قناة السويس في ريف دمشق

قناة السويس في ريف دمشق
الأحد ٠٤ يونيو ٢٠١٧ - ١١:٤١ بتوقيت غرينتش

لطالما كانت الوهابية عدو مصر، هذا سياق إيديولوجي له رزمة يصعب كسرها من الشواهد على وظيفة السعودية مذ وطأت سفينة بريطانية بر الجزيرة العربية قادمة من المستعمرات الهندية، لتدشين «المملكة».

العالم ـ مقالات وتحليلات

ما يثير الاستغراب، هو غوص مصر تحت عباءة المملكة منساقة لأكذوبة «الهلال الشيعي» التي انتخب ملك الأردن «عبد الله2»، شريك الوهابية ببلد الصنع، لإلقائها على مسامعنا يوما، تمهيدا لقطع التواصل بين إيران، مرورا بالعراق وسوريا، وبين حزب الله في مواجهة «إسرائيل»- الشريكة الصنعية الثالثة للمملكتين!
سياسياً، يحار المرء في المصلحة المصرية بتوفير الارتياح الإسرائيلي الكافي لتهديد سيناء «على الأقل»، أما اقتصاديا، فتبرز حالة من العدمية تتلبس مصر راهناً، إلى حدود المغامرة بقناة السويس، أيقونة اقتصادها وأمنها الحيوي!
في 2013، نجحت مصر في تجاوز «رمضاء» قطر باستعادة إقليم السويس من فكي الغرب بعد إعلانه إقليماً مستقلاً لا سيادة لها عليه، في سياق سعي نظام الإخوان آنذاك، الشريك الصنعي الرابع، لتعويض بريطانيا وفرنسا عن خسارتهما القناة إبان تأميمها في 1956!
لكنها ما لبثت أن تدحرجت إلى «نار» السعودية التي تتلاقى عندها ثلاثة تهديدات لمصر: ريف دمشق الشرق، خليج العقبة، ومضيق باب المندب.
أبو ظبي والسعودية الطامحتان للسيطرة على ميناء عدن اليمني عند الضفة الشرقية لباب المندب، ليس لهما من شريك في تطلعاتهما لإقامة «جسر النور» نحو شاطئ جيبوتي، سوى «إسرائيل» القابعة في الجزر الإريترية السبعة المطلّة على المضيق، وفرنسا بقاعدتها الإفريقية الأضخم على ساحل جيبوتي، والولايات المتحدة، إن بطواقمها من المارينز على برّ الصومال، أم بقراصنته في البحر.
«جسر النور» الذي رفضه اليمن في 2008، فداهمه «الربيع»، سيرجّل قسماً مهماً من العوائد التجارية لقناة السويس، نحو صحراء إفريقيا، ولربما تمتد على جانبيه أنابيب الطاقة نحو مضيق جبل طارق، فأوروبا… ورغم ذلك، تفخر مصر بقتال أصدقائها اليمنيين تحت قيادة أعدائها، تسهيلاً لإطلاق الجسر!
البحر الأحمر شمالاً، البديل «اليهودي» لقناة السويس وفق تطلعات بن غوريون، يشهد هو الآخر لعبة إسرائيلية سعودية فاضحة تجلّت العام الماضي بتخلّي مصر للأخيرة عن مضائق تيران بخليج العقبة! لو تم الأمر، لكنّا نشهد اليوم تحقق حلم ثيودور هرتزل في شق قناة «البحرين» من خليج العقبة إلى البحر الميت فخليج حيفا على المتوسط.. وعندها، فعلى السويس السلام!
انتصرت مصر مؤقتاً في تيران، لكن كيف ستضمن يوماً عدم الالتفاف عليها بحفر بضعة كيلومترات في البر السعودي، عندها، سواء نجح «جسر النور» أم لا، سيكون الحضور الغربي الكثيف في باب المندب مناسباً لتسويق قناة «البحرين» على حساب «السويس»، ولا يحتاج الأمر أكثر حادث أمني مفبرك لإنجاحه!
ثالث التهديدات السعودية لقناة السويس، تمتد من البحر الأحمر إلى أقصى ريف دمشق للحدود مع العراق، حيث البديل البري البريطاني الأميركي الفرنسي المعلن لقناة السويس في دفق أنابيب الطاقة والتجارة جنوباً- شمالاً، من وإلى أوروبا.. لا يخفي هؤلاء نياتهم، فقط حثالات الخليج لا يزالون يتحدثون عن قطع «الهلال الشيعي» شرقاً وغرباً!
إن نجح الأمر، فمن الطبيعي أن تتكبد مصر عوائد تجارة النفط العالمية التي تمر عبر السويس حالياً.
للمفارقة، فروسيا، التي لا يبدو أنها جزء من «الهلال الشيعي»، تشارك بقوة لمنع سيطرة الغرب على شرق دمشق تبعاً للضرر الذي سيحيق بمصالحها الحيوية كمورد للغاز إلى أوروبا، وفي معرض الحفاظ على تنافسية إنتاجها فهي تدافع اليوم مواربة عن قناة السويس، تماماً كما فعل نيكيتا خروشوف حين هدد بـ«محو باريس ولندن بالنووي» ما لم تتراجع جيوش العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي عن احتلال القناة في إنزال بور سعيد!
أما إيران، فهي الأخرى تجابه المشاريع الغربية في الصحراء السورية مدافعة عن قناة السويس، فمضيق هرمز، درّة أمنها الحيوي، يقف على عتبة القناة- امتداده الطبيعي ومانع تقهقره تحت ضربات جسر «النور» وجسر ريف دمشق البري، وقناة «البحرين» معا!
وسط هذه الجديلة من الجينات المتصارعة، تبدو مصر فاقدة تماماً لحسّها التاريخي، بل منهمكة في ترتيب وقفتها منتصف الهدف الغربي القادم! إن قيّض لها النجاح بذلك، فقد تربح قناة سويس سياحية بلا أهمية إستراتيجية ما زالت تؤخر مشاريع تفتيتها.

* علي هاشم ـ الوطن

104