الجيش السوري يتقدم بنمط الأطواق والإطباق..

الجيش السوري يتقدم بنمط الأطواق والإطباق..
الأربعاء ٢٤ مايو ٢٠١٧ - ٠٤:٢٥ بتوقيت غرينتش

قد يكون المصطلح الذي استخدمته في توصيف العنوان الرئيسي لعمليات الجيش السوري الحالية مألوفًا لدى العسكريين، لناحية فهم طبيعة الطوق كإجراء ميداني يتمثل في رسم معالم تقدم القوات من اتجاهين على شاكلة فكي الكماشة واطباق الفكّين تدريجيًا على قلب المنطقة المراد الإطباق عليها، مع ترك ممرّ خروج ضيق يقع تحت السيطرة النارية للقوات المتقدمة لإتاحة الفرصة لقوات العدو بأن تنسحب من منطقة الطوق إمّا بالقوة او من خلال تسوية عبر المفاوضات، والأمثلة بهذا الصدد باتت كثيرة وواسعة وخصوصًا في محافظات دمشق وريف دمشق ومحافظة حمص.

قبل الدخول في تبيان طبيعة العمليات الحالية وخصوصًا في مناطق البادية السورية، لا بدّ من التذكير بعناوين المرحلة السابقة البعيدة منها والقريبة.
خلال سنة 2014 وبين شهري تموز وآب، استطاع تنظيم داعش السيطرة على اللواء 93 في عين عيسى والفرقة 17 شمال الرقة ومطار الطبقة العسكري، اضافة الى ان جبهة النصرة استطاعت خلال شهر ايار 2015 ان تسيطر على ادلب ومناطق واسعة في ارياف ادلب وسهل الغاب.
خلال هذه المرحلة وما قبلها، وبعد مرور ثلاث سنوات من اطلاق الحرب على سوريا بدأت القيادة العسكرية السورية بعد تمكنها من استيعاب الصدمة واعادة رسم تموضع القوات في حالة الدفاع ضمن مرحلتين "الدفاع السلبي" و"الدفاع الإيجابي"، من تحديد اولويات المواجهة، حيث كانت استعادة السيطرة على منطقة الثقل الإستراتيجي للدولة تشكل الأولوية القصوى من خلال تأمين المدن الكبرى وطرق الربط بينها لإنشاء قاعدة ارتكاز واسعة ومتماسكة تُنهي المخاطر الكبرى وتتجه نحو حسم معارك الأطراف.
مرحلة استعادة السيطرة على الثقل الإستراتيجي للدولة كانت جدارة المرحلة الأولى من الإنتقال الى الهجوم المضاد الذي تداخلت مساراته مع التخلي عن الجغرافيا الواسعة، تحت ضغط الهجوم المعادي للجماعات الإرهابية في مناطق ادلب بشكل خاص.

تركيز الهجوم المضاد للجيش السوري كان من خلال رسم مسار تقدم للقوات على كامل منطقة الحدود السورية – اللبنانية، يمكن اعتبار معركة القصير وتحريرها بدايةً لهذا المسار الذي انتهى منذ حوالي الشهر بعد خروج آخر ارهابي من مدينة الزبداني، وما سبق هذا الخروج من تحرير لكامل مدينة حلب اضافة الى عمليات التنظيف التي حصلت في كامل الغوطة الغربية لمدينة دمشق وصولًا حتى بلدة غباغب شمال مدينة درعا وحتى مناطق سفوح جبل الشيخ والمناطق المحاذية لمدينة القنيطرة، بالإضافة طبعًا الى تنظيف منطقة وادي بردى بالكامل مع خروج المسلحين من مناطق لصيقة للعاصمة دمشق في قدسيا والهامة والتل واخيرًا القابون وبرزة، مع تقليص كبير لمنطقة سيطرة الجماعات الإرهابية في الغوطة الشرقية التي باتت بعد تحرير برزة والقابون داخل الطوق بشكل محكم لأنّ القابون وبرزة كانتا تشكلان رئة التنفس لمنطقة الغوطة الشرقية التي ستشهد تضييقًا للطوق سيجبر الجماعات الإرهابية على الدخول بتسوية عاجلًا او آجلًا، مع ضرورة التذكير أنّ النطاق الإداري لمحافظة دمشق بات نظيفًا بالكامل باستثناء جيب جوبر الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمناطق سيطرة الإرهابيين في الغوطة الشرقية.

إذن وعلى مدار سنتين تقريبًا، نشهد الآن تحولات ميدانية كبيرة وتحولات جيوسياسية اكبر بنتيجة انتصار حلب والمناطق المذكورة اعلاه.
ومن المتغيرات الجيوسياسية استعادة الجيش السوري لأجزاء هامة من الجغرافيا التي بات يتحكم بممراتها بشكل اكثر مرونة، وهو ما تدل عليه العمليات الحالية التي تحصل بإبداع غير مسبوق من خلال استخدام خاصية المناورة في الحركة والنار، وايضًا من خلال تغيير انتصار حلب للمواقف السياسية وخصوصًا التركية منها والتي اسفرت عن الوصول الى لقاءات استانة واخيرًا اتفاقية "مناطق خفض التصعيد"، التي اضفت ابعادًا ايجابية على حركة الجيش السوري وقدراته من خلال تثبيت الجبهات في "مناطق خفض التصعيد" وتحرير جزء كبير من عديد الجيش وزجّه في جبهات باتت تشكل اولوية اكبر وخصوصًا جبهات البادية التي نشهد فيها عمليات يومية وانجازات متتالية.
في الجانب المرتبط بشكل العمليات الحالية والتي وصفتها بنمط الأطواق والإطباق، تبدو واضحة في الخارطة الملحقة حيث سيكون بمقدور الجيش بعد فترة زمنية ليست بالطويلة من ان يستعيد جغرافيا واسعة ستشكل قاعد ارتكاز واسعة وعمق نظيف يحمي ظهر القوات التي ستتقدم في معركتي دير الزور وخط الحدود.

في المباشر، تنفذ وحدات الجيش السوري عمليات مختلفة في محيط تدمر شمالًا بهدف التقدم الى جبل ابو الضهور وجبل شاعر ومنطقة عقيربات، ووصل منطقة شرق سلمية بمناطق السيطرة الحالية، وكذلك التقدم نحو جنوب شرق اثرية وربطها بمناطق السيطرة الحالية عند نقطة وادي شلالة ووادي خربة المفضي شمال تدمر، اضافة الى ان الجيش السوري يتقدم شرق وشمال شرق تدمر بما يؤهل وحداته اكثر للتقدم باتجاه السخنة، خصوصًا اذا ما ربطنا هذا التقدم مع عمليات جنوب شرق حلب حيث بات الجيش على بعد 7 كلم من بلدة مسكنة.

باتجاه جنوب تدمر يرسم الجيش السوري منطقتي طوق: الأولى حيث سيتم وضع اجزاء كبيرة من القلمون الشرقي داخل الطوق من خلال نقطتي فك الكماشة في منطقة مثلث الصوانة – وادي اللويزة جنوب قصر وخان الحلابات جنوب تدمر ونقطة وادي الرماح شمال شرق مطار الصين. والثانية عند نقطة ام الشنايل جنوب شرق مطار السين وعند نقطتي خبرة المعيرادة ومنقار الرحبة شمال شرق سد الزلف شمال شرق السويداء.
اضافة الى تثبيت نقاط الطوق والأطباق في المناطق المذكورة، بات الجيش السوري يمتلك قواعد ارتكاز لإنطلاق قواته جبهيًا بعد ارساء معالم العمق المتماسك والتظيف باتجاه دير الزور والبوكمال، وكذلك باتجاه معبر التنف حيث سنكون امام تحولات جذرية وكبيرة في مجال رسم مسار الحرب التي تحصل في ظروف سياسية بالغة التعقيد تحاول اميركا ومن معها فيها رسم قواعد اشتباك مغايرة لقواعد الإشتباك التي يرسمها الجيش السوري وحلفاؤه.
*عمر معروبني - بيروت برس