أميركا: اللعبة انتهت... خسرنا الحرب!

أميركا: اللعبة انتهت... خسرنا الحرب!
الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠١٧ - ٠٢:٠٠ بتوقيت غرينتش

كان الجهد الأميركي واضحاً في العمل على إسقاط النظام في سوريا، والمجيء بنظام تابع له، غير معادٍ للكيان الإسرائيلي، بهدف ضرب الحلقة الرئيسة في محور المقاومة، وتشتيته.. بالإضافة إلى أهداف عديدة لا مجال لسردها الآن.

ولكن كان لمحور المقاومة رأي آخر، وقد تكون الخبرة المتراكمة في مواجهة الأميركي أدت دوراً معتبراً في مقاومته وعرقلة مشاريعه وخططه في المنطقة، بدءاً من العام 1983 في بيروت، مروراً باحتلال أفغانستان والعراق، ومن ثم حرب تموز 2006 وصولاً إلى الحرب الكونية في سوريا.

لم يوفّر الأميركيون وسيلة إلا واستخدموها لهزيمة سوريا والمحور الذي تنتمي إليه، ووصلت الأمور الميدانية إلى مراحل خطيرة، وكانوا قريبين من تحقيق هدفهم لولا ثبات الجيش السوري، وقراءة الحلفاء للواقع العسكري والسياسي قراءة صحيحة، ومن ثم التدخل الميداني، والمساعدة الكبيرة من الروس جواً وبحراً، ودعماً سياسياً، أدى ذلك إلى استعادة المبادرة، مع حجم التضحيات الكبيرة الذي بُذل.

داعش وأخواتها اليد الطولى للأميركي

كان واضحاً دعم الأميركيين لهذه التنظيمات الإرهابية بهدف الوصول إلى الهدف المرتجى، وهو إسقاط النظام في سوريا، وهو ما قاله الأميركيون أنفسهم، ولا سيما دعمهم لداعش والنصرة، وهو ما أفصح عنه مايكل فلين مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي أُقيل من منصبه مؤخراً على خلفية علاقته بالروس.

يقول فلين الذي كان رئيس الاستخبارات العسكرية في عهد باراك أوباما في العام 2012، بأنّ الأميركيين هم من خلقوا داعش، وهو ما أوضحه نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بأن حلفاء أميركا هم من قدّموا الدعم لداعش، ولم يخرج قائد حلف شمال الأطلسي السابق الجنرال المتقاعد ويسلي كلارك عن هذا السياق، بإعلانه أن واشنطن وحلفاءها هم الذين أنشأوا جماعة "داعش" الإرهابية، لمواجهة حزب الله في لبنان، وأضاف: "بدأنا بدعم داعش من خلال التمويل من أصدقائنا وحلفائنا وجهّزناه لمحاربة حزب الله".

يضاف إلى الغطاء الأميركي، الدعم المفتوح من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة تركيا والسعودية وقطر للجماعات المسلحة الذين أسهموا بشكل كبير ومؤثر في الحرب السورية وفي تدميرها، والذين بدأوا بنشر غسيلهم بعد الخلافات التي نشبت مؤخراً بين المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات من جهة، وبين دولة قطر من جهة أخرى، والتي كان أحد أسبابها خسارة المشروع الذي بذلوا الغالي والنفيس لتحقيقه.

بين القصير وحلب

منذ الانتصار الحاسم في معركة القصير، وصولاً إلى استعادة مدينة حلب إلى أحضان الدولة السورية، تغيّر المشهد وتبدّل، وأخذ ينحو منحىً تصاعدياً، ولم يكن هناك مجال للعودة إلى الوراء. وبدأت الانتصارات تتوالى، والتنظيمات الإرهابية تتداعى وتتهاوى إلى أن وصل الجيش إلى الحدود السورية العراقية.

غارات تحذيرية

لم تأتِ غارتا الجيش الأميركي في التنف على رتل للجيش السوري والحلفاء من فراغ، وإنما شكّلتا دلالة واضحة على المأزق الذي يعيشه المحور الغربي على الارض السوريّة، وفي العراق وفي اليمن. وأتى اسقاط الطائرة السورية فوق الرقة ليخدم الهدف ذاته، لكن كيف كان الرد؟

شكّل حضور الصواريخ الإيرانية الاستراتيجية البعيدة المدى، رداً يحمل أكثر من رسالة وفي غير اتجاه، أحدها موجه إلى الأميركي، ومن خلاله إلى حلفائه، وإلى من يهمه الأمر، من أن تخطي الخطوط الحمر، المرسومة، سيؤدي إلى التوتر، وأنّ تكرار هذه الاعتداءات سيؤدي ربما إلى المواجهة المباشرة، وأنّ الخيار الذي اتخذه حلفاء سوريا في الوصول إلى الحدود السورية العراقية من الجانبين، وإعادة وصل ما انقطع منذ احتلال الجماعات المسلّحة للحدود، هو خيار استراتيجي، ودونه بذل الدماء. أضف إلى ذلك ارتفاع اللهجة والدعم الروسي لهذا الموقف، عبر التحذير من خلال اعتبار كل جسم طائر فوق الأجواء السورية كهدف معادٍ، وسيُعامل على هذا الأساس، وهو تذكير بهذه المعادلة التي تمنع العودة إلى الوراء.

ما هي خيارات الأميركي؟

من الواضح أن الأميركيين لم تكن لديهم، لا النية ولا الخطط للتدخل المباشر في سوريا، وكانوا يعتمدون بشكل كبير على حلفائهم في المعركة، من دول وجماعات إرهابية، وحتى الإسرائيلي في مفاصل كثيرة، وكان القرار متخذاً من الإدارة الأميركية ومن البنتاغون منذ بداية ولاية باراك أوباما الأولى في العام 2009 هو عدم العودة بشكل مباشر إلى الغرق في رمال الشرق الأوسط المتحركة مرة أخرى بعد الهزيمة الواضحة في العراق وأفغانستان.

لذا أصبحت خياراته محدودة عسكرياً، فهو لا حضور له كقوات عسكرية بشرية وازنة في سوريا، والعشرة الآف مقاتل الذين دربهم وكلّفوه ما يقارب الـ500 مليون دولار، لم يبق منهم سوى أربعة أو خمسة مقاتلين، والاعتماد على داعش والنصرة أخفق، وأصبح الدفاع عنهم مؤذياً ويصبّ في مصلحة سوريا ومن معها، وأنّ أي تدخل عسكري مباشر بمواجهة الجيش السوري والحلفاء سيواجه برد مباشر أو غير مباشر. وسيفتح الابواب على احتمال الصدام مع الروسي والإيراني والمقاومة، وهو ما لا يريده الأميركي، لأنّ أي تدخل في الحرب السورية لا يُسقِط النظامَ ويهزمُ الجيشَ السوري والحلفاء، لا قيمة عملية له. فعلى سبيل المثال، هل سيتدخل الجيش الأميركي بعشرات آلاف الجنود لإعادة احتلال حلب، أو احتلال دمشق وحمص وغيرها؟ هذه فرضية ساقطة عقلياً.

يبقى اعتماد الأميركي حالياً على العنصر الكردي، ولا سيما قوات سوريا الديمقراطية، وذلك لن يغيّر في المعادلة كثيراً، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو، هل تستطيع هذه القوات مواجهة حلف عريض، بعد التخلص من عبء داعش، كما قال روبرت فورد في مقابلته الأخيرة مع الشرق الأوسط،. عندما سُئل: وهل أن الأميركيين سيدافعون عن الأكراد بمواجهة قوات الرئيس السوري بشّار الأسد؟ أجاب بصريح العبارة بـ"لا" وقال إن الأميركيين يستخدمون الكرد لتحرير الرقة من "داعش" فقط. وإنّ الأكراد سيدفعون غالياً ثمن ثقتهم بالأميركيين، وإن الجيش الأميركي يستخدمهم فقط لقتال "داعش" ولن يستعمل القوة للدفاع عنهم ضد قوات النظام السوري أو إيران وتركيا. وقال: "ما نفعله مع الأكراد غير أخلاقي وخطأ سياسي".

أما باقي الفصائل، ولا سيما جبهة النصرة والفصائل المدعومة من الأتراك والسعوديين والقطريين فهي مشتتة في غير بقعة، وغير قادرة على استعادة المبادرة.
في مقابلته مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية أدلى السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد في بداية الحرب إلى العام 2014، مع صحيفة الشرق باعتراف واضح لا لبس فيه بهزيمة المشروع الأميركي في سوريا، عندما أنهى المقابلة في جملة مفتاحية صريحة قائلاً: "اللعبة انتهت" ولكنه لم يصرّح عن المسكوت عنه في مقابلته وهي عبارة " خسرنا الحرب".

* طارق عبود ـ النشرة

104-10