بؤس الكلمة: صعوبة أن تكون صحفياً في هذا الوطن!

بؤس الكلمة: صعوبة أن تكون صحفياً في هذا الوطن!
الجمعة ٢٥ أغسطس ٢٠١٧ - ٠٣:٣٤ بتوقيت غرينتش

بعد أكثر من ست سنوات على ما سُمّي بـ(الربيع العربي)، والذي زلزلت فيها المنطقة، وأشيعت فيها الفوضى، والارتباك، نُعيد قراءة المعنى الكبير خلف مقولة (الشقاقي) عن المُثقّف، لكنها هذه المرة، نُخصّصها عن حال (الصحافي)؛ باعتبار دوره، أحد أبعاد قضية الثقافة، وأدوارها المجتمعية، حول هذه المسألة نُسجّل ما يلي عن حال الصحافة والصحافيين في وطننا العربي، وموقفهم من القضايا الرئيسية للأمّة.

العالم - مقالات

كان للصديق والأخ الشهيد د. فتحي الشقاقي، مؤسّس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، مقولة، أعتبرها بمعايير القيمة والدلالة، مقولة تاريخية بامتياز؛ (أن المُثقّف هو أول مَن يقاوِم وآخر مَن ينكسر)، وكلما ضاقت دنيانا بفوضاها ومشاكلها، تذكّرت مقولة (الشقاقي) لنستمد منها معين القوة، في مواجهة حال القبح والهزيمة والفوضى التي تعيشها أمُتنا بقضاياها الرئيسية، الشقاقي استشهد قبل أكثر من 22 عاماً (تحديداً في 25/10/1995) لكن حِكمته لاتزال حاضِرة !!.

اليوم.. وبعد أكثر من ست سنوات على ما سُمّي بـ(الربيع العربي)، والذي زلزلت فيها المنطقة، وأشيعت فيها الفوضى، والارتباك، نُعيد قراءة المعنى الكبير خلف مقولة (الشقاقي) عن المُثقّف، لكنها هذه المرة، نُخصّصها عن حال (الصحافي)؛ باعتبار دوره، أحد أبعاد قضية الثقافة، وأدوارها المجتمعية، حول هذه المسألة نُسجّل ما يلي عن حال الصحافة والصحافيين في وطننا العربي، وموقفهم من القضايا الرئيسية للأمّة.

أولاً: نحسب أن الصحافة في مجملها، تعاني أزمة مُركّبة (من نقابات هشّة إلى أوضاع مالية واقتصادية مُتردّية إلى مُنافسة غير مُتكافئة مع وسائل الاتصال الحديثة في شبكة المعلومات وغيرها)، لكننا نركّز في هذا المقال على أحد الأبعاد الغائِبة عن النقاش في قضية الصحافة العربية، حال (الصحافي) ودوره؛ وهي أزمة ليست ابنة اليوم، فهي ممتدة، وعميقة الجذور وتتفاوت حدّتها وتعقيداتها من زمن إلى آخر ومن بلد عربي إلى آخر، رغم أن أغلب البلاد العربية الاثنين والعشرين تعيش هذه الأزمة مع اختلاف في الدرجة وليس فى النوع.

ثانياً: من المؤكّد أن الصحافي الذي يحترم مهنته ودوره، لابدّ وأن يكون دائماً مُنحازاً لقضايا أمّته، وأميناً في نقل همومها، إنه مرآة صادقة لمشاعرها الوطنية، وهو لا يتوانى عن المشاركة بقلمه الحر في مواجهة التحديات التي تتعرّض لها بلاده، أما إذا ما تخلّى (الصحافي)، باعتباره إعلامياً ومثقّفاً، عن وظيفته تلك؛ صار مُجرّد (بوق) لأنظمة الاستبداد ولمن يملك المال، أو يموّله من خارج الوطن ضدّ هذا الوطن.

ثالثاً: اليوم نحاول أن نقترب من دور الصحافي من ثلاث قضايا نحسبها قضايا كاشِفة، وهي ربما تجيب بشكلٍ ما عن سؤال مركزي: هل نحن أمام (ضمير للأمّة) كما ينبغي أن يكون الصحافي أم مجرد بوق دعائي لأنظمة مُتهالِكة فارغة المحتوى والروح.

القضية الأولى؛ الموقف من المقاومة العربية بدءاً من فلسطين مروراً بلبنان وسوريا وغيرها وصولاً إلى مقاومة التطبيع في البلاد التي ابتليت به وما أكثرها (!!) إلا أن أشهرها رسمياً، مصر والأردن وبعض مشيخات الخليج (الفارسي)، إن هذا الموقف من المقاومة في ظنّي يتراوح اليوم بين التأييد للمقاومة وهؤلاء لا يمثّلون للأسف في الوسط الصحفي (والإعلام العربي) بوجه عام سوى نسبة ضئيلة لا تتعدّى الـ10%، أما الـ90% فهم إما مؤيّدين للتطبيع ولعمليات تجريم المقاومة أو مُنصرفين بإرادتهم أو بجهلهم في الربط بين القضايا، إلى قضايا أخرى ومنها قضايا الإرهاب)، ونسبة لا بأس بها من هؤلاء الصحافيين، اشتركوا ولايزالون فى جمعيات وهيئات مؤيّدة للتطبيع وداعية له، ولعلنا نتذكّر في مصر على سبيل المثال إبان زمن مبارك إنشاء (جمعية القاهرة للسلام) و(تحالف كوبنهاغن) المُطبّعين مع الكيان الصهيوني نهاية التسعينات، وكان من رموزه آنذاك صحافيون مشهورون منهم الراحل لطفي الخولي، والمدعو د.عبدالمنعم سعيد الذي يتولّى الآن رئيس مجلس إدارة جريدة (المصري اليوم) لصاحبها (المطبع أيضاً في مجال الزراعة والنفط المدعو صلاح دياب)، والطريف أن عبدالمنعم سعيد رغم فشله في دعوته للتطبيع طيلة الثلاثين عاماً الماضية وفي محاولة دؤوبة منه ومن الأجهزة الأميركية المُحرّكة له والتي يزورها شهرياً، حاول باستمرار عملية اختراق الجماعة البحثية والصحفية المصرية في جريدة الأهرام ومركز أبحاثها، والتي كان يتولّى إدارتهما معاً، إلا أنه لايزال مُصرّاً في كتاباته الأخيرة على ذات النهج، نهج التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذه من سخريات القدر وألاعيبه في مصر !! ومثل هؤلاء، يتواجد، كثيرون في ساحات الخليج (الفارسي) الصحفية وفي لبنان وخاصة صحافتها المموّلة سعودياً.

إن القاسم المشترك لهؤلاء جميعاً هو كراهية المقاومة، وحب "إسرائيل" وإن بدرجات متفاوتة (انظروا بتأمّل الكاتب اللبناني الشهير حازم صاغية ومواقفه المعادية من حزب الله والمقاومة العربية طيلة الـ30 عاماً الماضية، فهو خير نموذج لبؤس الكلمة!!) وثمة كُتّاب وصحافيين عرب آخرين يدافعون عن التطبيع ولكن بدرجات متفاوتة، حتى لا يصطدموا بالمزاج الشعبي العربي العام الرافض لهكذا دعوات، والتي يعتبر دُعاتها من المثقّفين والسياسيين والصحافيين يرتكبون (فعلاً فاضحاً) في قضايا مُقدّسة، بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات لغوية وأخلاقية !!.

القضية الثانية، الموقف المُمالىء لأنظمة الاستبداد والفساد، وهنا ينكشف دور قطاعات من الصحافيين وتتعرّى تماماً لأن رائحة استبداد غالب الأنظمة العربية قبل ما يُسمّى بـ(الربيع العربي) وبعده، تزكم الأنوف ولا ينكرها إلا ظالم لنفسه وقلمه وشعبه، ومع ذلك تجد في الأوساط الصحفية من يموت عشقاً في حب تلك الأنظمة، ويجمّل قبائح استبدادها وفسادها، بل ويعتبره من الإنجازات، بعض تلك الصحف هي ملك عام للدولة والبعض الآخر صحف خاصة يتم تدليلها ممن يكتب بها أو يرأس تحريرها رغم عدم كفاءته، ويتقاضون مبالغ كبيرة، فيطلقون عليها (صحفاً مستقلة)، رغم أنها ليست كذلك أبداً لا في الطبيعة ولا في الدور الذي تقوم به.

والصحافي الحر في تلك الصحافة الرسمية أو الخاصة في غالب بلادنا العربية، دائماً منبوذاً، بل وأحياناً مسجوناً (في مصر وحدها هناك حوالى 18 صحافياً مسجوناً اليوم، وتحتل مصر رقم 161 من 180 دولة في انخفاض سقف الحرية الصحفية على المستوى العالمي)، ويتقدم الصحافي الحر عادة في طابور العمل الصحفي، الأكثر نفاقاً، وتزلّفاً؛ والشواهد والأسماء والمقالات والمواقف عديدة ومُخجلة؛ وفي بلادي مصر، تصدر مجموعة من الصحافيين المستقلّين تقريراً شهرياً رائعاً اسمه (تقرير لجنة الأداء النقابي) ويشرف عليه الزميل والصديق الصحافي الكبير علي القماش، وبه معلومات موثّقة عن نواحي الفساد وموالاة الاستبداد من قِبَل صحافيين حكوميين وفي صحف خاصة، يندى لها الجبين !! (يمكن العودة إليه لمن يريد الاستزادة !!).

ثالث القضايا، الكاشفة لحال الصحافيين والمحدّدة لمواقفهم وأدوارهم هو الموقف من قضايا الإرهاب، سواء إرهاب الجماعات الداعشية المسلّحة والمتواجدة الآن في أغلب بلادنا العربية، أو إرهاب الأنظمة السياسية في مواجهة المُخالفين لها ممن لا يستخدم العنف ويعارضها سياسياً؛ إن واقع الحال يقول أن هناك من يُمالئ تلك الجماعات بل ويعتبرها ممثّلة للثورات وللربيع العربي، وهؤلاء ظلّوا طيلة السنوات الست الماضية يمارسون هذه الأدوار الخطرة، ما أعطى صورة غير حقيقية عما يجري في بلد مثل سوريا على سبيل المثال، حيث الإعلام الرسمي والخاص وجوقة من الصحافيين ناقصي الخبرة وعديمي الموهبة يردّدون أن ما يجري في سوريا، ثورة، أما ما يجري في بلادهم من نفس الجماعات الإرهابية (مثل سيناء أو ليبيا أو غيرهما) فهو إرهاب، رغم أن المعين الإرهابي الوهّابي واحد !!، هذا الكيل بمكيالين خلق حالة من التشويش لدى الجمهور المُتلقي، ساهم فيها للأسف هذا النوع من الصحافيين والإعلاميين الذين إما كانوا يتلقون بالفعل - كما ثبت لاحقاً - أموالاً من مشيخيات الخليج (الفارسي) خاصة قطر والسعودية ليروّجوا لهذه الجماعات الداعشية، أو أنهم مجرّد ببغاوات وجهلة ينشرون ما تبثّه – من دون تمحيص وفرز - وكالات الأنباء العالمية ذات الهوى المُعادي لعروبة واستقلال سوريا ومصر وليبيا وغيرها من البلاد التي ابتليت بالإرهاب المُلتحف زيفاً بالدين، في المقابل، صمت القطاع الأوسع من صحافيي هذا الزمان فى بلادنا العربية على (إرهاب الدولة) في مواجهة أصحاب الرأي والفكر أو المختلفين سياسياً، وتحوّلوا إلى ببغاوات تكرّر ما تقوله أجهزة الأمن في بلادهم ضد هؤلاء المُعارضين، من دون احترام لقَسَم الحرية الذى بموجبه أصبحوا صحافيين، كان واجباً عليهم أن ينقلوا مُعاناة الناس ويدافعوا عن المُختلفين والمُعارضين للأنظمة المُستبدّة ، طالما لم يحملوا سلاحاً ، بل قلماً أو راية فى متظاهرة سلمية !!.

خلاصة القول..

من خلال هذه القضايا الثلاث (وغيرها من القضايا التي لم نذكرها) يتّضح وبوجه عام (طبعاً ثمة استثناءات مُحترمة) أن الصحافي اليوم في بلادنا، باعتباره مثقفاً – أو هكذا كنا نتخيّل – لم يعد كما قال ذات يوم الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي (أول من يقاوم وآخر من ينكسر) في بلادنا العربية، بل صار هو (أول من ينكسر، وآخر من يقاوم)، سواء كانت هذه المقاومة تجاه العدو الصهيوني، أو جماعات الإرهاب أو أنظمة الاستبداد والإفساد المالي النفطي، وبالقطع كما قلنا، ثمة استثناءات مُحترمَة ومُقدّرة في الوسط الإعلامي والثقافي (بإجمال) والصحافي بخاصة.. ولكنها للأسف، استثناءات لا تؤكّد القاعدة، فالقاعدة شديدة البؤس، ولا تدعو للتفاؤل !! إنها تؤكّد فقط بؤس الكلمة الحرّة وموتها وصعوبة أن تكون صحافياً شريفاً، وحراً في أوطان تفتقد بسبب نفاق (الإرهاب) و(ممالأة إسرائيل)، و(عشق الاستبداد)، قِيَم الشرف، والحرية !! والله أعلم.

* رفعت سيد أحمد - الميادين

108