خطاب الأسد .. "رسائل واضحة" نسردها لكم!

خطاب الأسد ..
الثلاثاء ٢٢ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٧:٠٩ بتوقيت غرينتش

في خطابه للدبلوماسيين السوريين أول من أمس، وجه الرئيس بشار الأسد العديد من الرسائل الدبلوماسية، والكثير من الكلام الواضح والصريح لقادة العالم «الغربي» وأدواتهم من المستعربين قادة كانوا أم تنظيمات أم أفراداً..

وأكد من جديد أن مواقف سورية لا يمكن أن تغيرها الحرب التي شنت عليها طوال السنوات الست الماضية، كما لم تغيرها سابقاً كل الضغوط الاقتصادية والسياسية ولغة التهديد والوعيد التي تعرضت لها على مر العصور، وفي العقود الخمسة الماضية تحديداً.
كلام الرئيس الأسد جاء ليلخّص مجمل ما يتعرض له الشرق الأوسط خلال تلك العقود من استهداف ومحاولات فرض السيطرة والإملاءات، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى إخضاع سورية والسوريين للسيد الغربي وللقرار الأميركي، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، تماماً كما هو حال العديد من بلدان العرب التي لا تكتفي فقط بالخضوع والخنوع، بل تسدد مالاً وكرامة لإرضاء أسياد البيت الأبيض ومن لف لفهم.
الخطاب كان واضحاً وصارماً تجاه استقلالية القرار السوري واستقلال السوريين، وتجاه وحدة الأراضي السورية، وقدم جواباً واضحاً لكل من يسأل أو يتساءل عما سمي مناطق «خفض التوتر» ومشاريع التقسيم، فأكد الرئيس الأسد من جديد على وحدة سورية شعباً وأرضاً، وعلى أن قواتنا المسلحة ماضية في حربها على الإرهاب حتى إخراج آخر إرهابي من الأراضي السورية، وعودة بسط سيادة الدولة في كل المدن والقرى المحتلة.
الخطاب تضمن العديد من الرسائل الدبلوماسية وغير الدبلوماسية التي عبرت عن مشاعر كل سوري تجاه ما تعرضت له سورية من دمار وقتل وغدر.
فحين يبدأ الرئيس الأسد بشكر إيران، فهو يرد بشكل مباشر على كل من كان ولا يزال وسيبقى، يدعو سورية إلى «الانفكاك» عن الحليف الإيراني والانضمام إلى نادي ما كان يسمى «محور الاعتدال» وبات اليوم «محور الاستسلام»، مع إعادة التأكيد على أن فلسطين تبقى القضية المركزية لسورية، وإسرائيل هي العدو، في الوقت الذي يتسابق البعض من «العرب» للتطبيع معها وشطب القضية الفلسطينية من قاموسهم «اللاعربي»!
وحين يشكر روسيا، فهو يوجه رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة الأميركية بأن لا دور لها في المنطقة، لا الآن ولا مستقبلاً.
وحين يتحدث ويشكر حزب اللـه والسيد حسن نصر اللـه، فالرسالة هنا إلى كل لبنان واللبنانيين، وغيرهم، من الذين انتقدوا المقاومة اللبنانية ومارسوا أبشع الضغوطات السياسية من أجل «النأي عن النفس»، والرسالة مفادها أن هذه الحرب كانت تستهدف كل المنطقة وكامل محور المقاومة وليس سورية فقط، وأن الدفاع عن تراب سورية كان دفاعاً عن تراب كل لبنان أيضاً.
من الرسائل الدبلوماسية لخطاب الرئيس، تجاهل العرب بشكل كامل، وقد يكون ذلك رداً على كل من يروج أو يعتقد أن سورية «تتوسل» للعودة إلى جامعة الدول العربية، ومن الواضح من كلام الرئيس الأسد أن سورية ليست بحاجة إلى هذه الجامعة التي تسمى زيفاً بالعربية، وأن التوجه المستقبلي بات «شرقاً» تجاه الدول والشعوب التي تعي معنى الاستقلال، والقرار الحر والقانون الدولي والإنساني وتحارب الإرهاب لا تدعمه، وتمتلك كل مقومات الحياة التي تكفي حاجات سورية.
أما حين يتحدث عن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، فيتجنب اللغة الدبلوماسية ويقدم شرحاً عن «تسول» الأخير لدور سياسي ما في سورية، بالإضافة إلى اعتبار كل تركي موجود فوق الأراضي السورية، من دون موافقة الحكومة السورية، محتلاً مثله مثل العدو الإسرائيلي، ولا فارق بينهما من حيث القذارة السياسية أو الطموح التوسعي، وخاصة بعد إخفاق مشروع سيطرة الإخوان المسلمين على البلدان العربية.
ويؤكد الرئيس الأسد بكلمات بسيطة أن أردوغان ليس إلا مطية سينتهي دوره مع انتهاء وجود الإرهابيين في المنطقة، ولا يمكن أن يكون شريكاً في أي حل سوري.
ولحركة «حماس» كان نصيب من الخطاب، وإن لم يسمها الرئيس الأسد لكنه أوصل إليها رسالة واضحة بأن من ينحرف عن مبادئ وصفات المقاومة لا يمكن أن يحظى بتأييد سورية والسوريين.
في الملف الداخلي، لا يجامل الرئيس، فيتحدث بلغة كل السوريين، وبلغة الواقعية السياسية التي ميزت محادثات «أستانا»، وتجنب «الفنتازيا السياسية» التي ينتهجها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، ولم يتطرق إلى مسار جنيف ولا حتى بكلمة واحدة، مكتفياً بوصف «المعارضات» المشاركة في لقاءات جنيف بـ«العبيد»، وهذا وصف كاف يلخص حقيقة المسار، ويكشف عن طبيعة من تفاوضهم سورية من أسياد لهؤلاء العبيد، وما يمكن أن ينتج عنه في المستقبل، في حال حقق نتائج.
وهذه رسالة دبلوماسية أيضاً لدي ميستورا الذي «يبشر» بانفراجات كبيرة الشهر القادم، علماً أن أي انفراج إنما يحققه السوريون الحقيقيون من قوات مسلحة وشعب وقيادة.
تحدث الرئيس الأسد عن الثورة الحقيقية، تلك التي سمحت للسوريين بالصمود ومواجهة أعنف الحروب التي تشن على دولة سيدة ومستقلة، فكانت ثورة الملايين على بضعة آلاف، وكان لابد لهم أن ينتصروا لأنهم مدركون، كما قال الرئيس الأسد، أن ثمن المقاومة والصمود أقل بكثير من ثمن الاستسلام الذي كان سيؤدي بشكل أو بآخر إلى تفكيك سورية وتحويلها إلى دويلات طائفية ومذهبية تتقاتل فيما بينها.
كان خطاباً للدبلوماسيين، تضمن العديد من الرسائل ما بين السطور، ورسم ملامح مستقبل سورية انطلاقاً من قناعة الرئيس الأسد وثقته، بأن النصر بات قاب قوسين، وأن لا مكان للإرهابيين في سورية ولا لمن يدعمهم من دول وأفراد.
كان ببساطة خطاب القائد المنتصر الذي يعطي توجهات المستقبل دون أن يقدم أي تنازل، واثقاً بأن كل السوريين يشاركونه القرار السيد والمستقل، هذا القرار الذي كلفنا سابقاً حصاراً اقتصادياً، ومؤخراً دماءً ودماراً، لكنه بقي صامداً صمود قاسيون، وغير قابل للانكسار مهما بلغت الصعاب والتضحيات.

وضاح عبد ربه - الوطن