاتبة والمؤرّخة الأميركية باربرا توكمان Barbara Tuckman  إلى ما تسمّيه "إساءة التقدير" الناجم عن تأثير عوامل عديدة منها الطموح المُفرِط وطغيان المدارك النمطية والمخيالية لبعض اللاعبين. أرادت أنقرة باعتدائها على المواقع الكردية، توجيه رسائل إلى واشنطن والكرد وغيرهما بأن لديها أولويات في المسألة السورية، يجب أخذها بالاعتبار، وخاصة بعد أن انخفضت كثيراً توقّعات أردوغان من ردّة الفعل الأميركية على حادثة خان شيخون.

وهكذا جاءت الاعتداءات المذكورة كمؤشّر استباقي على أجندة أردوغان في لقائه المتوقّع مع ترامب في واشنطن (16 أو 17 أيار/مايو الجاري)، ولم ينس أردوغان قبل الاعتداء وبعده على تأكيد استعداده للتعاون مع واشنطن في أية معركة ضدّ "داعش" أو دمشق. استجابة الكرد للاعتداءات التركية تمثّلت بمطلب واحد رئيس وهو إقامة "حظر جوّي" فوق "روج أفا"، وهي التسمية المُستحدثة للمنطقة الشرقية من سوريا، غير أن الاستجابة المذكورة جاءت مرتّبة ومنسّقة تضمّنت تصريحات لمسؤولين كرداً ومظاهر ترحيب "شعبية"، تلقّفتها وسائل الإعلام الأميركية باهتمام بالغ. السؤال اليوم هو: هل يتطلّب الأمر  مطالبة بإقامة "منطقة حظر جوّي" لمنع تركيا من استهداف القوات الكردية؟ الجواب شبه اليقيني هو لا.

إذ يمكن لواشنطن أن تضبط التوتّرات بين حليفيها من خلال إقامة ترتيبات تكون هي الضامنة لها، وقد فعلت ذلك سابقاً.الأرجح أن مطلب الحظر الجوّي تم بإيحاء أميركي، أو أنه جاء كنوع من التوافق الموضوعي بين أمل الكرد بالمزيد من الدعم الأميركي، ورغبة الولايات المتحدة بتعزيز وجودها العسكري في المناطق المدينية بعدما كان يركّز في السابق على مناطق عسكرية بعيدة نسبياً كـ المطارات والقواعد العسكرية وفي مناطق قريبة من خطوط التماس المُفترضة مع "داعش".

قرار الانتشار العسكري، المُحتفى به كردياً، بوصفه مطلباً شعبياً وقومياً! والاستجابة الكردية المُحتفى بها أميركياً، لا يمكن أن يكون ابن ساعته، ولا بدّ من أن تسبقه إعدادات وإجراءات منذ وقت طويل. هذا يعني أن الاستهداف الأميركي الفعلي لسوريا لم يكن في قاعدة الشعيرات، وإنما في المنطقة الشرقية، وفي القامشلي بالذات، المدينة الرئيسة المعوّل عليها كردياً في إقامة كيانية كردية في المنطقة الشرقية من سوريا، وحيث توجد قوات سوريّة ومطار مدني وعسكري ومؤسّسات حكومية، هي ما تبقّى من سلطة دمشق هناك.

إن انتشار قوات برية أميركية في مناطق ذات أهمية استراتيجية لسلطة الدولة السورية، وبأعداد تفوق ما يتم الإعلان عنه، هو عمل غير مُتناسب مع الذريعة المُعلنَة، وحيث يتم تلقيه كردياً، بوصفه إنجازاً تاريخياً يحمي كرد الإدارة الذاتية ويُمكّنهم –لاحقاً، وربما قريباً- من العمل للسيطرة على المنطقة الشرقية وإقامة ما يشبه "الإدارة المدنية" في محمية أميركية.

عقيل سعيد محفوض/الميادين نت

106-10