كذبة كبرى اسمها "الصراع السني الشيعي"

كذبة كبرى اسمها
الأربعاء ١٠ مايو ٢٠١٧ - ٠٦:٠٨ بتوقيت غرينتش

يبدو ان ما يقال عن وجود “صراع سني شيعي” في منطقتنا تحول الى “حقيقة” لا مجال للتشكيك فيها لدى البعض، في ظل الخطاب الطائفي العالي النبرة، وفي ظل حقيقة ان القاتل والمقتول هم من المسلمين من اتباع المذهبين السني والشيعي.

العالم ـ مقالات

زاد من “مصداقية” هذه “الحقيقة” لدى هذا البعض، وجود الكم الهائل من الفضائيات والاذاعات والمجلات والصحف والمشايخ، ينفثون ليل نهار سمومهم في قلوب وعقول الشباب البسطاء ليحولوهم الى حطب لنيران هذا الصراع.

كما بات بحكم “البديهية” لدى هذا البعض ان ما يحدث في سوريا والعراق واليمن هو صراع “سني شيعي”، وان الشيعة يحاولون القضاء على السنة وان السنة يحاولون بدورهم القضاء على الشيعة، وقبل ان يطلق بعضهم على البعض الرصاص، كانوا قد قصفوا ادمغة اتباعهم بعبارات وكلمات اشد فتكا من نصال السيوف والسكاكين، مثل اتهام المسلم اخيه المسلم بانه “مشرك” و “مرتد” و “رافضي” و “مجوسي” و “ابن متعة ” و.. “حلال الدم والمال”، ولا يستقيم امر الدين ولا الدنيا ولن تفتح الجنة ابوابها مادام هؤلاء احياء.

كما بات من المسلمات ايضا القول ان ما يجري من “صراع طائفي” في منطقتنا ليس سوى حرب بالوكالة بين ايران والسعودية، اي بين “الشيعة والسنة”، وان جذور هذا الصراع يمتد الى التراث والتاريخ والدين الاسلامي، بمعنى ان هذا الصراع هو صراع “مقدس” لا بد من الانتصار فيه او الهزيمة، ولا خيار ثالث امام المتصارعين، وهو ما يعني ان هذه الحرب ستتواصل على مدى عقود.

نظره سريعة ولكن ثاقبة ستكشف للمتابع ان ما تشهده منطقتنا هو صراع سياسي بامتياز تقف خلفه امريكا و”اسرائيل”، وكل ما يقال عن وجود صراع “سني شيعي” هو فخ نصبه لنا الغرب، لاضعافنا وتفكيك قوانا وشرذمة شعوبنا وتجزئة بلداننا ونهب ثرواتنا، عبر استخدام عصابات اجرامية ترفع زورا لواء الاسلام.

اتباع المذاهب الاسلامية وخاصة الشيعة والسنة يعيشون ومنذ اكثر من 1400 عام جنبا الى جنب في سلام ووئام، في البلدان العربية والاسلامية، التي دافعوا عنها سويا ضد المستعمر الغربي، وساهموا متعاونين في بنائها واعمارها، فكيف تذكر المسلمون فجأة انهم اتباع مذاهب متعددة، ولا يجب ان يعيشوا معا في وطن واحد، ولابد ان يحملوا السلاح ليقتلوا بعضهم بعضا.

عندما تحاول “اسرائيل” بكل ما تملك من امكانيات، مساعدة العصابات التكفيرية الارهابية في سوريا، وقد ظهر ذلك جليا في التقارير الموثقة عن معالجة “اسرائيل” لمسلحي الجماعات التكفيرية في مستشفياتها، وعندما تقصف “اسرائيل” وبشكل متكرر مواقع الجيش السوري كلما الحق هزيمة بالتكفيريين او ضيق عليهم الخناق في جبهة من الجبهات، وعندما تعتبر الجماعات المسلحة في سوريا “اسرائيل” صديقة لها وتحثها على ان تتدخل بشكل اقوى في الصراع في سوريا لاسقاط الحكومة السورية، في مقابل التنازل لها عن هضبة الجولان، تتأكد لنا حقيقة ان “اسرائيل” متورطة حتى اذنيها في الحرب المفروضة على سوريا.

الملفت ان الغرب وامريكا اخذوا منذ فترة يتحدثون عن اقامة حلف “سني عربي اسلامي” الى جانب “اسرائيل” ، لمواجهة ايران “الشيعية”، وهذه العناوين لم تكن من بنات افكار الصحفيين والاعلاميين الغربيين والامريكيين، بل هذه العناوين كررها اغلب المسؤولين الامريكيين السياسيين والعسكريين والامنيين، في محاولة منهم لتثبيت الكذبة الكبرى حول وجود “صراع سني شيعي” في اذهان البسطاء من العرب والمسلمين.

التدخل الامريكي “الاسرائيلي” المباشر والمكشوف فيما يجري في منطقتنا من صراع، لم يساهم في اضفاء شيء من الحقيقة على كذبة “الصراع السني الشيعي”، بل على العكس تماما فضح هذا التدخل الدور الامريكي “الاسرائيلي” في اشعال الفتن والحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا واماكن اخرى، من اجل اضعاف هذه الدول والابقاء على “اسرائيل” القوة الاولى في المنطقة.

على المسلمين شيعة وسنة، الا يقعوا في فخ كذبة “الصراع السني الشيعي”، فمثل هذا الصراع لا وجود له، وان كل ما يجري هو صراع بين امريكا و”اسرائيل” ومرتزقتها من العصابات التكفيرية من جانب والمسلمين شيعة وسنة من جانب اخر، وقد جسّد الجيشان العراقي والسوري هذه الحقيقة الناصعة افضل تجسيد، عندما اجتمع فيهما جميع مكونات الشعبين العراقي والسوري من شيعة وسنة وعلويين وايزديين وعرب واكراد وتركمان وصابئة ومسيحيين وباقي الاقليات القمية والدينية والمذهبية الاخرى، يقاتلون في خندق واحد الجماعات التكفيرية، مرتزقة امريكا و”اسرائيل”. 

* شفقنا

210