هل وَصلت “داعش” إلى قِطاع غَزّة؟ وهل ..

هل وَصلت “داعش” إلى قِطاع غَزّة؟ وهل ..
السبت ١٩ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٨:٤٠ بتوقيت غرينتش

قَدّمت حركة “حماس″ يوم أمس “أوراق اعتمادها” إلى مصر والعالم كحُكومةٍ يُمكن الوثوق فيها، وعُضوٍ فاعلٍ في تحالف مُكافحة “الإرهاب”، عندما تصدّت لخليّة مُكوّنة من شخصين مُتشدّدين كانا يتزنّرا بحزامين ناسفين، وفي طريقهما لعُبور الحدود باتجاه سيناء للقِتال في صُفوف “داعش”، مِثلما جاء في البيان الرسمي.

العالم - فلسطين
المَعلومات حول هذه العمليّة ما زالت تتّسم بالكَثير من الغُموض، فوَضع الرّجلين حِزامين ناسفين على وسطهما، وتفجير أحدهم نفسه في دورية لحرس الحُدود تابعة لحركة “حماس″، يُوحي أنّهما كانا يُريدان اختبار “نوايا” الحركة وحُرّاسها، ومدى التزامها بالتفاهمات الأمنية التي توصّلت إليها مع السلطات المِصرية الشهر الماضي أثناء زيارة لوَفدها إلى القاهرة بقيادة السيد يحيى السنوار، قائد الحركة في القِطاع، أكثر من فرضيّة عَزمها التسلّل إلى سيناء للانضمام إلى مُقاتلي “داعش”، حسب رأي المُراقبين.

فإذا كان الرّجلان يُريدان اختراق الحُدود وبهذهِ العلانية، فلماذا يرتديان الأحزمة الناسفة؟ ولماذا يُفجّر جمال كلاب، قائد الخلية نفسه بالقوّات الحمساوية التي أوقفته بقصد منعه من العُبور؟ .

لِنَدع الغُموض جانبًا، ونُؤكّد أن حركة “حماس″ كانت ضحيّة هذا الهجوم، وخسرت أحد عناصرها الذي تُوفي في الحال، ولكنّها أثبتت في الوقت نفسه لشركائها المصريين أنها جادة في الالتزام بتعهّداتها، وتقول وتُنفّذ، ولن تَسمح بتسلّل أي من العناصر السلفية من القِطاع إلى سيناء مِثلما كان عليه الحال في الماضي، حسب الاتهامات الواردة في البيانات ووسائل الإعلام المصرية.

في اللّقاء الذي تم بين وفد الحركة برئاسة السيد السنوار وعضوية روحي مشتهى، وموسى أبو مرزوق، مع وفد المخابرات المصرية، وبعد ذلك مع النائب محمد دحلان ووفد من حركته، رفض السيد السنوار طلبًا مصريًّا بتسليم سبعة من “الإرهابيين” المَطلوبين لمصر ولجأوا إلى قطاع غزة عبر الانفاق، ولكنّه تعهّد في المُقابل إقامة منطقة آمنة على طول الحدود المصرية الفلسطينية (طولها 15 كيلومترًا)، وإغلاق جميع الأنفاق، ومَنع أي تسلّل من القطاع إلى سيناء أو العكس، وهذا المَوقف أثار إعجاب الجانب المصري، لصراحة الرجل وصرامته وقوّة حُجّته.

عمليّة الحُدود الأخيرة هذه، تُؤكّد أن حركة “حماس″ نجحت في الاختبار الأول، والأهم، ودفعت، وربّما تدفع أيضًا، ثمنًا باهظًا لهذا النجاح في المُستقبل القريب، بالنّظر إلى حالة الغضب التي سادت القطاع، ومنطقة رفح بالذّات، مَعقل الجماعات السلفية المُتشدّدة التي يَنتمي إليها الرّاحل كلاب، مُنفّذ العمليّة.

علاقة حركة “حماس″ مع التنظيمات الأصولية المُتشدّدة لم تكن على ما يُرام، بل أقرب إلى التوتّر، وبالتحديد مُنذ الهُجوم الذي نفّذته قوّاتها على مسجد ابن تيمية في رفح عام 2009 الذي راح ضحيّته أكثر من 30 قتيلاً وعَشرات الجَرحى، ولكن الحركة حَرصت على عدم الصّدام مع هذهِ الجماعات والفصائل، والتوصّل إلى “هُدنة” غير مُعلنة.

بعد هذهِ العمليّة الهُجوميّة ربّما تتعرّض هذه “الهدنة” إلى حالة من الاهتزاز، خاصّةً في ظِل الأوضاع المُتأزّمة في قِطاع غزّة من جرّاء ارتفاع البطالة في أوساط الشباب (80 بالمئة)، وتَخفيض سلطة رام الله لرواتب أكثر من 60 ألف مُوظّف، وإحالة أكثر من ستّة آلاف من بينهم إلى التقاعد المُبكر.

السلطات المصرية ربّما تكون الأكثر سعادةً بهذا التطور الذي يُثبت أن “حماس″ أكثر التزامًا من أي وقت مَضى بتأمين حُدودها مع القطاع، والانتقال إلى خندق العَداء في مُواجهة الأصوليين المُتشدّدين، وربّما تُترجم هذه “السعادة” إلى المزيد من “المُكافآت” مثل فتح معبر رفح بصورةٍ دائمةٍ أوائل الشهر المُقبل، وتنشيط حركة التجارة مع القِطاع، وتزويده بكميّات أكبر من الكهرباء والوقود.

حركة “حماس″ أقدمت على خُطوةٍ صِداميّةٍ مِحوريّةٍ مع الجماعات الأصوليّة، وأظهرت “العين الحمراء”، ولكن لهذه السياسة مَحاسن ومخاطر، خاصّةً أن علاقاتها مع السّلطة في رام الله سيئة، وليست جيّدة في الوقت نفسه مع دول الخليج بسبب قرارها بإعادة علاقاتها مع طهران.

الأمر المُؤكّد وِفقًا لرَصد آراء العَديد من الخُبراء، أن أبناء القِطاع الذين يُعانون من الحِصار، أو بالأحرى الغالبيّة منهم، لا يُريدون عَودة الفَوضى والصّراعات، ويتطلّعون إلى الأمن والاستقرار، وهذا ربّما يَصب في مَصلحة “حماس″ وسياساتها المُتشدّدة تُجاه الجماعات الأصوليّة المُتشدّدة الأقرب إلى عَقيدة “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”.. والله أعلم.

المصدر : رأي اليوم

109-1