زعامة الرجل الواحد: "البيت الكردي" يُرتَّب من جديد

زعامة الرجل الواحد:
الأربعاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١٧ - ٠٤:٤٥ بتوقيت غرينتش

رغم أهمية ما ستحمله الأيام الآتية ومحوريته، لناحية طبيعة العلاقة بين بغداد وأربيل، من المهم الإشارة إلى أنّ هذا الاستفتاء أدخل تبدلات على المشهد السياسي الداخلي لمنطقة كردستان العراق وعلى خريطة نفوذ الأحزاب والقوى فيه، وخاصة على زعامة برزاني.

العالم - مقالات وتحليلات

أحد الأكاديميين الغربيين كان يعلّق في عام 2011 على بعضٍ من جوانب الأحداث في سوريا، بالقول: «لا يزال الشرق الأوسط يعيش تحت وطأة تداعيات الحرب العالمية الأولى. في هذه المنطقة من العالم، هذه الحرب لم تنتهِ»، في إشارة إلى أنّ الخريطة السياسية للحدود رسمت في الأساس بعد تلك الحرب.

هذه الفرضية تتوافق ومجمل أحاديث رئيس كردستان العراق مسعود برزاني، حين كان يدعو منذ انطلاق «الحرب على داعش» في 2014، إلى «إعادة رسم الحدود في المنطقة». لكن برزاني لم يكن يستند في دعواته تلك إلى «مبدأ ضرورة إعادة النظر في الحدود»، إذ إنّ كردستان العراق وأطرافه الفاعلين، وبخلاف القوى الكردية في الدول الأخرى، راكموا على مدى العقود الماضية، وتحديداً منذ عام الغزو الأميركي ــ البريطاني في 2003، أدوات قوة ونفوذ سمحت بالوصول إلى «لحظة الاستفتاء» المفصلية.

بمعنى آخر، إنّ «استفتاء 25 أيلول» الذي قد يُنظر إليه على أنّه «يفتح مرحلة ما بعد داعش في الشرق الأوسط»، لم يُنظَّم في «غفلة من التاريخ»، بل كانت كل أسبابه قد تراكمت، بما فيها الدعم السياسي (المعلن منه والباطن).

مسار الاستفتاء... «أتقنه» برزاني

في ظل غياب الزعيم السياسي جلال طالباني، عن المشهد السياسي، بسبب مرضه، نجح مسعود برزاني في فرض شعار عام في كردستان العراق: «لا صوت يعلو فوق صوت الاستفتاء»، يقول سياسي كردي في حديثه إلى «الأخبار»، معقباً أيضاً بأنّه «لو كان مام جلال حاضراً بكل ثقله في المشهد العام، لما جرى الاستفتاء بهذا الشكل، خاصة أنّ تحفظات مجمل الأطراف الكردية كانت تصب في خانة انتقاد تجيير هذا الحدث لمصلحة طرف واحد».

إلا أنّ برزاني أجاد الاستفادة من قرب «انتهاء الحرب على داعش» عقب استعادة الموصل، ومن الأوضاع الداخلية لكردستان العراق، ليطرح مشروع الاستفتاء (غير الملزم قانونياً) على استقلال كردستان العراق، وهي المسألة «التي لا يمكن أي كردي رفضها من حيث المبدأ»، يقول السياسي الكردي.

وفي المفاوضات التي قادها منذ شهر حزيران مع الأطراف الداخلية في كردستان العراق، فإنّه استفاد من ورقة تعطّل مؤسسات كردستان العراق (البرلمان مغلق، ورئاسته التي انتهت مدتها)، ليقود كل المتحفظين الاستفتاء نحو الموافقة على إجرائه.

الصحافي التركي محمود بوزرسلان، يرى في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الاستفتاء مثّل ورقة اختبار للأحزاب الكردية، فالحزب الديموقراطي الكردستاني (بزعامة) برزاني، كان قد فقد من شعبيته في المجتمع لأسباب عدّة، وذلك في وقت أنّ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة جلال طالباني)، كان بحكم الأمر الواقع منقسماً على نفسه»، في إشارة إلى المصاعب التي يعانيها هذا الحزب في ظل مرض زعيمه. (الصحافي المتخصص في شؤون كردستان العراق سمان نوح، رأى قبل أيام، أنّ الخلافات داخل هذا الحزب أدت إلى واقع أنّ «الاتحاد الوطني، لم يعد اتحاداً»).

يكمل بوزرسلان، شارحاً أنّه من ضمن ذلك المشهد «كانت قوة حركة التغيير (غوران) وشعبيتها تتناميان، فيما أصبحت الأحزاب الدينية في بعض الأماكن (في كردستان العراق) قوية». إلا أنّ الصحافي التركي المقيم في دياربكر يستدرك بالقول إنّ «إصرار برزاني على الاستفتاء غيّر هذا (المشهد)، خاصة بعد عودة عمل برلمان كردستان العراق وتشريعه الاستفتاء (في 16 الشهر الجاري)... وهذا ما أفقد بقية الأحزاب حججها» التي كانت ترفعها للتحفظ على توقيت الاستفتاء.

«وقف (حزب) جلال طالباني مع برزاني ونسي أكراد العراق كل لاأخلاقيات الحزب الديموقراطي وزعيمه برزاني، (وهذا ما أدى) إلى أن يصبح هذان الحزبان أكثر قوة الآن بعد الاستفتاء»، يقول بوزرسلان، الذي يضيف أنّ «حزب التغيير والاتحاد الإسلامي قررا التصويت بنعم على الاستفتاء عشية إقامته، إلا أنّ ذلك لم يكن كافياً كي لا يخسروا قوتهم»، خاصة أنّ «حزب التغيير» كان قد فقد زعيمه المؤسس نوشيروان مصطفى، في شهر أيار الماضي، وهو الحدث الذي أضعف الحزب.

انجرار الجميع خلف مشروع برزاني «الذي ما كان ليقوم لولا دعم سياسي خفي»، كما يعتبر السياسي الكردي، أنتج ارتفاعاً في نسب المشاركة في الاستحقاق، وذلك حتى في السليمانية ــ معقل طالباني. (من المهم الإشارة هنا إلى أنّ الاتحاد «الإسلامي» ــ الإخواني والقريب بحكم الواقع من السلطات التركية ــ شارك مؤيداً. ولئن يندرج تأييده في سياق انجراره خلف الأمر الواقع الذي فرضه برزاني، فإنّ هناك أطرافاً تفسّر تأييده المتأخر للاستفتاء بفرضية تقول إنّ ذلك يعكس توافقات خفية توصلت إليها أنقرة مع برزاني في اللحظات الأخيرة).

هذا المسار الذي يشير إلى حنكة برزاني السياسية، دعّمته قوة عسكرية (البشمركة)، ما سهّل عليه التشبث بخياره. الضابط الرائد في قوات «البشمركة» إسلام جالي، يؤكد هذا الأمر في حديثه إلى «الأخبار»، مشيراً إلى دعم قوة تشمل «أكثر من ٢٣٠ ألف مقاتل من البشمركة بكامل أسلحتها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، ما عدا الطائرات».

يقول جالي: «لدينا سلطة مطلقة على كل كردستان العراق، بما فيها المناطق المتنازع عليها وفق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي، وقد أُجري الاستفتاء في كل هذه المناطق على الرغم من تهديدات الحشد الشعبي والحكومة العراقية»، مضيفاً أنّ «البشمركة قاتلت داعش وكسرت هيبة داعش بدعم من التحالف الدولي، ومن غير المعقول أن يسمح التحالف الدولي بالاعتداء على البشمركة من جهة، ومن جهة ثانية باستطاعة قوات البشمركة رد أي هجوم محتمل من قبل القوات الأمنية العراقية، وذلك لعدة اسباب أهمها: أننا في وضع الدفاع... إضافة إلى عنصر الإرادة والمعنويات باعتبار أنّ هذه المناطق مناطق كردية».

نفوذ في المناطق المتنازع عليها؟

مشروع برزاني القائم على مسار سياسي وقوة عسكرية (ودعم سياسي خارجي غير واضح بعد)، طاول أيضاً «المناطق المتنازع عليها مع بغداد»، إضافة إلى المناطق التي سيطرت عليها «البشمركة» على مدار فصول «الحرب ضد داعش». وعن هذه المسألة، يشرح الصحافي المختص في شؤون كردستان العراق سمان نوح، أنّ «معظم سكان سهل نينوى ومنطقة سنجار لم يعودوا إلى مناطقهم بعد بسبب ضعف أو انعدام الخدمات فيها، وبالتالي لا رؤية ولا موقف واضحاً لأهالي تلك المناطق بشأن الاستفتاء»، مضيفاً أنه «بالعموم، تفاعلُ النازحين ضعيف مع هذه المسائل (استفتاءات وانتخابات) في ظل مخاوفهم من أن تكون خلافات حكومتي أربيل وبغداد سبباً في اشتعال الصراعات في مناطقهم».

ويستطرد نوح قائلاً: «أبدت الحركة الديموقراطية الاشورية التي تعدُّ أكبر الأحزاب المسيحية معارضتها للاستفتاء في سهل نينوى، ويؤديها الكثير من المسيحيين. (لكنْ) هناك مسيحيون أيدوا الاستفتاء عن قناعة بأن مستقبلهم سيكون أفضل مع القيادة الكردية، وآخرون أيدوه علناً تحت تأثير المخاوف أو المصالح بحكم وجودهم في مناطق يسيطر عليها الكرد عملياً».

أما في ما يخص كركوك، التي تعدُّ أكثر المناطق المتنازع عليها رمزية وأهمية، فيوضح الصحافي المختص في شؤون كردستان العراق أنّ «الأمر أكثر تعقيداً (مقارنة بسهل نينوى)، بسبب التداخلات الإقليمية والأهمية الاقتصادية للمنطقة». ويقول: «قررت الجبهة التركمانية (الجهة الأكثر تمثيلاً للتركمان) ومعظم القوى العربية، المقاطعة، وبغياب مراقبين دوليين ومحايدين لا يُعرف حجم مشاركة التركمان فعلياً في العملية، فيما من البديهي مقاطعة المواطنين العرب، خاصة أنّ معظم مناطق انتشارهم في محاظفة كركوك لم يشملها الاستفتاء، وهي لا تزال تخضع لسيطرة تنظيم داعش».

«الجميع سينتظر خطوات ما بعد الانفصال: فهل يمضي الكرد بحماسة نحو الانفصال؟ أم أنهم سيخوضون لسنوات حوارات مع بغداد؟»، يتساءل سمان نوح، مضيفاً أنّ «طبيعة تداعيات كلا الاحتمالين ونجاح أي من طرفي الصراع في فرض إرادته في تلك المناطق ستجبر المكونات الصغيرة للاستسلام لها وتقبلها والتعامل معها، مع حقيقة أنّ المكونات الصغيرة لا تؤمن، بحكم التجربة، بأنّ أياً من طرفي الصراع مستعد لبناء نظام ديموقراطي مدني يحفظ حقوق المكونات فعلياً ويؤمّن شراكتها، لا على الورق، من خلال دولة مواطنة، وليس دولة مذهبية ولا دولة قومية».

الزعيم الجديد؟

أثناء اليوم الطويل الذي شهده كردستان العراق أول من أمس، كان لافتاً استخدام عبارة «العراق الشقيق» أثناء توجه كردي بدعوة لإجراء استفتاءات مماثلة في «الجمهورية السابقة»، غامزاً من قناة «العرب السنّة». من الناحية النظرية، لا قيمة لعبارة كهذه إلا من باب أنّها توضح الزاوية التي بات يُنظر «كُردياً» من خلالها إلى العراق: «دولة شقيقة»!.

من الجهة المقابلة، قد تسأل عراقياً عن نظرته إلى برزاني، فيجيب قائلاً: «بالنسبة إلي، إنّ برزاني هو الزعيم السياسي الوحيد الذي عرف ماذا يريد في العراق، ووضع خطة لتحويل هذه الإرادة إلى واقع... عندما أقيسه بزعمائنا الآخرين، أخجل من كوني عربياً، وهذا قطعاً بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه».

هاتان النظرتان تدفعان نحو طرح أسئلة عن حجم زعامة برزاني بعد الاستفتاء ونفوذها، فهل يكون «رجل الأكراد الجديد»، خاصة في ظل غياب جلال طالباني وعبدالله أوجلان عن المشهد؟ «قطعاً إنّه يستفيد من هذا الواقع، خاصة بعدما لعب لعبة الاستفتاء بحذاقة، وبالتالي إنّ وضعه سيتطور بصرف النظر عن الموقف الشخصي منه... لكن لا أعتقد أنه يجب تعميم واقع الزعامة الجديدة على صعيد المنطقة ككل»، يجيب السياسي الكردي.

«العمّال الكردستاني»: الغموض سيّد الموقف

قد يؤثر نجاح مشروع مسعود برزاني، (حتى يومنا) في ريادة «حزب العمال الكردستاني» ضمن «البيت الكردي»، الذي بات البعض من «الحلفاء غير الأكراد» يخشون من أنه «نقل البندقية من كتف إلى أخرى». لا بد من الانتظار «للحكم»، لكن عند سؤال سمان نوح عن «طبيعة تفاعل مناصري حزب العمال مع الاستفتاء»، يجيب بأنّ «حزب العمال رحّب عملياً بالاستفتاء وسيرحب بالانفصال أكثر لأنه يأمل أن يوفر ساحة أكبر لتحركاتهم ونشاطاتهم التي برزت في شمال سوريا في السنوات الأخيرة... إلى حد أنه أصبح الحاكم الفعلي في المنطقة عبر حزب الاتحاد الديموقراطي المتناغم فكرياً وعقائدياً وتنظيمياً معه»، قبل أن يختم بأنّ «الحزب سيستفيد عملياً من أي فوضى وصراعات قد تحصل في المنطقة لتقوية نفوذه».

محمود مروة - الاخبار

2-4