فطنة "قسد" وعمق رؤيتها؟!

فطنة
الأحد ١٧ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٤:٢٦ بتوقيت غرينتش

في خبر عاجل يتصدر القنوات الإخبارية، صيغته كالآتي "التحالف الدولي: غارة روسية أدت إلى إصابات في صفوف قوات سوريا الديمقراطية"، وإعلان التحالف هذا هو شكل التدخل الأقصى الذي تمارسه وستمارسه الولايات المتحدة لحماية أدواتها فيما يسمى "قسد"، ويجب أن يدرك هؤلاء بوجود تسليمٍ نهائيٍ بوحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، وكما يجب أن يعوا بشكلٍ ذكي قصد روبرت فورد حين قال "نحن-أمريكا- نتعامل مع الكرد بطريقةٍ غير أخلاقية".

العالم - مقالات

ولا تفسير لهذه الطريقة اللاأخلاقية سوى أنّ الولايات المتحدة تستخدمهم كأداةٍ تفاوضية، وتسير بهم نحو هاوية الاستغلال الأقصى، ولكن ذلك الوقت الذي تقرر فيه الدولة السورية بسط سيادتها على المناطق التي قاموا باحتلالها بدعمٍ وإغراءٍ أمريكي، فلن يجدوا لهم من نصير مهما علا صراخهم استنجادًا بأمريكا، وحينها كما عبّر فورد حرفيًا عن هذا الخذلان بأنّ الكرد سيقولون "يا خبر اسود"، ولكن يبدو أنّ "قسد" من الذكاء والفطنة بمكان حيث أنّها تتعامل مع فورد كشخصٍ غير ذي صفة، وأنّ ما يقوله لا يلزم الإدارة الأمريكية، ولا يؤثر على هيامها بجدائل المقاتلات الجميلات.

ولكن لا يمكن إنكار فطنتهم الحقيقية كونهم يدركون أنّهم البديل الأكثر جهوزية لـ"داعش"، وهم يحاولون ملء الفراغ الذي سيتركه "داعش"، واستدراك الفجوة التي سببها غيابه في جدار المشروع الأمريكي التقسيمي، ولكنه يغيب عن فطنتهم عدة أمورٍ مهمة منها على سبيل المثال، الأول هو عقلية الدولة السورية، التي ترفض بشكلٍ قاطع أيّ عبثٍ في الجغرافيا السورية لأسبابٍ وطنية وقومية ومصالح آنية ومستقبلية أبدية، والثاني هو الفشل الأمريكي في خلق دولةٍ ذات طابعٍ سني، وهي الكتلة الأكبر على مستوى العالم الإسلامي، رغم كل التجييش المذهبي والتحريض الطائفي، والدعم المالي والسياسي والإعلامي رسميًا وشعبيًا، فكيف باقتطاعٍ جغرافي على أسسٍ عرقية، وهذا ما سيجعل من السنة والشيعة عربًا لا أكثر، الثالث هو أنّ الجيش السوري ومحوره في حالة تقدم وفي مرحلة تعاظم القوة لا انحدارها، لذلك فإنّ الظرف الوحيد الذي يمكنهم من إعلان دولةٍ بشكلٍ مؤقت وليس دائمًا، هو حربٌ "إسرائيلية" بشكل مباشر، ينشغل فيها الجيش السوري وحلفاؤه على الجبهة الجنوبية، ولأنّه انشغالٌ مؤقت أيضًا ستكون الدولة الكردية المسروقة ولِدت ميتة.

ورد في البيان الذي أصدرته "قسد" العبارة التالية "في وقت تحقق فيه-قسد- انتصارات عظيمة ضد داعش في الرقة ودير الزور، ومع اقتراب الإرهاب من نهايته المحتومة، تحاول بعض الأطراف خلق العراقيل أمام تقدم قواتنا"، وهذه العبارة تحمل من الفطنة ما يقترب من حدود المثالية، فهي محاولة لإعادة انتاج الاسطوانة المهترئة لما كان يسمى بـ"المعارضة" السورية، والتي مفادها أنّ "النظام" السوري صانع "داعش" وحليفها، ولا أعرف لشدة ذكاء هذه العبارة وعمقها لمن يتم توجيهها، للشعب السوري أم للكرد أم لروسيا أم لإيران أم لتركيا أم للمجتمع الدولي أم للولايات المتحدة أم لمجلس الأمن أم لقناة الجزيرة أم لحكومة الصومال، وهذه العقلية التي تصيغ هكذا عبارات، التي ينطبق عليها المثل الشعبي "الله يعطيك الحج والناس راجعة"، لا يمكن لها إلّا أن تتعامى عن تصريحات فورد، ولا يمكن لها إلّا أن ترى الهيام الأمريكي بالجديلة الكردية، وهذا المنطق هو ما يفسر السعي المحموم نحو وهمٍ يسمى دولة، ومحاولاتٍ خرقاء لمحاكاة النموذج "الإسرائيلي" في إقامة كيانٍ في محيطٍ معادٍ، وهي محاكاة تقفز فوق الواقع والوقائع وتخلط الماضي بالحاضر، وأظنّ أنّ بشير الجميّل سعى لمحاكاة النموذج "الإسرائيلي"، فليَعد الإنفصاليون لقراءة سيرته مجددًا ونهايته تحديدًا.

ويبدو أنّ هذه العبارة هي سياسة معتمدة وليست مجرد صياغة ساذجة للبيان، فقد قال مدير المكتب الإعلامي لما يسمى بـ"قسد"، مصطفى بالي-وهنا لم أجد تجليًا للقول المأثور لكلٍ من اسمه نصيب كما وجدت مع هذا الـ"بالي"- إنّ نقل عناصر "داعش" من القلمون دليل واضح على التنسيق بين "النظام" وتنظيم "داعش"، وأنّه منذ انطلاق "الثورة" السورية قرر "النظام" محاربة الشعب السوري بالمتشددين، ولكن الـ"بالي" هذا لم يرَ تشددًا حقيقيًا بعد، فحين يصرّ على انعزاليته وانفصاليته سيرى التشدد الحقيقي، وسيعرف كيف يمارس الجيش السوري الشدة والتشدد في الدفاع عن أراضيه، فلا خيار أمامهم سوى تسليم أسلحتهم والمناطق التي سيطروا عليها للجيش السوري، وهذا هو الطريق الأقصر لنيل الحقوق، وإن كانوا يرون صعوبة معنوية في سلوك هذا الطريق لما يعنيه من ضياع فرصة الانفصال الذهبية، فهو الطريق الأسلم ماديًا وواقعيًا لما سيجنوه من شكر أنسالهم وأجيالهم لا لعناتهم.

ايهاب زكي - بيروت برس

109-2