سورية.. وتوازن المصالح الدولية

سورية.. وتوازن المصالح الدولية
الإثنين ٢٤ يوليو ٢٠١٧ - ٠٤:١٣ بتوقيت غرينتش

فور تسلم ريكس تيليرسون منصبه كوزير للخارجية الأميركية قام باستدعاء سفراء أميركا وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً هدفه توجيه الإدارة لتنفيذ سياسات أميركا في العالم.

العالم - مقالات

ومما قاله تيليرسون للسفراء:

أيها السادة تعلمون أن الولايات المتحدة قامت على مبادئ وقيم الديمقراطية والحرية والإنسانية وهذه المبادئ وجب احترامها في أي زمان ومكان من أجل الحفاظ على صورة الولايات المتحدة أمام العالم.

وأضاف: تعلمون أن لأميركا مصالح أمنية واقتصادية مهمة في العالم، وأن مهمتكم الأولى هي إيجاد السبل الآيلة إلى تأمين تلك المصالح لأميركا، أما إذا كانت المبادئ والقيم التي تكلمنا عنها، ستقف عائقاً أمام تنفيذ مصالح أميركا، فإياكم الاختيار بين المصالح والقيم، لأن الأولوية دائماً هي تأمين مصلحة أميركا، أما القيم والمبادئ فاجعلوها في مكان آخر.

إذاً المصالح تحتل مكان المبادئ، ولم تتأخر الولايات المتحدة في ترجمة ما أبلغه تيليرسون إلى سفراء أميركا، فالمصلحة الأميركية تقتضي التخلي عن بعض القوى في المنطقة لأنها باتت تشكل عائقاً خطراً على توازن المصالح الدولية، فها هي المعارضة السورية متروكة على قارعة الطريق ممزقة ومشتتة وموزعة على منصات تتناحر بينها. وهذه السعودية وقطر تتنافسان في كشف خفايا دور كل منهما في تأجيج الحرب السورية بعد القرار الأميركي بوقف دعم الإرهاب.

قرار إدارة المخابرات الأميركية CIA بوقف البرنامج السري لتسليح المعارضة السورية الممول من دول عربية خليجية وفي مقدمتها السعودية وقطر غير آبهة بعملائها وحلفائها، جاء ترجمة فعلية لتطبيق أولويات السياسة الأميركية، وهو تأمين مصالحها الأمنية والاقتصادية من دون أي اعتبار إلى قيمها ومبادئها.

من هنا نقرأ تراجع المعارضات ذات الحواضن الغربية والإسرائيلية والخليجية والتركية، في الميدان السوري ما أسهم في نجاح تحرير الموصل وصولا إلى تحرير منطقة جرود عرسال في سلسلة جبال لبنان.

«مركز واشنطن للدراسات» أوصى الأخذ بدراسة وضعها مجموعة من مدراء المخابرات الأميركية السابقين والحاليين، حول تنامي الإرهاب الذي بات يهدد مصالح أميركا الإستراتيجية في العالم، الدراسة تخلص إلى توصية مفادها: إن الإرهاب بات معضلة عالمية يهدد الأمن العالمي وفي مقدمها أمن الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ويجب العمل على قطع سبل تمويل الإرهاب المصنوع أميركياً والممول خليجياً، وخاصة الذي يتخذ من الإسلام غطاء سياسياً، لأن تعاظم إرهاب الإسلام السياسي بات يشكل تهديداً مباشراً على مصالح أميركا الإستراتيجية، وإن لم نقم بقطع دابر هذا الإرهاب، فإن الإسلام السياسي سيصبح شريكاً فعلياً في رسم النظام العالمي الجديد من خلال ممارسة الإرهاب، ما يهدد الأمن العالمي وأميركا على وجه الخصوص.

وإذا ما حاولنا التعمق أكثر في أصل نشوب الخلاف الخليجي بين قطر والسعودية لاكتشفنا أن الاتهامات المتبادلة بين البلدين تمحورت حول دعم الإرهاب وسبل تمويله.
فالسبب الرئيسي للخلاف الخليجي هو قرار أميركي بضرورة وقف كل أشكال الدعم والتمويل لكل التنظيمات الإرهابية التي استُعمِلت في الحرب على سورية وليبيا والعراق، لأن الأمر بات يشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية في المنطقة، كما أن روسيا برئاسة فلاديمير بوتين استطاعت أن تثبت للعالم بأنها تحارب الإرهاب بينما المصالح الأميركية أضحت مهددة والقيم الأميركية صارت في خبر كان.

قطر التزمت بقرار المخابرات الأميركية وها هي تعطي الإحداثيات اللازمة للتنظيمات الممولة في سورية، كما أن قطر رفضت قطع علاقاتها مع إيران، كما تضمنت ورقة شروط الدول الأربع السعودية ومصر والإمارت العربية والبحرين، بل إن قطر ذهبت للتنسيق مع إيران أكثر من أي وقت مضى من دون ممانعة أميركية، وحاز الموقف الروسي ثناء أمير قطير تميم بن حمد في كلمته المتلفزة.

أما السعودية فهي تصر على شراء الذمم من خلال توقيع عقود أسلحة بمليارات الدولارات لاسترضاء مراكز القرار الأميركي وافتعال الفتن مع إيران، وتحاول نقل المشاكل إلى الداخل الإيراني، كما صرح ولي العهد محمد بن سلمان، رافضاً أي حوار مع إيران. والسعودية مستمرة في محاولاتها الهادفة إلى تزعم ما يسمى القرار الإسلامي في المنطقة، وبين هذا وذاك تقف أميركا في الوسط بهدف تأمين مصالحها.

ها هي فرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون تنسق مع روسيا بوتين حول الموقف في سورية، وتمهد لفتح علاقات دبلوماسية مع دمشق، حيث صرح ماكرون وبحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائلاً: إن رحيل الرئيس بشار الأسد لم يعد شرطاً مسبقاً للحل في سورية ولا بد من حوار مع الأسد.

السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد قال: علينا الاعتراف إننا فشلنا في سورية كما فشلنا في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، لقد أخطأنا التقدير، وسورية صمدت وانتصر الأسد.

دول أوروبية عديدة تتهيأ لإعادة فتح سفاراتها في دمشق قبل نهاية 2017 لإقامة حوار وتعاون بناء مع سورية الدولة فيما خص محاربة الإرهاب وذلك لتأمين مصالحها وخصوصاً في كعكة إعادة بناء سورية.

كلام الرئيس الأسد حول ضرورة مكافحة الفساد الذي أوجدته ظروف الحرب على سورية، لهو دليل أن الحرب على سورية بدأت لملمة ملفاتها، وأن سورية انتقلت من مرحلة رد الاعتداء عنها لتبدأ الإعداد لمرحلة إعادة البناء فيها من خلال تأمين توازن في المصالح الدولية المتمثل بالحضور والتفاهم المباشر بين أميركا والحليف الروسي.

رفعت البدوي / شام تايمز

109-2