سوريا.. وقائع الميدان وإلزامات السياسة

سوريا.. وقائع الميدان وإلزامات السياسة
الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠١:١٥ بتوقيت غرينتش

بعد تحرير حلب بداية العام الجاري تغيرت الخارطة في سوريا بشكل كامل، حيث باتت سوريا الحيوية بيد الدولة من حلب شمالاً حتى السويداء جنوبا، وباتت المعارك تقاس بالأمتار وليس بالمدن.

العالم ـ مقالات وتحليلات

من يراقب الوضع العسكري في سوريا يشاهد أن الجيش هو الأكثر تقدما في المنطقة، فخلال ثمانية أشهر حرر الكثير من المناطق والمساحات الشاسعة من جميع التنظيمات المسلحة الإرهابية، على جميع المحاور، وكان آخر الإنجازات فك الحصار عن مدينة ديرالزور.

وخلال هذا التقدم على مدار الأشهر القليلة الماضية وضعت الولايات المتحدة ومن معها خطوطاً حمراء كثيرة في وجه الجيش السوري سواء شمالاً في ريف حلب والرقة أو في البادية السورية، واستخدمت واشنطن لمنع تقدم الجيش السوري القصف الجوي تارة، أو دفع من تدعمهم من المسلحين تارة أخرى.

وفي كلتا الحالتين فشلت في إيقاف هذا التقدم الذي كان سريعاً ومدهشاً للجميع وحتى لأكثر الأشخاص تفائلا أو تشاؤما، وعندما وضعت خطاً أحمراً عريضاً وكبيراً بخصوص منطقة التنف على الحدود مع الأردن، قام الجيش السوري بعملية عسكرية بالغة في الذكاء والدهاء، أفقد خلالها القيمة الاستراتيجية لهذه القاعدة، وذلك عبر وضعها بين فكي كماشة سواء شمالا عبر التقدم باتجاه مدينة البوكمال وفتح الحدود مع العراق لأول مرة منذ احتلال إرهابيي "داعش" لها، بالإضافة إلى التقدم غرب القاعدة من اتجاه ريف دمشق على الحدود مع الأردن، ومن شمال القاعدة من اتجاه ريف حمص الجنوبي أي البادية السورية، وأفقد هذا التقدم القدرة الأميركية على مساعدة مسلحيها في القاعدة التي أُوجدت من أجل دعمهم.

هذا التقدم في الميدان لم يكن بعيدا عن السياسة لأن المتر الواحد في الحرب يحسب له ألف حساب في الدبلوماسية، وهذه الإنجازات دفعت دولاً عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة لتغيير لهجتها مع سوريا واتخاذ قرارات على الأرض بذلك، وكان أهمها وقف دعم الجماعات المسلحة التي قالت إنها فشلت في الحرب.

والقرار الأميركي انتقل إلى أوروبا التي أعلنت فرنسا وبريطانيا تخليها عن مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد وطالبت المعارضة السورية بهذا الأمر، والسعودية أيضا أعلنت سراً وقف تمويل المسلحين وانسحابها من الحرب السورية التي باتت مكلفة بشكل كبير عليها ولم تحقق ماكانت تتمناه الرياض، اما الاردن فكانت أكثر الدول جدية في تغيير الاستراتيجية، وبعد التصريحات الإيجابية لوزير إعلامها محمد المومني بشأن سوريا، أعلنت الجماعات المسلحة التي تدعمها إلى جانب أميركا انسحابها من سوريا إلى داخل الاراضي الاردنية.

هذه التغييرات سيكون لها أثر كبير على مؤتمر جنيف القادم، الذي ستسعى فيه الدولة السورية هذه المرة الى توحيد المعارضات السورية بوفد واحد، ومحاورتهم من اجل حل الخلافات، وتكون هنا جبهة واحدة في اتجاه الشمال السوري بشقيه الشمال الغربي والشرقي، اي ادلب والحسكة، ليتم هنا اعادة ادلب وطرد الإرهابيين منها سواء الى تركيا او الى بلدانهم الاصلية.

أما الحسكة فسيكون لها تعامل آخر وهو قد يكون عن طريق الحوار، أو بالطريقة التي تجدها الدولة السورية مناسبة، وخصوصا ان القوى الكردية لم تعلن جميعها انشقاقها عن الدولة وتصريحات رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم، خير شاهد على هذا الامر.

عندما قال الرئيس الاسد إن ما بعد حلب ليس كما قبلها، لم يكن تصريحاً عابراً بل كان مدروساً مئة بالمئة، وحلب هي بوصلة الحرب السورية.

* إبراهيم شير ـ رأي اليوم

104