الشرق الأوسط على خطا أفكار كيسنجر!

الشرق الأوسط على خطا أفكار كيسنجر!
الخميس ٢٥ مايو ٢٠١٧ - ٠٤:٤٣ بتوقيت غرينتش

الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يطيق القراءة أو أنه ميال للقوة، هذا ما يمكن استنباطه من إطلالة ثعلب السياسة الدولية هنري كيسنجر في البيت الأبيض، جالساً إلى جانب ترامب، الأمر الذي يعطي تفسيرات لطبيعة السياسة التي سينتهجها، ويضعنا أمام قراءات لطبيعة السلوك الأميركي في المرحلة القادمة، والتي تبدو قائمة على القوة مع مراضاة الفاعلين الدوليين الرئيسيين في أقاليمهم، ويحيلنا إلى احتمالية أن رجل الأعمال ترامب لا يحب أن يقرأ فاستعان بالسمع من ذوي الاختصاص علهم يقدمون له المختصر المفيد.

في كتابه الأخير «النظام العالمي»، يحاول كيسنجر، أن يقدم قراءة عميقة لمستقبل العالم، ويناقش دور الولايات المتحدة في تشكيل النظام العالمي الجديد، ويعبر عن مخاوفه من الفوضى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على استقرار العالم وأمنه، ويعتقد أن هذا الخطر ناشئ عن انهيار الدول، التي لم تعد قادرة على فرض هيبتها على أراضيها وظهور قُوى، بخلاف الدول، تقوم بفرض هيمنتها وسلطتها على مناطق معينة، ويرى أن خريطة «الجهاديين» تمتد على مساحات كبيرة من العالم الإسلامي، من العراق وسورية إلى أفغانستان واليمن والصومال وليبيا ومالي، ويعتقد أنه مع سقوط حائط برلين، وانهيار الاتحاد السوفييتي، ونهاية الحزب الشيوعي الروسي، صار العالم من دون نظام مستقر، ولهذا لا بد من نظام عالمي جديد يكون شراكة بين الولايات المتحدة والصين.
في وقت سابق، كشفت صحيفة «الإندبندت» البريطانية، أن كيسنجر يستعد للعب دور الوسيط بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره ترامب، وفق خطة تقضي أن تقبل الولايات المتحدة عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، مقابل تسوية الوضع في شرق أوكرانيا، حيث يرى كيسنجر أن تعزيز قدر أكبر من التوازن في القوى بين الولايات المتحدة وروسيا من شأنه أن يحسن الاستقرار العالمي.
وبحسب الصحيفة، فقد أعرب ترامب عن معارضته لعودة القرم إلى روسيا، قائلاً: «هذا لا ينبغي أن يحدث أبدا»، إلا أنه في آب الماضي قال لأحد الصحفيين الأميركيين: «إن الناس في شبه جزيرة القرم، حسبما سمعت، يفضلون أن يكونوا مع روسيا».
يمكن استخلاص نتائج رئيسية من الرؤية الكيسنجرية السابقة، يتم على أساسها تفسير مجموعة من المتغيرات في العلاقات الدولية انطلاقاً من رفض واشنطن لفرض مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى عقوبات جديدة على موسكو، وصولاً إلى الارتياح الذي أبداه ترامب بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أميركا، واللافت في هذه الزيارة أن ترامب استدعى كيسنجر إلى البيت الأبيض بعد الزيارة وظهر في الإعلام يجلس إلى جانبه، وربما كان قد سبق زيارة لافروف هذه، لقاءات سرية بين ترامب وكيسنجر، وأن الارتياح الذي أبداه ترامب بعيد الزيارة ناتج عن تبنيه للرؤية الكيسنجرية فيما يخص العلاقات مع موسكو.
يبدو أن الاستجابة الروسية للتقارب الأميركي جاءت عبر مجموعة من الأحداث المتتابعة التي انعكست في مجريات الحدث السوري، بدءاً من العودة إلى العمل بمذكرة تفادي وقوع الحوادث في الأجواء السورية، وصولا إلى مذكرة إنشاء «مناطق تخفيف التصعيد» التي تسعى لمحاكاة مشروع «المناطق الآمنة» الذي أعلن عنه ترامب سابقاً، وانتهاء بالبرود الروسي في التعاطي مع التحركات الأميركية من جنوب سورية إلى شرقها.
وفي فهم كيسنجر للوجود الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يعتبر «الجهاد وسيلة»، وهنا يتضح أنه لا يميّز بين تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، وبين الأمة الإسلاميّة عبر التاريخ، فهي تختزل بالنسبة له بكلا التنظيمين.
إن السياسة الخارجيّة للدول العربية، وللمنظمّات الإسلاميّة، تتقرّر بناء على مصالح الراعي الإقليمي والعالمي، ومصالح السلالة الحاكمة، ومتطلّبات الصراع بين الدول في الإقليم، إلا أن صناعة القرار الخليجي عموماً تعتمد على مجموعة من الإيديولوجيّات والأحلام الدينيّة الخطيرة، وبالتالي، فإن صناعة القرار في السياسة الخارجيّة الأميركيّة تعتمد على مبادئ ومصالح خالصة أساسها «واقعي» أي قائم وفق معادلة «مصلحة-قوة»، وهي على آلية صناعة القرار الخليجي السابقة، ومن هنا يمكن النظر إلى الأحداث التي تعصف بالدول العربية اليوم كجانب من السياسة الخارجيّة الأميركيّة، أي إن أميركا ارتأت مع حليفتها «إسرائيل» أن توعزا إلى النظام السعودي بإشعال الفتنة وتكثيف التحريض على الشيعة خصوصاً بعد حرب تمّوز، من أجل تحوير أنظار العالم العربي عن العداء الشعبي العارم ضد العدوّ الإسرائيلي.
وفي الإطار السابق، وفي تناوله للوضع السعودي، يعبّر كيسنجر عن الرأي الإسرائيلي السائد بالحفاظ على النظام السعودي، حيث لم تعد السعوديّة تعني النفط فقط لأميركا، بل باتت تعني الحليف الإستراتيجي الثاني الذي لا يقبل الحليف الأول، أي إسرائيل، بالتخلّي عنه.
كيسنجر الحائز على جائزة نوبل، يهودي الأصل، ويعتبر مهندس السياسة الخارجية الأميركية في عهد إدارتي كل من الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، في الفترة 1973-1977، عدا كونه مستشاراً في السياسة الخارجية في إدارتي كل من الرئيسين كينيدي وجونسون، كما شغل منصب مستشار الرئيس ريتشارد نيكسون لشؤون الأمن القومي في الفترة 1969 وحتى 1973، وبقي حضور كيسنجر مستمراً في عهد رونالد ريغان وجورج بوش الابن.
أما على صعيد الشرق الأوسط والعلاقات العربية الأميركية، فقد عرف كيسنجر بدوره المؤثر على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، من خلال جولاته المكوكية في المنطقة في أعقاب حرب تشرين، في إطار سياسته المعروفة بسياسة «الخطوة خطوة»، والتي أفضت إلى التوصل إلى اتفاقيات الفصل بين القوات الإسرائيلية من جهة والسورية والمصرية من جهة أخرى.
كذلك يعد الطباخ المحترف لإشعال الحرب العراقية الإيرانية من خلال النفخ بنظام صدام ومحاصرة إيران وتهويل الثورة الإيرانية كخطر شيعي على المنطقة السنية المتمثلة بالبلدان الخليجية الغنية بالنفط، فأخذ أموالهم ليمول بها صدام ليضرب طهران في حرب نتيجتها الرئيسية استهلاك للقوى والموارد ومزيد من الفقر والعجز الاقتصادي.
كيسنجر معد للعمل باتجاه الشرق الأوسط، ويبدو اليوم أنه عاد إلى عمله بقوة في ملفات المنطقة عبر تأثيره الكبير على إدارة البيت الأبيض الجديدة، فبدأت تنتصح بنصائحه، فثعلب السياسة الذي يرى أن الدبلوماسية تأتي بعد الحرب، من خلال إصراره على التطبيق الفعلي والحرفي للمبدأ الواقعي عبر استخدام القوة الضاربة والدخول عميقاً في الأزمات، نصح ترامب خلال حوار له مع مجلة «أتلانتيك» الأميركية، أن «يظهر أنه على دراية تامة بالتحديات المعروفة للجميع، وأن يظهر أنه يتابع نتيجة تطوراتها»، وهو ما يحاول فعله ترامب، فقدم إلى الشرق الأوسط وقبض ثمن حماية دول الخليج الفارسي بعد أن نفخ كثيراً لهم في بالون المارد الإيراني، إلا أن الخطوة الأهم والتي ينتظر الكشف عن تفاصيلها، من سيجعل ترامب يحل مكان صدام ليحارب إيران بدلاً من دول الخليج الفارسي.
تظهر القمة «الإسلامية العربية الأميركية» التي عقدت في الرياض أنها بداية لتشكيل ذراع جديد لحلف شمال الأطلسي «الناتو» في المنطقة، من خلال ما سمي إعلامياً بـ«الناتو الإسلامي»، تلج به واشنطن إلى المنطقة، ولعل مسرحية القمة حيث التقى قبيل انعقادها ترامب بكل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبدالله الثاني وأمير قطر تميم بن حمد، وكان هؤلاء الثلاثة المتحدثين الرئيسيين في القمة، يعطي مدلولات حول طبيعتها وطبيعة المشاركين فيها، التي ستكون فقط استهلاكاً للقوى والموارد ومزيداً من الفقر والعجز الاقتصادي.
*مازن جبور - الوطن

4

تصنيف :