كيف تحسم دير الزور نهاية الحرب؟

كيف تحسم دير الزور نهاية الحرب؟
الثلاثاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٣:٤٢ بتوقيت غرينتش

يبدو أن غرفة الموك باتت على يقين أن الأمور حسمت في سوريا، ولعل كلام الرئيس الأسد في خطابه الأخير "مؤتمر وزارة الخارجية السورية" وإعلانه أن الدولة السورية لن تقبل بتنسيق أمني مع أحد ما لم يكن معه تنسيق سياسي وفوق الطاولة، لعله أكبر دليل على تسليم الجميع بأن ما كان مخططاً لسوريا قد انتهى، وإن كان يحتاج لفترة زمنية لإنهاء بقاياه بشكل كامل. كما أن كلام الأسد جاء بلغة الواثق ويحمل رسالة واضحة للدول الغربية وغيرها بأن زمن التنسيق الأمني في الخفاء قد ولّى.

العالم - مقالات

مجريات الأمور توحي أن الأولوية هي استكمال السيطرة على الحدود الدولية

فشل المخطط الأميركي بثلاثة أشهر وانهيار "داعش" واستعادة الجيش السوري السيطرة على أكثر من 70% من المساحة التي كان يسيطر عليها التنظيم، يضع أساس إعادة توحيد الجغرافيا السورية. فالدولة السورية تسيطر اليوم على أكثر من 55% من الجغرافيا السورية. والاستمرار بمعارك ريف دير الزور سينهي "داعش" في سوريا وبالكامل ماعدا جيباً صغيراً في منطقة الحجر الأسود قرب دمشق.

تسارع عمليات الجيش في حوض الفرات قرب دير الزور يساعد في وصولها إلى الهدف. فعديد القوات الفائض وإضافة قرابة 5 آلاف مقاتل من دير الزور، إضافة إلى تحالفات مع أبناء العشائر في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش مع الدولة السورية. لربما لن تتأخر معركة إنهاء تواجد داعش فيما تبقى له في معقلين رئيسيين في الميادين والبوكمال، خاصة مع تقدم القوات العراقية إلى الحدود أيضاً. والسؤال هنا هل سيسمح  الأميركي للعراقيين بالتقدم إلى الحدود؟

قبل أيام صرح المتحدث باسم كتائب حزب الله العراق جعفر الحسيني للميادين أن الحكومة العراقية تمنع الحشد الشعبي من الوصول إلى الحدود مع سوريا، وذلك تنفيذاً لرغبة أميركية وكلام الحسيني له وجهان. الأول: أن الولايات المتحدة لا تريد أن يستلم الحشد الشعبي الحدود، وهذا أمر يعرفه الجميع، لأن تواجد الحشد على الحدود مقابل الجيش السوري، يعني أن تواصل عناصر محور المقاومة اكتملت، ولن يتمكن الأميركي من مراقبة الحدود بالمطلق. وأما الوجه الآخر: فهو أن الأميركي يبحث عن إبقاء "داعش" على الحدود السورية العراقية وإن كان في البادية لتبقى الحدود خاصرة رخوة تهدد سوريا والعراق في آن واحد. وأيا كان الهدف تبدو واشنطن عاجزة عن إيقاف التقدم المتسارع والغير الواضح في خارطة السيطرة داخل سوريا. وهذا يعيد الرئيس الأسد وبقوة إلى المشهد الدولي بل ولربما أقوى مما كان عليه قبل الحرب.

يبدو أن غرفة الموك باتت على يقين أن الأمور حسمت في سوريا، ولعل كلام الرئيس الأسد في خطابه الأخير " مؤتمر وزارة الخارجية السورية " و إعلانه أن الدولة السورية لن تقبل بتنسيق أمني مع أحد ما لم يكن معه تنسيق سياسي وفوق الطاولة، لعله أكبر دليل على تسليم الجميع بأن ما كان مخططاً لسوريا قد انتهى، وإن كان يحتاج لفترة زمنية لإنهاء بقاياه بشكل كامل. كما أن كلام الأسد جاء بلغة الواثق ويحمل رسالة واضحة للدول الغربية و غيرها بأن زمن التنسيق الأمني في الخفاء قد ولّى.

ميدانياً ماذا بعد دير الزور؟

مجريات الأمور توحي أن الأولوية هي استكمال السيطرة على الحدود الدولية. بعد الوصول إلى الحدود مع العراق شمالي التنف، يتجه الجيش لاستكمال السيطرة والوصول إلى معبر القائم الحدودي عند البوكمال. محور العمليات العسكرية في هذه المنطقة من ثلاث جهات. جنوب البوكمال حيث تتقدم القوات بمحاذاة الحدود، من منطقة حميمة جنوب شرق البوكمال، ومن دير الزور على الطريق الدولية. تحرير البوكمال يحقق للجيش السوري وحلفائه استكمال السيطرة على حوض الفرات، وإنهاء أي تواجد حقيقي لـ"داعش" في سوريا. كما تمنح الجيش السيطرة على الحدود مع العراق، وإعادة فتح الطريق الدولية، دمشق ــ بغداد. أي إعادة الترابط مع دول الجوار خاصة أن معبر نصيب الحدودي يتجه لأن يعود للدولة السورية.

الحدود مع الأردن ليست بأقل أهمية من البوكمال

يبدو واضحاً من أنّ طلب الموك من قوات أحمد العبدو وأسود الشرقية الانسحاب إلى الأردن، أن هذا الطلب يشير إلى تفاهم يقضي تسليم المنطقة للجيش السوري وحلفائه، في هذا الشأن بدأت قبل أسبوع من الآن، تنسيقيات المسلحين البحث عن مبررات للانسحاب. نقلت التنسيقيات عن قوات العبدو أنها تلقت تهديداً روسيا بأن الطيران الروسي سيحول المنطقة إلى جحيم إن لم ينسحبوا منها. التهديد الروسي إن صحّ بات ممكناً بعد رفع الغطاء الأميركي عن قوات العبدو ومسلحي أسود الشرقية، مع الإشارة أن فائض قوة المشاة لدى الجيش السوري وحلفائه تمكنه من حسم معركة التنف، من دون الحاجة إلى تكثيف غارات الطيران. ولعل هذا الأمر يثبت من خلال التقدم المتسارع للجيش على الحدود الأردنية في بادية السويداء وبادية ريف دمشق الجنوبي، وسيطرته على معظم المخافر الحدودية في المنطقة. ولعل حفاظ الجيش على وتيرة عمليات عسكرية ثابته في هذه المنطقة يحمل اشارة واضحة، بأن العمليات العسكرية ستتجه ما بعد البوكمال إلى الحدود مع الأردن، مالم تحسم المنطقة عبر المصالحات.

الشمال السوري وإدلب

في ظل الصراع الدائر بين الفصائل المسلحة في منطقة إدلب وريف حماة الشمالي إلى ريفي حلب الغربي والجنوبي، يتخذ الجيش السوري موقع المراقب. ما تزال إدلب تشهد اغتيالات متكررة لقادة جبهة النصرة، يضاف إليه تفجيرات تستهدف مقرات للنصرة في إدلب وريفها. المشهد يوحي بأن تصفية النصرة وإستنزافها بات هدفاً تركياً ودولياً، الأمر يمهد لتوجيه ضربة قاضية للنصرة، تمهيداً لدخول إدلب في نظام المصالحات لخروجها من دائرة الصراع. في هذه المنطقة يشكل المسلحون من أصول تركمانية حجر عثرة. فالمسلحون " الايغور، الأوزبك، التركمان، و القوقاز" ينتشرون بمحاذاة الحدود التركية في الريف الشمالي لإدلب، من سرمدا إلى دركوش و ريف جسر الشغور. كما ينتشر هؤلاء في الريف الغربي لحلب، في الحارة الشمالية لبلدة دارة عزة، وقرب قلعة سمعان في منطقة المداجن. المنطقة الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا فيها معسكرات تدريب لهؤلاء المسلحين، ويبلغ عددهم مع عوائلهم قرابة 50 ألف منهم 15 ألف مسلح. يبدو أن هؤلاء يتجهزون لمعركة قادمة في مكان آخر خارج سوريا، وانتشارهم في دارة عزة ومحيط قلعة سمعان يوحي أن تركيا ستستخدمهم ضد المسلحين الكرد، منعاً لإقامة منطقة تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية على الحدود مع تركيا.

في الشمال أيضاً المنطقة الممتدة من أعزاز إلى نبل والزهراء، هذه المنطقة تتجه إلى المصالحات، قبل أيام من كتابة المقال أعلن عن تسليم المنطقة للحليف الروسي وخرج من تل رفعت مسلحو قوات سوريا الديمقراطية، من منطقة تل رفعت ودير الجمال وكفرنايا ومنغ. هذا الإعلان وإن لم يطبّق كاملاً إلا أنه يعني الوصول إلى توافق يمهد لعودة الدولة السورية للمنطقة. أما منطقة عفرين الواقعة تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية فهي بحاجة لعودة الدولة السورية لسببين رئيسيين: الأول: الخطر التركي الذي يهدد باجتياح المنطقة إن بقيت تحت إدارة وحدات حماية الشعب الكردية. والثاني: أن المنطقة تعتبر محاصرة من كافة الجهات، وهي بحاجة للدولة السورية لاستمرارها.

في الشمال، يشكل الأميركي عامل الأمان للأكراد وقوات سوريا الديمقراطية في هذه المنطقة. الغطاء الأميركي يمنع أي اشتباك حالي بين الجيش السوري والأكراد، كما أن أولويات المعركة على الأرض السورية، يجعل من المعركة مع الأكراد في هذه المنطقة مؤجلة بحكم الأولويات، خاصة وأن المواطن السوري يمكنه الدخول والخروج إلى هذه المناطق، من دون منغصات حقيقية أو تهديد لحياته. كون هذه المنطقة في نهاية سلم الأولويات لا يعني أنها ستبقى خارجة عن سلطة الدولة. خاصة وأن الأكراد تمددوا في مناطق عربية ويحاولون تغيير ديمغرافية المنطقة. فالأكراد في شمال شرق سوريا يتواجدون في عين العرب ومنطقة القامشلي. أما الواقع فقد استغلوا الغطاء الأميركي وغض الطرف السوري بحكم أولويات المعركة، ليبحثوا عن فدرالية في مناطق ليس لهم تواجد لا تاريخي ولا آني فيها. يحاول الأكراد الاستفادة من الحماية الأميركية، متجاهلين كافة التحذيرات بأن الأميركي سيتخلى عنهم في ساعة ما، والتجربة تقول ذلك، فقد تخلى قبل شهر عن مسلحي منطقة التنف عندما اقتضى الأمر. أما عسكرياً فيدرك الكرد أنهم غير قادرين على مواجهة الدولة السورية والحلفاء، هذا إذا ما أهملنا الرغبة التركية بالقضاء عليهم بالكامل.

لا شك أن المعركة في سوريا تتجه إلى خواتيمها. ولكن مما لا شك فيه أيضاً أن النهاية ليست بين يوم وليلة. هذه المعركة ستحتاج على الأقل لسنة أخرى إن لم نقل سنتين. ولكن المهم في الأمر، يكمن بأن مشروع تقسيم سوريا بات من عداد الماضي. أما كيفية إدارة الدولة في مرحلة ما بعد الحرب، فهذا ما ستحدده العلمية السياسية عندما تجلس كافة الأطراف على الطاولة.

* رضا الباشا/ الميادين.نت

102-104