"إسرائيل": ترحيب بالتهديدات.. وقلق من التراجع

الخميس ٢٩ يونيو ٢٠١٧ - ٠٧:٠٢ بتوقيت غرينتش

كشفت صحيفة «هآرتس» أنّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تدير نقاشاً حول السيناريو الأفضل بالنسبة إلى للكيان الاسرائيلي، في الساحة السورية. وما إن كان إظهار المزيد من التصميم الأميركي في مواجهة إيران وروسيا، لكبح جهودهما، أو أن الأمر ينطوي على مخاطرة باندلاع مواجهة مباشرة بين الدول العظمى التي يمكن أن تنعكس على ما يجري هنا؟

العالم - مقالات

لم يكشف المعلّق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل جديداً عندما لفت إلى أنهم في الأجهزة الأمنية يدرسون السيناريوهات المحتملة لمسار التطورات في الساحة السورية، وما يمكن أن يترتب على كلّ منها، من تهديدات وفرص، من منظور الأمن القومي الإسرائيلي. باعتبار أن هذا هو دور هذه الأجهزة ومنهجها الدائم في مقاربة كلّ مستجد سياسي أو أمني، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بالساحة السورية الأكثر تأثيراً على الساحتين الإقليمية والإسرائيلية.
ما قدمه هرئيل، هو أقلّ من خلاصة موجزة، لما انتهت إليه تقديرات الأجهزة الأمنية. لكن المسار التقليدي في مثل هذه الحالات أنه ما قبل ترجيح الصيغة المثلى، والتي اكتفى فيها هرئيل بالتساؤل، تأتي مرحلة تقدير السيناريوهات التي تتراوح بين حدين متعارضين، وما بينهما من مسارات محتملة. ومن الواضح أنه بعد تحديد السيناريو المفضل – من منظور أمني واستراتيجي – تنطلق المستويات السياسية والأمنية، في تسويقه من خلال تكثيف الاتصالات المعلنة وغير المعلنة مع واشنطن.
الأول، أن تنكفئ الولايات المتحدة أمام تقدّم الجيش السوري وحلفائه... وصولاً إلى سيناريو الصدام المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا و/ أو محور المقاومة... وما بينهما من أداء تتداخل فيه الرسائل السياسية والميدانية التي تحاول فرملة اندفاعة محور المقاومة في الساحات التي تنطوي على حساسية خاصة، بفعل خصوصيتها الجغرافية... وما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات إقليمية ومعادلات تتصل بمجمل حركة الصراع مع "إسرائيل".
لا يخفى أن الاحتمال الأول، ليس خياراً يتبنّاه أو ينتهجه أيّ طرف. وإنما عادة ما يكون نتيجة الفشل على المسارات البديلة. وفي حال تحقق هذا السيناريو يتم عادة وضع استراتيجية لاحتواء مفاعيل هذا الفشل والحد من التهديدات الكامنة فيه.
لا يخفى أيضاً، بأن هذا السيناريو هو الأخطر بالنسبة إلى كيان الاحتلال... بالقياس إلى البدائل المطروحة في هذه المرحلة على الساحة السورية. بل ارتفع في الأيام والأسابيع الماضية منسوب القلق في تل أبيب بفعل نجاح الجيش السوري وحلفائه في تجاوز خطوط حمراء أميركية عبر الوصول إلى الحدود العراقية.
تنبع خطورة هذا المسار من أن تل أبيب كانت تراهن على سياسة التوثب والتشدد التي يظهرها ترامب إزاء إيران وحلفائها في المنطقة، ومعهما روسيا، من أجل ردع اندفاعهم بعد الانتصار الذي تحقق في تثبيت النظام السوري... بل هو الأمل الذي تمسكت به تل أبيب بعد الانتقادات الصريحة والمباشرة والعلنية التي وجهتها إلى سياسة سلفه باراك أوباما... والتي امتنعت في ضوئها الولايات المتحدة عن التدخل العسكري المباشر، في مقابل تقدم الجيش السوري ومحور المقاومة في سوريا والمنطقة.
فيما يتعلق بالصدام المباشر، بدا من خلال أداء الأطراف جميعاً أنّ أيّاً منها لا يفضل هذا السيناريو بل يحاول تبادل الرسائل، تحت سقف تجنّب المواجهة المباشرة، التي يدرك الجميع أنه ستكون لها آثار وعواقب قاسية جداً على جميع الأطراف، وعلى رأسها إسرائيل. من هنا، وبعيداً عما تفضله "إسرائيل"، يجسد هذا السيناريو مرحلة اللاخيار، بالنسبة إلى كل الأطراف المتصارعة.

لم يبلور ترامب حتى الآن سياسة أو أهدافاً في سوريا

لكن الملاحظ أيضاً، أن الجميع يعتمد سياسة حشر الطرف الآخر وفق مفهوم السير على حافة الصدام المباشر من أجل كبح اندفاعه وردعه عن المبادرة العملانية أو الحد منها. ويمكن الافتراض أنه بالنسبة إلى الكيان الاسرائيلي أيضاً، فإن هذا السيناريو هو الأقل تفضيلاً بالنسبة لها ـــ كخيار ابتدائي ـــ لأنها تدرك بأنها ستدفع أثماناً كبيرة جداً في حال المواجهة الكبرى. وتحديداً ما دام بالإمكان الرهان على تحقيق قدر من النتائج والمكتسبات – وإن لم ترتق إلى حد الطموح والآمال – من دون دفع هذه الأثمان.
أما بخصوص إظهار المزيد من التصميم والحزم، بهدف الردع، عبر الارتقاء في توجيه الرسائل السياسية والميدانية، فهو مناسبة المقالة التي تناولها المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» التي بدأ فيها بالحديث عن التهديدات الأميركية إزاء نوايا الجيش السوري المزعومة استخدام أسلحة كيميائية!
ويجسد التهديد الأميركي، أيضاً، المطلب الإسرائيلي بضرورة إظهار المزيد من سياسة التوثب في مواجهة النظام السوري وعبره ضد حلفائه، خاصة أن هناك «شبه تطابق بين المصالح الأميركية والإسرائيلية في سوريا»، كما أكد الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية «أمان»، ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب اللواء عاموس يادلين، الذي أضاف مشدّداً على ضرورة «توثيق الاتصالات بين البلدين من أجل الاتفاق على توجه مشترك للوضع هناك، والذي يزداد تعقيداً من عدة جوانب».
في هذه الأجواء، من الطبيعي أن تنعكس التهديدات الأميركية ضد دمشق، ترحيباً وتقديراً في تل أبيب عبّر عنها المعلّق في «هآرتس»، «قرار الإدارة العودة للتهديد بشن هجوم الآن يستحق التقدير». ويعود ذلك إلى إدراك تل أبيب بأن هذه التهديدات ليست سوى رسائل تتصل بمجمل المجريات الميدانية والسياسية. وهو ما لفت إليه هرئيل أيضاً، بالإشارة إلى أنها أتت في سياق «ذروة أحداث دراماتيكية» في كل أنحاء سوريا: «الحصار الشديد للرقة، عاصمة داعش، الصراع بين الميليشيات السنية التي تدعمها الولايات المتحدة والميليشيات الشيعية التي تتماثل مع نظام الأسد وإيران، حول السيطرة على المناطق الواسعة التي ينسحب منها داعش في محافظة دير الزور، الحوادث الجوية بين الولايات المتحدة والنظام السوري وإيران في شرق سوريا، والجهود التي يبذلها الأسد لاستعادة السيطرة على مناطق واسعة في الجنوب على مقربة من الحدود مع الأردن».
على هذه الخلفية، فإن الجانب الإيجابي في هذه الرسائل الأميركية – من منظور إسرائيلي – تكمن في كونها تأتي تعبيراً عن استعداد لدى ترامب «لانتهاج خط أشد فاعلية ضد نظام الأسد، مقارنة بالتهديدات الواهية لسابقه باراك أوباما».
مع ذلك، يلاحظ لدى التدقيق في مجريات الواقع السياسي والميداني في الساحة السورية، أن هناك قدراً كبيراً من القلق في تل أبيب من حقيقة استعداد إدارة ترامب للذهاب بعيداً في المواجهة ضد محور المقاومة. ولم يعد هذا التوصيف مجرد تقدير نظري، بل بات الواقع يصدقه وتحديداً بعد نجاح الجيش السوري في تجاوز خطوط حمراء أميركية والوصول إلى الحدود العراقية الذي أعقبته الصواريخ الإيرانية التي أبلغ ما فيها رسائلها المدوية التي نجحت في اختراق المعادلة الأميركية التي تحاول فرضها على الساحتين السورية والعراقية... إلى جانب كونها ردّاً على اعتداءات «داعش» في طهران.
إلى ذلك، فقد عبّر هرئيل عن عمق هذا القلق الإسرائيلي بالقول: «في كل ما يتعلق بسياسة الإدارة الجديدة، لا تزال هناك فجوة بين التهديد بالعمل وبين الخطوات التكتيكية لانتهاج سياسة استراتيجية في الشرق الأوسط». ولفت إلى أنّ هذه النظرة من تل أبيب، قائمة بالرغم من أن «ترامب يبدو مصراً أكثر من أوباما، لكنه يبدو أن قسماً من اهتماماته هو بكل بساطة انتهاج سياسة معكوسة لتلك التي مارسها سابقه، من أجل إثبات الفجوة بينهما».
وفي محاولة تفسيرية لسياسة ترامب المتمايزة عن أوباما على مستوى الخطاب، لفت هرئيل أيضاً إلى أنّه «باستثناء الحاجة إلى الظهور كمتشددين والأولوية العالية التي يوليها الرئيس لمحاربة تنظيم داعش، ليس من الواضح ما الذي تريد الولايات المتحدة تحقيقه في سوريا، وفي المنطقة عامة».
عامل إضافي يحضر في تفسيرات تل أبيب للتخبط الأميركي وعدم الوضوح، وانعكس أيضاً في مقالة هرئيل، بالقول إن «ترامب لم يبلور حتى الآن سياسة أو أهدافاً، رغم أنه يظهر كمن سمح لقادة قواته في الميدان، خاصة سلاح الجو والمستشارين والوحدات الخاصة بحرية العمل».

علي حيدر/ الاخبار

102-3