البادية: دمشق تحضر.. وواشنطن تتخلى عن أولى ميليشياتها

البادية: دمشق تحضر.. وواشنطن تتخلى عن أولى ميليشياتها
الأربعاء ٢٦ يوليو ٢٠١٧ - ٠٤:٢٩ بتوقيت غرينتش

نشرت جماعة "لواء شهداء القريتين" بيانا تعلن فيه فك ارتباطها بالتحالف الأميركي، بحجة وجود "ضغوط من التحالف لوقف القتال ضد الجيش السوري" في البادية الممتدة بين أرياف السويداء - دمشق - حمص، في وقت تجري فيه التحضيرات العسكرية لمعركة كبرى في البادية بالتزامن مع تطبيق اتفاقيات مناطق تخفيف التوتر في المنطقة الجنوبية والغوطة الشرقية.

العالم - العالم الاسلامي

ولن يكون بيان جماعة "لواء شهداء القريتين" إلا مقدمة لإعلان بقية الجماعات الممولة سعوديا والمدعومة أميركيا في البادية لبيانات مشابهة، ولعل هذه الخطوات ستأتي بعد أن أبلغت قيادات هذه الجماعات من قبل المخابرات الأميركية بأنها مشمولة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف تمويل ما يسميه بـ "المعارضة المسلحة" في سورية، وهذا يعكس أهمية الحراك الروسي في الكواليس السياسية لإنهاء الحرب المفروضة على سورية، وإعادة منطقة الشرق الأوسط إلى حالة الهدوء التي كانت تعيشها قبل بدء الأزمة السورية، وللروس مصلحة في مثل هذا الحرك، والذي يتثمل بإقناع الأميركيين بالخروج من البادية السورية، وذلك لأن واشنطن عندما فكرت بإنشاء قواعد عسكرية غير شرعية لها على الحدود السورية - العراقية في كل من التنف والزكف، لم تكن تفكر أصلا بمشاريع سياسية لما تسميه بـ "المعارضة السورية"، وإنما كانت تبحث عن ورقة ضغط عسكرية على موسكو في الشرق الأوسط من خلال التهديد المباشر للقواعد العسكرية الروسية على الشواطئ السورية، وذلك لأن هذه القواعد هي الضامن الوحيد لبقاء إمكانية وصول السفن الروسية (العسكرية والتجارية) إلى مياه المتوسط دون تهديدات مباشرة من أي قوة كانت، وفي الحسابات الدولية، كان على الروس أن يحافظوا على هذه القدرة لتعود موسكو إلى مكانتها السياسية قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي.


بيان الميليشيا يشير إلى أن واشنطن بدأت بالتخلي عن مشاريعها في البادية السورية، وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدت بين المسؤولين الروس والأميركيين والتي أفضت إلى اتفاق الهدنة في الجنوب، والذي تبعه هدنة ريف دمشق الشرقي، ودمشق هي الرابح الأكبر من سلسلة التوافقات التي قدرت الدبلوماسية الروسية على تحصيلها من واشنطن، التي تريد على ما يبدو الخروج من الازمة السورية بأسرع وقت ممكن، وأكبر مكاسب ممكنة.


المصادر الميدانية تتحدث عن نقل ثقل العمليات العسكرية إلى عمق البادية السورية وتحديداً إلى محيط مدينة السخنة، والتي تعد بوابة الدخول إلى عمق الشرق السوري، بكونها أكبر معاقل جماعة "داعش" المتبقية في بادية حمص الشرقية، ويتزامن هذا مع تقدم مستمر للجيش العربي السوري في ريف الرقة، فالوصول إلى "دلحة" على ضفاف نهر الفرات من قبل القوات الرديفة، تبعه تقدم لوحدات الجيش نحو مزارع السلام المعروفة باسم "السلام عليكم"، كما سيطر على قرية "خلف الكبيت"، وهما قريتين تقعان في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، والواضح إن الذهاب نحو إسقاط الطوق عن مدينة "دير الزور" كهدف استراتجي كبير لن يكون باختراق من العمق كما حدث في أكثر من مرة سابقة، وإنما بتقدم واسع بمحاور متعددة، يبدأ من ريف الرقة الشرقي وينتهي في أقصى الجنوب الشرقي لمحافظة دير الزور بمحاذاة الحدود مع العراق، وذلك يعني أن محاور أرياف حماة وحمص الشرقيين، ستتحركان بسرعة متناسبة طردا خلال المرحلة القادمة.


في الشق السياسي من هذه العملية، تكون الحكومة السورية قادرة على تطويق مشروع "فدرلة" سورية من خلال رسم أطواق نارية حول المناطق التي وضع لها مخطط لتتحول إلى أقاليم شبه مستقلة تمهيداً لطرح مشاريع أخطر، فوصول الجيش السوري إلى ضفة نهر الفرات شرق الرقة، قطع الطريق على التمدد الأميركي نحو مناطق نفطية هامة في ريف دير الزور الغربي كـ "التبني" و "مراط"، ووصول الجيش إلى الحدود العراقية من قبل ذلك، قطع الطريق على واشنطن للتمدد من التنف نحو ريف دير الزور الشرقي عبر استخدام ميليشيا  ما يسمى"جيش مغاوير الثورة"، والتوسع في مناطق البادية الواقعة جنوب شرق دمشق وشمال شرق السويداء، لم يقطع طرق الإمداد القادمة لميليشيات الغوطة من الأردن وحسب، بل أسقط مشروع إقامة "قوة عسكرية" توازي من حيث الطرح الأميركي  ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية"، لتكون الأداة التي يراد من خلالها الذهاب نحو فدرلة الجنوب السوري بحجة محاربة جماعة "داعش".


غالباً، ستكون العمليات السورية في البادية ذات وتيرة متسارعة من خلال قضم المناطق في الأيام القادمة، وغالبا ً أيضا أن الخطاب الأميركي سيتجه نحو الكثير من الدبلوماسية المتعقلة حيال التعامل مع الحكومة السورية، ولعل الدول التي تحلق في الفلك الأميركي ستسارع إلى تبديل خطابها بشكل تدريجي، فالانتصار السوري مسألة بات مفروغ من أمرها، و "الشاطر" من يسارع في "التكويع" بموقفه نحو دمشق.

محمود عبد اللطيف - أوقات الشام