كيف يدفعون بأطفالهم "للموت" على الجبهات؟!

كيف يدفعون بأطفالهم
الأربعاء ٢٦ يوليو ٢٠١٧ - ١١:٤٧ بتوقيت غرينتش

ما القضية التي تجعل الأم تقول لفلذة كبدها اذهب إلى الخطوط الأمامية حيث أنّ الموت وارد؟ من هم هؤلاء؟ لماذا يدافعون عن الإنسان والأوطان؟ ولماذا يضحون بطفولة لم يخرجوا منها شبّانا ليوثاً إلا قبل بضع سنوات؟ لماذا يرسم هذا الطفل بدل الغيمة والشمس التي رسمناها جميعاً في طفولتنا، بندقية؟ لن يفهم كَنهَ الحياة والموت في عزّ إلا صاحب قضية، ينظر بعينها أقصى القوم.

العالم ـ مقالات وتحليلات

لطالما عاش لبنان حروباً داخل بيته الكبير وخارجه، ومُصطلح "الحرب" غير غريب على شعب تجرّع من مجازر وويلات إسرائيل ما تجرّع. أرأيت قوماً لا ترعبهم كلمة "الحرب على الأبواب" ولا الأبواب وما خلفها؟ لكن العجيب المُستعصي على فهم الكثيرين كيف أن هناك فئة من اللبنانيين ترتاد الجبهات والبسمة لا تفارق وجوهها، وإذا شهدت وصيّة أحدهم تراه يودّع الدنيا كأنه عرّج عليها بضع ساعات وهو بالكاد يكتب ذكرياته عنها. هل هذا يعني أن روحه لا تعنيه؟ وإن كان طفلاً ألا تعنيه لُعبه؟ أصدقاؤه؟ ألا يعنيه حب الحياة؟

الأحداث المُلتهبة في لبنان ليست جديدة على اللبنانيين، 11 عاماً تفصلنا عن حرب تموز 2006 والتي راح ضحيّتها الآلاف من الأطفال والشباب والعُجّز، لكن معركة اليوم يشنّها عدو آخر، عدو ليس أقل وحشيّة من إسرائيل ولا أكثر "إنسانية" منها. عدو جاء بـ "مذهب" غوغائي تنصّ أشواكه المُسمّاة نصوصاً على إبادة المسيحيين والسنّة والشيعة وكل مَن هو مختلِف عنهم.. ثقافة تقول "اقتلوا الجميع"..

أطفال لبنان ممن سلموا من قصف مدفعية أو رصاصة تعرف مكانها جيّداً، عاشوا الحرب أكثر مما عاشوا مع دُماهم، وشهدوا أن قطع رأس بشري أمام الشاشة ليس بفيلم ينتهي بعد تغيير المحطة أو تطمينات الوالدة بأن ما يرونه "مشهداً تمثيلياً". هم عاشوا تفاصيل الحرب مع إسرائيل، هجّروا من بيوتهم، خبروا معنى السهر على أصوات القذائف، بعضهم أدرك كيف يعيش المرء يتيماً لأن والده استشهد برصاصة ما، وآخرون خبروا معنى الشلل ربما دونما أن يُصابوا به، لأن أخاً لهم أو جاراً أو قريباً أردته الحرب جريحاً، لم يشهدوا الموت صحيح.. لكنهم رأوا من ماتوا، ورأوا من أُذلّوا، وعاشوا كيف يُذبح إنسان على مرأى من العالم أجمع.

هؤلاء الأطفال اليوم كبروا. باتوا شباباً، شهوداً على زمن القتل والذبح والدم والسبي، ما العجب إذن أن نرىَ إبن السبعة عشر ربيعاً الذي كان طفلاً إبان حرب تموز شهيداً في معركة 2017؟ هؤلاء شربوا حب الوطن مذ أبصروا النور فيه، مَن عايش طفولةَ أحد المجاهدين أو الشهداء يُدرك تماماً عما نتحدّث. ويعلم أن أيّ طفل من هؤلاء كان يرسم بدل الغيوم والشمس التي رسمناها جميعاً في طفولتنا، بندقية.

اليوم، وبعد النصر الكبير الذي حقّقته المقاومة على إسرائيل في تموز باعتراف الأخيرة، وبعد معارك ما تزال مستمرة بوجه الإرهاب هناك مَن يقول كيف يدفع الأهل بأولادهم إلى الموت دفعاً؟ يا عزيزي لن تفهم سرّ هؤلاء إلا حينما تحمل قضيّتك على ظهرك وترفعها إلى سلّم أولوياتك، يا عزيزي من أدبيات المقاومة "وهذا ليس سراً" ألا تسمح لمن كان وحيد أهله الذهاب إلى الجبهة من دون موافقتهم، وأغلب الشهداء الذين ارتقوا لم تكن عوائلهم على عِلم بأنهم اختاروا الانضمام إلى قافلة المجاهدين ولاحقاً الشهداء.

هؤلاء ليسوا محتارين في أمرهم، وليس لديهم وقت لإضاعته، البندقية ليست خيار الضرورة فقط، بل الضرورة التي تحمل اليقين إلى جانبها. شباب بينهم المهندس الشهيد، والطالب الشهيد، بينهم مَن كان يمتلك قصراً، وأكثرهم جعلوا من قضيتهم محراباً يصلّى به عندما يُسمع أنين الوطن. هؤلاء لم يرتضوا الذلّ فدافعوا عنّي وعنك، عن بلدي وبلدك، تخيّل كيف كان المشهد اليوم لولا تضحياتهم، تخيّل لو أن داعش تحكم دولتك وتحطّم دور عبادتنا، تخيّل لو أن التنظيم قرّر أن يذبح طفلك على مرأى من عينيك لأجل غنيمة هنا، أو استحساناً لطعم الدم هناك، تخيّل هذا المشهد صعبٌ جداً، ولن أحمّلك وِزر خيال يُدمي القلب، كيف لو أصبح هذا الخيال حقيقة؟ أرجوك ألا تتخيل!

بين تمّوزين مَضيا غفوة عين وطن، وجيلٍ شرب النصر الأول فتأهّب للنصر القادم.. الكثير من الحب والإنسانية والنصر والحزم والإرادة التي لا تكسر، هذا ما تركه لنا مَن سبقونا إلى الجبهات، وهذا ما سنتركه لأطفالنا القادمين، وسنخبرهم قصة أبطال عاشوا طفولتهم على واقع حكايا نصر تموز 2006 فأصبحوا شهداء في العام 2017، ومنهم من ينتظر..

* فاطمة خليفة ـ الميادين نت

104-4