ما بين قمتي بكين والرياض!

ما بين قمتي بكين والرياض!
الخميس ٢٥ مايو ٢٠١٧ - ٠٤:٤٠ بتوقيت غرينتش

ليس مصادفة أن يكون الفارق الزمني بين قمتي بكين والرياض أسبوعاً واحداً فقط، الأولى افتتحها الرئيس الصيني في الرابع عشر من أيار في قاعة الاجتماعات الكبرى بلقاء مهيب يحترم الصين، ويليق بها ويحترم الزعماء الذين حضروا من 29 بلداً يمثلون آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية، إضافة إلى وفود رسمية ورجال أعمال وباحثين وصحفيين من 130 بلداً في العالم ..

على حين أن قمة الرياض التي تزعمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجمع فيها قادة عرباً ومسلمين فقط، لم يكن هدفها سوى التسول، وجمع المال ثمناً لحماية نظام يتنطح لقيادة العالم الإسلامي، وسواء حضر زعماء هذه الدول، وممثلوها من باب المجاملة أم القناعة، فإن الفرق شاسع بين القمتين من حيث الشكل والمضمون والأهداف الموضوعة لكل منهما، وهو ما يشير إلى ولادة النظام الدولي الجديد الذي ترغب أغلبية دول العالم أن يكون أكثر عدالة واحتراماً وتقديراً لشعوب الأرض ودولها، وخاصة تلك الدول التي عانت الأمرين من سياسات الغرب الاستعمارية والعدوانية تجاهها.
ولأنه أتيح لي أن أحضر القمة الأولى في بكين، وأن أشارك في لقاء عالمي لمراكز الأبحاث وخزانات التفكير في اليوم التالي لـ«قمة الحزام والطريق»، فإنني أستطيع أن أجري مقارنة مطلوبة للتمعن والتفكير بين ما حدث في بكين، وما صدمنا في الرياض من مشاهد وصور تظهر بوضوح أي عالمٍ تريده أميركا؟ وأي عالم تريده القوى الصاعدة الجديدة في العالم، وأقصد هنا الصين، وروسيا، وغيرهما من الدول الأخرى، في أربع رياح الأرض.
شارك في قمة بكين 29 رئيساً ورئيس حكومة، وهؤلاء لم تدعهم الصين على أساس ديني أو مذهبي، ولا على أساس عرقي وإثني، ولا على أساس اشتراكي أو ليبرالي، ولا على أساس العمالة والتبعية للصين، وإنما على أساس الاحترام المتبادل، وعلى أساس المصالح المتبادلة، وعلى أساس المساهمة والاستفادة من مشروع الحزام والطريق الذي أطلقته الصين عام 2013 .
ولم تكن قمة بكين موجهة ضد أحد، بل كانت الدعوة مفتوحة للجميع للشراكة والتعاون من أجل المنفعة المشتركة على طول طريق الحرير، ومن خلال مبادرة «الحزام والطريق» أي بمعنى لم تكن القمة رسالة لواشنطن أو لأوروبا أو لدين أو مذهب، بل كانت رسالة مفتوحة لمن يريد عالماً أكثر استقراراً وأقل حروباً وأكثر تنمية وازدهاراً، والقضية هنا من خلال المعلومات والأرقام التي كشفتها بكين، إذ أظهرت الإحصاءات أن إجمالي التجارة بين الصين ودول «الحزام والطريق» بين عامي 2014- 2016 تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار، وأن حجم الاستثمارات الصينية في هذه البلدان تجاوزت 50 مليار دولار، وأن الشركات الصينية أقامت أكثر من 56 منطقة تعاون اقتصادي في أكثر من 20 بلداً، ولدت خلالها 180 ألف فرصة عمل!
مقابل هذه الأرقام نتساءل: ماذا ولدت الولايات المتحدة في منطقتنا مثلاً، غير داعش وجبهة النصرة! وغير الدمار والخراب والعقوبات والعدوان وبيع السلاح ليقتل بعضنا بعضاً؟!
هل ولدت أميركا غير لغة الكراهية والعنف والقتل والدمار، وهل فرضت لنا غير دعم الإرهاب وتقسيم البلدان وتفتيت المجتمعات والحروب الطائفية والمذهبية؟
أسئلة كثيرة تندفع إلى أذهاننا حينما نقارن بين ما يأتي به الأميركي، وما تتحدث عنه القوى الصاعدة الجديدة في العالم!
لقد أشارت الإحصاءات إلى أن الحكومة الصينية تقدم سنوياً 10 آلاف منحة حكومية للبلدان المعنية، وأن الحكومات المحلية في الصين، أنشأت منحاً خاصة بطريق الحرير لتشجيع التبادل الثقافي والعلمي الدولي، مقابل تقديم أميركا المزيد من العقوبات الاقتصادية والحرمان من التعليم، وتجهيل المزيد من الأجيال عبر تحالفها مع الوهابيين والمتطرفين، ومقابل منعها رعايا دول عربية وإسلامية من دخول أميركا عبر قوائم سوداء، فهل تجوز المقارنة بين العالمين: عالمٌ يجب أن ينتهي، وعالم يجب أن نساعده كي يُولد؟
إن مشروع «الحزام والطريق» يهدف لتنفيذ شبكة بنية تحتية متعددة الأبعاد من خلال كوريدورات اقتصادية وطرق نقل بحرية وسكك حديدية ومشاريع أنابيب لنقل الطاقة، وضمن هذا الإطار قدم بنك استثمار البنية التحتية الآسيوي قروضاً بقيمة 1,7 مليار دولار لتسعة مشاريع في الدول المشاركة في مبادرة «الحزام والطريق»، وقدم صندوق طريق الحرير استثمارات بقيمة 4 مليارات دولار، وأعلن الرئيس الصيني في كلمته أثناء افتتاح القمة، تعزيز الدعم المالي لصندوق طريق الحرير بـ14,9 مليار دولار، وبـ160 مليار يوان خلال السنوات الثلاث القادمة لتطوير بلدان ومنظمات دولية مساهمة في مشروع «الحزام والطريق» بهدف تطوير حياة الشعوب.
أما ترامب فقد أعلن عن شفط 490 مليار دولار، وعن ضخ المزيد من السلاح الأميركي من أجل تأجيج نيران الحروب في المنطقة وتدمير البنى التحتية، والتحريض على إيران، واقتتال السُنة والشيعة، وتعزيز أمن إسرائيل، أما الحديث عن السلام فلا يبدو في كلام ترامب سوى حشو لغوي لابد منه للمجاملة والدبلوماسية!
لقد أكدت كلمات رؤساء الدول، والحكومات أهمية مبادرة الصين «الحزام والطريق» والاستعداد للمساهمة والشراكة فيها، وكان واضحاً أن الجميع يطمح لهذا العالم الجديد، البعض ليس لأنه سعيد به، وإنما لأن الأمر الواقع يفرض عليه ذلك، والبعض الآخر، وأقصد دولاً كثيرة في العالم، تريد تعزيز هذا الاتجاه العالمي الصاعد.
ولعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان الأكثر وضوحاً في التعبير عن هذا العالم الجديد حينما قال في كلمته أمام قمة بكين وبصراحته المعهودة: «لا يمكن إيجاد حلول للتحديات المعاصرة من خلال استخدام مقاربات قديمة، إننا نحتاج لأفكار جديدة، ونحتاج للتخلي عن الأفكار والتصورات المسبقة»، وتابع: «يجب علينا وضع نموذج رائد للمجتمع الدولي في كيف يمكن أن نعمل معاً، نُطور معاً، استناداً إلى المساواة واحترام السيادة الوطنية واستناداً للقانون الدولي، ومبادئ الأمم المتحدة».
وإذا قارنا بين مقاربة الرئيسين الصيني والروسي في قمة بكين، وبين خطاب ترامب في قمة الرياض، نفهم تماماً الفرق بين القمتين، قمة تدعو للشراكة والتعاون والمنفعة المشتركة والتنمية والازدهار على أساس احترام سيادة الدول وثقافات الشعوب وخصوصياتها، مع الانفتاح الكامل على الجميع من دون استثناء، وقمة تدعو للكراهية والتحريض والفتنة والوضاعة والتبعية والاستزلام وشن الحروب والكذب والنفاق المتبادل.
وما بين القمتين رسائل وتحولات كبرى علينا قراءتها بعناية ودقة والاختيار بين أن نكون شعوباً سيدة حرة مستقلة تتعاون وفقاً لمصالحها وأهدافها الوطنية وتتحالف مع قوى صاعدة تحترم نفسها والآخرين، وبين أن نكون شعوباً خانعة ذليلة تابعة، تستخدم وقوداً لحروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
وأقتبس من الراحل الكبير نزار قباني: «لا يوجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار».
*بسام أبو عبد الله - الوطن

تصنيف :