واشنطن وإعادة تسخير "داعش" باسم جديد، كيف ولماذا؟

واشنطن وإعادة تسخير
الإثنين ١٤ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٥:٠٨ بتوقيت غرينتش

يبدو أن وكالات المخابرات الأميركية المختصة بالإرهاب التكفيري، تسعى الآن إلى خلق منظمة إرهابية بقيادة جديدة من قلب ما يسمى «دولة داعش»، بعد أن غابت صورة وسيرة أبو بكر البغدادي.

العالم - مقالات

فحين قتل أسامة بن لادن، وجدت مجموعات القاعدة أن أيمن الظواهري هو البديل، وتركت المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إي» الظواهري يعمل ويقيم مجموعات للقاعدة في بلدان أخرى لاستغلالها ضد أعدائه وأعدائها من الدول التي يوجد فيها مسلمون مثل روسيا والصين، وفي عدد من البلدان الأخرى وخصوصاً سورية وإيران والعراق في منطقة الشرق الأوسط، فقد كانت القاعدة تشكل جيشاً لمقاتلة حزب الله أيضاً، وسيكون من الغباء أن تقوم واشنطن بتصفية وجودها الإرهابي ومنع انتشار مجموعاتها.

لكن تجربة "داعش" التي ولدت من رحم القاعدة، كانت أكثر فائدة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، لأنها كما كشفت صحيفة «الغارديان» في 3 حزيران 2015 في تحليل للكاتب سويماس ميلنيه، ظهر بعد أن قررت وزارة الدفاع الأميركية بموجب تقرير نشر في آب 2012 إيجاد مجموعات موحدة من الإرهابيين في شمال شرق سورية وقرب حدود الدولتين العراق وسورية، وتسهيل سيطرتها على بعض أو أهم المدن في شمال العراق وشمال شرق سورية، ومع وضع سورية على جدول العمل الأميركي ودعم كل أنواع المعارضات السورية بالمال والسلاح من حلفائها في السعودية وقطر وتركيا، بدأ العمل داخل مجموعات القاعدة ومجموعات الإرهابيين التكفيريين في سورية لحشد أكبر عدد من المسلحين بهدف السيطرة على مدن أو قرى، وكان من بينها الرقة ثم الموصل، وكانت الخطة الأميركية تهدف إلى إيجاد أوضاع تسمح لكل المجموعات الإرهابية من القاعدة و "داعش" وكل الأسماء الأخرى، بإعلان دولها «المستقلة» بما يسمح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالوصاية على بعضها وللسعودية وقطر، على البعض الآخر.

وبعد فشل هذا المخطط وإحباطه على يد الجيش السوري وحلفائه، ومشاركة قوات روسية جوية بالحرب على الإرهابيين، بدأت الهزائم تتوالى على كل هذه المجموعات خصوصاً بعد تحرير تدمر وحلب والتجهيز لمعركة الرقة.

مجلة «أكسبريس» البريطانية الإلكترونية نشرت شهادات ووثائق عرضها جوليان أسانج صاحب الوثائق السرية «ويكيليكس» الشهيرة تؤكد أن «السي آي إي» من خلال تبادل عدد من البرقيات السرية، وفي 30 تشرين الأول 2014 كتب زاخ ماكون في موقع «تروث أوث» تحليلاً تحت عنوان: «أليست الولايات المتحدة هي التي خلقت داعش؟» يستشهد فيه برئيس وكالة المخابرات السرية البريطانية سابقاً السير ريتشارد ديرلاق حين قال: «إن الحكومة السعودية مستعدة دوماً لدعم أي عمل عسكري ضد الشيعة»، ولهذا السبب كانت واشنطن توظف أموال وسياسة السعودية باتجاه العراق وسورية، لأن واشنطن لم يكن بمقدورها شن حرب مباشرة عسكرية على طهران، ففضلت تفتيت دولتي العراق وسورية لمحاصرة طهران، وهذا ما جعل القاعدة تنتشر بشكل واسع بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وتعود على شكل "داعش" فيما يسمى «دولة الإسلام في سورية والعراق» بدعم تركي وسعودي وأميركي لاستئناف تنفيذ المخطط الأميركي الإسرائيلي ضد سورية والعراق وإيران وحزب الله في المنطقة.

ومع انتقال "داعش" إلى وضع يشبه فيه وضع القاعدة بعد خروجها من أفغانستان، وتشتت مجموعاتها من دون أن تحكم أو تسيطر على مدينة أو قرية، يبدو أن الوكالات الاستخباراتية الأميركية التي تسخر مجموعات "داعش" بشكل سري وغير مرئي من خلال بعض قياداتها المرتبطة بهذه الوكالات، من المتوقع الآن أن تعمل على إنشاء "داعش" جديدة وتصبغ عليها صفة «المعتدلة» لتمييزها عن "داعش" غير المعتدلة، وهو نفس ما فعلته للمعارضات السورية حين طلبت أن يصبغوا أسماءهم بعبارة «المعارضة المعتدلة»، علماً أن الدول التي تدعم كل هذه المجموعات التكفيرية المتشددة تطلق واشنطن عليها أيضاً اسم «الدول العربية المعتدلة» وأحياناً تسميها «الدول السنية» التي توظفها لما يسمى الحرب على «الهلال الشيعي»، ولذلك ليس من المستبعد على المخابرات الأميركية الانتقال إلى تسخير "داعش" من جديد بعد غياب البغدادي، للأهداف الإرهابية التكفيرية نفسها باسم «جديد» هذه المرة، بعد أن هزم الجيش السوري والعراقي وحلفاؤهما "داعش".

 تحسين الحلبي / الوطن

109-2