حكاية طواقي اليهود ، بين حافظ الأسد وهنري كيسنجر

حكاية طواقي اليهود ، بين حافظ الأسد وهنري كيسنجر
الجمعة ٢٦ مايو ٢٠١٧ - ٠٢:٣٢ بتوقيت غرينتش

بَعْدَ انتهاء حرب تشرين عام 1973 ، وإيقاف " أنور السادات " للحرب مع " إسرائيل " دون التنسيق مع سورية استمرّ الجيش السوري بحرب استنزافيّة مع الإسرائيليين.

العالم - سوريا

وبَعْدَ اتفاق وزير الخارجية الأميركي الشهير " هنري كيسنجر " مع " السادات " على " فَصْلِ القوات " على الجبهة المصرية. قام " كيسنجر بعشرات الزيارات إلى دمشق والتقى الرئيس " حافظ الأسد " من أجل القيام بفصل قوات على الجبهة السورية مُشابِه لما جرى على الجبهة المصرية.

- وكان موقفُ الرئيس الأسد مُنْطَلِقاً من ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية المحتلّة من كامل " الجيب " الذي تمكنت القوات الإسرائيلية من احتلاله ، بَعْدَ غدر السادات بسورية ، وتَوَقُّفِهِ عن القيام بأيّ نشاط ميداني ، منذ عبور الجيش المصري لقناة السويس في اليوم الأوّل للحرب ، ولمدّة أسبوعٍ كامل ، تَفَرَّغت فيه " إسرائيل " للجبهة السورية ، ممّا أمّن لها الفرصة المناسبة لتحقيق خروقات على الجانب السوري.

وكانت مفاوَضاتُ " كيسنجر " مع " الأسد " شاقّةً ومُضْنِيةً له ، بإعْترافه ، لِأنّ الأسد رفَضَ القيام بِأيّ عملية فصل للقوّات ، إلاّ بانسحاب " إسرائيل " من كامل الجيب المحتلّ حينئذ ، وكذلك الإنسحاب من مدينة " القنيطرة " المحتلّة عام " 1967 " كأساسٍ وشَرْطٍ ل فصل القوّات .. وكان ذلك يستدعي انسحاب القوات الإسرائيلية لمسافة " 16 " ستّة عشر كيلو متر.

وبَعْدَ اللقاء العشرين أو الثلاثين لـ " كيسنجر " مع رئيسة الحكومة الصهيونية حِينَئِذٍ " غولدا مائير " التي قالت لكيسنجر : من الواضح أنَّ حافظ الأسد ، لن يقبل بأيّ فصل للقوات ، إلاّ إذا انسحَبْنا مسافة " 16 " كيلو متر " ولذلك لا بُدّ لنا من الإنسحاب.

وطار " كيسنجر " إلى دمشق ، ليلتقي مع الرئيس الأسد ، من إجل إبْلاغه بموافقة " غولدا مائير " على الإنسحاب . ويقول كيسنجر : لقد فَكَّرْتُ وأنا في طريقي إلى دمشق ، بأنْ أُبْلِغَ الرئيس الأسد ، بِأنّ " غولدا مائير " وافقت على الإنسحاب لمسافة " 8 " ثمانية كيلومتر ، لكي أحتفظ لنفسي ب المناورة مع " الأسد " الذي أتْعَبَني وأرْهَقَني ، قَبْلٓ إعلامه بالموافقة على ال " 16 " كيلومتر .

وهذا ما حصل فِعْلاً ، حيث قال كيسنجر للأسد : لك عندي خَبَرٌ طَيِّب ، فقد وافقت غولدا مائير على الإنسحاب لمسافة " 8 " كيلو متر.

وإذا بالرئيس الأسد ينتفض غَضَباً ويقول لكيسنجر : ( أبداً ، هي وافَقَتْ على " 16 " كم ).

ويقول كيسنجر : فَأُصِبْتُ بالذّهول ، إِذْ كيف لحافظ الأسد أن يعرف بأنها وافقت فِعْلاً .. وكان لا بُدّ لي أَنْ أعترف بذلك ، لِأنّه صحيح .. وجرى بعدئذٍ فصل القوّات على الجبهة السورية.

ويقول كيسنجر ، بِأنّه رُغْمَ مضيّ سنوات طويلة على تلك الحادثة ، بقيَ يتساءل بينه وبين نفسه ، كيف لحافظ الأسد أن يعرف ما لم يسمعه إلاّ هو ومائير فقط !! .

وبَعْدَ ذلك بحوالي خمسة عشر عاماً في عام " 1988 " ، كان كيسنجر ، خارج السلطة ، وقام بجولة التقى فيها حسني مبارك والملك حسين ، ثم زار دمشق ، والتقى بالرئيس حافظ الأسد ، وقال لِنَفْسِهِ :

إنّها الفرصة المناسِبة لكي أسأل الرئيس الأسد ، كيف عرَف ذلك ؟

وجاء جوابُ الرئيس حافظ الأسد لكيسنجر ، عَبْرَ حكايَةٍ رواها له الرئيس الأسد كما يلي :

(يوجد في دمشق أسواق تجارية قديمة ، وكان فيها تُجّارٌ دمشقيّون وتُجّارٌ يهود ، يعملون ك جيران .. فاشتكى تاجِرٌ يهودي لجارِهِ الشامي بِأنّ لديه كميّة كبيرة من " السّتيانات " النسائية ، مضى على عَرْضِها في مَتْجَرِهِ شهورٌ عديدة ، دون أن يُباعَ منها شيء ، وأنّه لا يدري ماذا سيفعل بها . فقال له التاجر الشامي : بكم تبيعها لي ؟ فأجابه التاجر اليهودي : خُذْها بنصف سعرها ، وخَلِّصْني منها. وفِعْلاً قام بِشِرائها .  وبَعْدَ أسبوعين ، سألُ التاجرُ اليهودي ، جارَهُ الشامي : ماذا فَعَلَتَ ب " السّتيانات " ؟
فأجابه : لقد بِيَعَتْ كُلٌها . فقال له اليهودي : كيف بِيعَتْ ؟ فأجابه الشامي : لقد قَصَصْتُها وبِعْتُها " طواقي لليهود ".)

وهنا ضَحِكَ كيسنجر عميقاً ، فقال له الرئيس حافظ الأسد : لأنٌني كنت أعرف بِأنّ الإسرائيليين بحاجة لفصل قوات على الجبهة السورية ، لكي يُرَسّخوا فَصْلَ القوّات على الجبهة المصرية ، ولكي تتوقّف حربُ الإستزاف عليهم من جانبنا .. وهذا يعني أنَّ الإسرائيليين مضطَرّون للموافقة على الإنسحاب " 16 " كيلومتر وليس " 8 " كيلومتر فقط .

بهجت سليمان/شام تايمز

106-10