" العجز المالي والتمدد العسكري يقودان أميركا إلى الهاوية"

الثلاثاء ١٦ مارس ٢٠١٠ - ٠١:١٩ بتوقيت غرينتش

قد تنهار إحدى الإمبراطوريات العالمية بصورة مفاجئة وسريعة، وبشكل لا يتصوره أحد من المؤرخين. وبالنسبة للولايات المتحدة هناك مجموعة من المشكلات التي تواجه الرئيس الحالي باراك أوباما، والتي تشمل العجز المالي، والتمدد العسكري المبالغ فيه، التي تفترض بأنها ستكون الإمبراطورية التالية التي ستترنح على شفير الهاوية، قبل أن تسقط.


وخير مثال على دورة حياة القوى العظمى سلسلة من خمس لوحات تحمل عنوان «مسار إمبراطورية»، رسمها الفنان الأميركي توماس كول، الذي يعتبر أحد رواد لوحات المناظر الطبيعية الأميركية في القرن التاسع عشر. وفي هذه اللوحات يصور كول بصورة رائعة نظرية صعود وأفول الإمبراطوريات.وفي عصرنا الحديث، غالباً ما يتم إبراز التحدي الاقتصادي الذي يواجه الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، على شكل تهديدات على المدى الطويل. فالذي يدفع لإغراق العمليات المالية الخاصة بالتمويل العام هناك، بصورة أعمق، هو الزحف السكاني البطيء، الذي تزيد نسبة المتقاعدين فيه على نسبة العاملين، وليس السبب السياسة الحالية المتبعة هناك.


ويتوقع السيناريو المالي البديل الذي قدمه مكتب الميزانيات التابع للكونغرس، والذي يأخذ في الحسبان التغيرات المحتملة في السياسة الحكومية، ارتفاع الديون الأميركية العامة من نسبة 44% قبيل الأزمة المالية، إلى نسبة مذهلة تبلغ 716% بحلول العام 2080.

استمرار السياساتوفي السيناريو الأساسي الموسع الذي قدمه مكتب الميزانيات، الذي يفترض استمرار السياسات المالية الحالية، فإن النسبة ستقارب 280%.ويصعب تحديد النسبة الصحيحة منهما. والسؤال المطروح هو: هل يوجد أي عضو في الكونغرس يرغب في خفض المستحقات المالية، أو زيادة الضرائب، لتجنب أزمة لن تبلغ ذروتها إلا بعد فترة طويلة، أي عندما يبلغ أطفال اليوم سن التقاعد؟

وبالمثل، عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد العالمي، يبدو أن عجلة التاريخ تتحرك ببطء، تماماً كطاحونة المياه في أوج الصيف.وتفترض بعض التقديرات أن الناتج المحلي الإجمالي للصين سيتجاوز نظيره الأميركي بحلول عام 2027، وتشير تقديرات أخرى إلى أن ذلك لن يحدث قبل عام 2040.وبحلول عام 2050، يفترض أن يلحق اقتصاد الهند بالاقتصاد الأميركي، أيضا. ولكن بالنسبة لكثير من المحللين فإن هذه التغيرات الكبرى في توازن القوى الاقتصادية تبدو بعيدة المنال كثيرا، بالمقارنة مع الإطار الزمني القصير لنشر القوات الأميركية في أفغانستان، ومن ثم سحبها منها، حيث تعد الوحدات الحسابية بالأشهر، وليس بالسنوات، ناهيك عن العقود.

ومع ذلك، قد يخطئ هذا الإطار التصوري الكامل، في الواقع. فالتمثيل الفني للرسام كول، الذي يبرز ميلاد إمبراطورية، ثم نموها وازدهارها، وأفولها في نهاية المطاف، يعتبر تمثيلا خاطئا للعملية التاريخية.

ما الذي يحدث لو لم يسير التاريخ بصورة دائرية، بل تعاقبت أحداثه بوتيرة سريعة وغير منتظمة؟ وتكون أحداثه ثابتة في بعض الأحيان، لكنها قادرة على التسارع بصورة مفاجئة، تماماً كسيارة السباق؟ وما الذي يحدث لو لم يقع الانهيار عبر عدد من القرون، وإنما أتى فجأة، وبدون مقدمات، كاللص الذي يظهر في الليل؟

أود الافتراض أن القوى والإمبراطوريات العظمى هي عبارة عن أنظمة معقدة، مؤلفة من عدد كبير من المكونات المنتظمة بصورة متماثلة. وهذا يعني أن بنيتها أشبه بتل النمل الأبيض وليس بالهرم المصري.

وهي تعمل بصورة تقع بين العمل المنظم وغير المنظم، أي عند حافة الفوضى، بحسب تعبير عالم الكمبيوتر الأميركي كريستوفر لانغتون. ويمكن لمثل هذه الأنظمة أن تعمل بصورة ثابتة تماماً في بعض الأوقات، وتبدو في حالة توازن، وتتكيف مع الواقع باستمرار.

غير أنه قد تأتي لحظة يصبح فيها وضع هذه الأنظمة حرجا. فأي حافز بسيط قد يحول الوضع الانتقالي لنقطة التوازن الهادئة إلى نقطة التأزم، فحفنة من الرمال قد تسبب انهيار كومة كاملة منه، أو قد ترفرف فراشة بجناحيها في غابات الأمازون، وتسبب هبوب إعصار في جنوب شرق إنجلترا!

بعد حدوث الأزمة المالية العالمية بوقت قصير، وصل المؤرخون إلى مسرح الأحداث.

وهم عبارة عن مفكرين اختصاصيين بدراسة الأحداث غير المتوقعة، كنشوب الحروب، والثورات، وحدوث الأزمات المالية، وانهيار الإمبراطوريات. غير أن المؤرخين غالباً ما يسيئون فهم التعقيد خلال محاولتهم تفسير الأحداث. ويتم تدريبهم على تفسير الكوارث بأسباب على المدى الطويل، غالباً ما يعود تاريخها إلى عقود سابقة.

وأكثر ما يهمنا في هذا الشأن أنه في تلك الأنظمة المعقدة، فإن أقل صدمة قد تسبب إخلالا غير متكافئ، ربما يكون فادحا. وكما يشير الخبراء، فإنه بحلول العام 2007، نما الاقتصاد العالمي بدرجة كبيرة، وأصبح شبيها بشبكة كهربائية مفرطة المثالية.

وأدى العجز في الرهونات العقارية الثانوية إلى تدافع مالي صغير نسبياً في الولايات المتحدة، أفقد الاقتصاد العالمي بأكمله اتزانه المالي. وهذا التطور هدد لوهلة قصيرة بحدوث انهيار كامل في التجار