ابراهيم شير: هل تذبح حلب مرتين؟

ابراهيم شير: هل تذبح حلب مرتين؟
الثلاثاء ٠٨ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٣:٣٥ بتوقيت غرينتش

الصراع بين الصناعة والتجارة قديم ومنذ الازل في جميع دول العالم، فعندما يأتي الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى الحكم بعد وعود قدمها للناخبين اهمها الحفاظ على الصناعة المحلية ومنع خروج المصانع من البلاد والاستيراد من الخارج.

العالم - سوريا

نستطيع هنا ان نفهم بأن التجارة بعمرها ما حلت مكان الصناعة، لعدة اسباب اهمها، ان اقتصاد البلاد يكون دائما اقوى واصلب عندما تصنع وليس عندما تستورد.

اضافة الى ان التجارة لا تسمح بتوظيف اعداد كبيرة من الشباب والخبرات الوطنية، لانها لا تحتاج لكم كبير منهم، عكس المصانع التي توجد فرص العمل وتخلقها. التجارة لا تطور البلد لانها دائما تستورد من الخارج كل شيء، اما الصناعة تواصل التطور بدون توقف.

لذلك كان وعد ترامب لانصاره بالحفاظ على المصانع داخل اميركا وفرض رسوم كبيرة على الاستيراد، سهل له الوصول الى البيت الابيض على عكس منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

هذا الخلاف الذي حدث ونحن هنا نتحدث اذا تحدثنا عم الولايات المتحدة، قلب موازين القوى رأسا على عقب في الانتخابات، وهذا اميركا الكبيرة وصاحبة النفوذ الواسع فكيف تفكر بالصناعة وهي تمتلك اموالا ومصادر دخل كبيرة.

وعندما وصل ترامب الى سدة الرئاسة من اوائل الامور التي قام بها لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، بحث المواضيع الاقتصادية بين الدولتين، وخصوصا موضوع الاستيراد من بكين ورضخ ترامب للقرارات الصينية، لسبب ان رقبته باتت بين ايدي بكين، بسبب هروب المصانع الاميركية اليها.

ترامب قام ايضا بزيارة الى السعودية، وعاد من هناك بنحو 500 مليار دولار، وقال بالحرف انه جلب المصانع والوظائف للاميركيين.

اما كوريا الشمالية وكوبا، فخير مثال على ان الصناعة هي السلاح الاول للصمود في وجه اي شيء حتى وان كان اميركا والغرب باكمله، فالحصار على هاتين الدولتين ربما يكون اكبر من عمر اكبر قارئ لهذا المقال، ولولا الصناعة لسقطت الدولتان في ليلة ظلماء.

وايران مثال حي وبيننا في مجتمعنا، دولة الحصار فرض عليها منذ هروب الشاه وانتصار الثورة الاسلامية عام 1979، والى اليوم، وللصناعة فيها دور كبير في قوتها.

فالمواطن الايراني منذ ان يستيقظ وحتى ينام وكل شيء يشاهده امامه صنع في ايران، وهو امر جعل هذه الدول تقول لا للسياسات الاميركية والاسرائيلية بالمنطقة دون خوف، لانها تستند الى صناعة قوية تدفعها دائما الى الامام.

هذا الامر يوضح ان الدول العظمى تعتمد على الصناعة في بناء عظمتها وليس التجارة، فكيف بدولة صغيرة مثل سوريا؟

سبع سنوات مرت من الحرب المدمرة على سوريا، وتواصل هذه البلد بالصناعة وتحديدا في مدينة حلب، او المصانع الحلبية التي انتقتل الى الساحل السوري، بعد ان عمد الغرب والعرب الى تدمير حلب وقدرتها الصناعية لكسر العمود الفقري لسوريا، واسقاط الدولة، والجميع يتذكر مشاهد المصانع الحلبية التي سرقت ونقلت الى تركيا.

اضافة الى قتل صناعيين كبار وترغيب وترهيب الايدي العاملة وسحبها الى الخارج، وبالرغم مما سبق استمر ابناء حلب بالعمل وهو ما اعطى الدولة السورية جرعة حياة استمرت فيها، وذلك بالرغم من الحصار الجائر والقاسي المفروض على دمشق.

خلال سنوات النكبة على حلب والتي كانت فيها شبه مشلولة صناعيا، عمد التجار في سوريا على رفع وتنزيل الاسعار حسب رغباتهم، وهو ما جعل المواطن السوري بين فكي كماشة.

الاول هو ضعف الصناعة لان صحيح المصانع نقلت الى الساحل، ولكن ليس جميعها وايضا الايدي العاملة هناك بحاجة الى تدريب، فلا شك ان الشاب ابن الـ25 عاما والذي يعمل على الات النسيج منذ ان كان عمرها 8 سنوات، يمتلك خبرة اكبر من الشاب ابن الـ25 عاما ايضا.

ولكن بدأ قبل عام فقط بالعمل بهذا المجال، لان الجميع في سوريا يعلم ان حلب تصنع ودمشق تبيع و اللاذقية وادلب والحسكة يزرعوا.

ما ان بدأت تستعيد حلب عافيتها وعادت الات المصانع لتدور، حتى دق ناقوس الخطر في قلوب التجار بدمشق، لان طوال سبع سنوات تحكموا بالاسعار وبلقمة عيش المواطنين، وبعد ان عادت حلب ستعود المنافسة بين الصناعة المحلية والمستورد.

وطبعا المواطن سيلجئ الى الوطني نظرا لضعف الثمن، واغلب التجار كانوا قد خبأوا البضائع في مخازنهم، لرفع اسعارها، وهو ما يهددها بالكساد الان، فعمدوا الى محاربة الصناعة المحلية وخصوصا معامل حلب، حتى يقوموا بتصريف بضائعهم على اقل تقدير.

وهو امر لم يعجب الصناعيين في سوريا، ما يهدد بحرب اخرى قد تشتعل بين الجانبين.

وان نجت سوريا من الحرب الطائفية، ربما لن تنجوا من الحرب الاقتصادية بين الاخوة الاعداء، الا اذا كان هناك تدخل من اعلى المستويات يضع حدا لهذه التجاوزات، وتمنع من ان تذبح حلب مرتين.

ابراهيم شير - كاتب واعلامي سوري

120