إدلب بين التسوية والمواجهة..

إدلب بين التسوية والمواجهة..
الثلاثاء ١٠ أكتوبر ٢٠١٧ - ٠٦:٣٤ بتوقيت غرينتش

كما هو شائع ومتفق عليه، فإنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، فعلى مستوى العناوين يمكن اعتبار ما صدر عن اجتماع استانة 6 ايجابيًا لجهة تثبيت منطقة خفض تصعيد رابعة في منطقة ادلب.

العالم - مقالات

 وهي تتجاوز في الجغرافيا حدود محافظة ادلب لتشمل اجزاءً من محافظة اللاذقية في الريف الشمالي الشرقي واجزاء من ريف حلب الغربي واجزاء من ريف حماه الشمالي، وغالبية هذه المناطق تقع تحت سيطرة “جبهة النصرة” – تنظيم القاعدة في بلاد الشام بمسمياتها المتدحرجة التي لم تتلاءم حتى اللحظة مع كل التصنيفات الصادرة عن الجهات المختلفة، بما فيها اميركا والأمم المتحدة أقلّه في الشكل.

بالعودة الى أبرز ما جاء في اتفاق استانة 6، فإنّ البيان الصادر عن الدول الضامنة الثلاث روسيا وايران وتركيا حدّد مجموعة من الإجراءات ترتبط بنشر قوات مراقبة يمكن ان تتحول الى قوات ردع في حال تطورت الأمور الى اشتباكات محتملة مع القوى المنتشرة في منطقة خفض التصعيد الرابعة وعلى رأسها جبهة النصرة، لكننا حتى اللحظة نشهد مجرد عمليات استطلاع وعمليات استخبارية تقوم بها القوات التركية يمكن القول انها تندرج في صلب الإتفاق ولا تخرج عنه، فما صدر عن اجتماع استانة الأخير يدخل ضمن توزيع المهام التي تم الإتفاق عليها، ولكنه في كل الأحوال في حال تم الوصول الى تنفيذ مضمون الإتفاق فإنّ مسار الحرب على سوريا سيأخد اتجاهًا مختلفًا نحو رسم بداية نهاية الحرب.

حتى اللحظة لا يمكن الكلام عن رابحين وخاسرين بالمعنى النهائي، سوى ان تركيا التي ارتضت ان تنفذ مجموعة من الإستدارات منذ ما بعد تحرير الجيش السوري للأحياء الشرقية في مدينة حلب تحاول تحقيق مكاسب لم تحصل عليها طيلة فترة الحرب، حيث انخفض حجم الطموحات التركية من مستوى صلاة اردوغان في الجامع الأموي كفاتح ومنتصر الى مستوى معالجة الهواجس المرتبطة بالمخاطر التي يمكن ان تصيب تركيا من القوات الكردية التي تصنفها تركيا جماعات ارهابية.

من المؤكد أنّ العملية التي نفذتها وحدة عسكرية تركية لجهة التمركز جنوب منطقة عفرين بمواكبة من “جبهة النصرة” تشيرالى مجموعة من المسائل تحتاج الى اجوبة واضحة، حيث يندرج الأمر في سياق اجراءات تم التوافق عليها هدفها تطويق منطقة عفرين بما يمنع أي تمدد للقوات الكردية المدعومة من الأميركيين باتجاه ادلب بحجة محاربة جبهة النصرة، وهو ما يبرره الأتراك بمنع الأكراد من التوسع نحو البحر لإيجاد منفذ بحري لمنطقة “روج آفا” في الأراضي السورية التي يأمل الأكراد أن تكون مستقبلًا جزءًا من كردستان العظمى.

في العنوان الرئيسي عندما يعلن اردوغان ذلك ويقوم بتنفيذه فهو ضمنًا يتلاءم مع مصلحة الدولة السورية في كبح جماح القوات الكردية، ويمكن ان يؤسس لحالة اشتباك مع “جبهة النصرة” يتولاها الأتراك في المرحلة القادمة بدعم جوي روسي، وهو امر قد يطول بعض الشيء حتى تصل الأمور الى هذا المستوى.

النجاحات الكبرى التي ترتبط باتفاقات استانة تمكّن الجانب الروسي من دفع الأمور بين الدولة السورية وفصائل مختلفة من الجماعات المسلحة نحو التهدئة في ثلاث مناطق تبدأ من الجنوب السوري وتمر بالغوطة الشرقية وتصل الى شمال حمص، وهو ما اتاح للجيش السوري حصر مساحة الإشتباك والتمكن من حشد القوى والوسائط وتحقيق انتصارات كبيرة غيّرت مسار الحرب وتوشك على تحقيق الهزيمة العسكرية بتنظيم “داعش” الإرهابي، حيث تسير العمليات في دير الزور والميادين بوتيرة مقبولة ستنتهي بتحرير كامل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” الإرهابي.

مقابل الوضع التركي المتوتر والناتج عما سبق ذكره، سيبقى لأكراد منطقة عفرين منفذ وحيد عبر شمال حلب مع الدولة السورية سيتيح لأجهزة ومؤسسات الدولة السورية التحكم بالكثير من القضايا، اضافة الى ان المعابر المرتبطة بحركة التجارة والبضائع بما فيها المنتوجات الزراعية والنفطية في مناطق الحسكة والقامشلي تمر الى كافة المناطق السورية عبر معابر يسيطر عليها الجيش السوري، وما الإشارة الى ذلك سوى للدلالة على أنّ الدولة السورية نجحت في ادارة البعد الإستراتيجي للصراع عبر تحديد التناقض الرئيسي مع اميركا وادواتها الإرهابية واعتبار الصراع مع الأكراد صراعًا جانبيًا يتم تأجيل حسمه الى ما بعد انتهاء الحرب، خصوصًا ان الإنفصاليين الأكراد لن يتمكنوا من الإستمرار في مصادرة القرار الكردي.

بالنظر الى ما تقدم، فإنّ دخول القوات التركية بمواكبة النصرة الى مناطق الشريط الجنوبي لمنطقة عفرين وحصر انتشارها في غرب ادلب والعمل على نشر قوات روسية في ريف حلب الشمالي، كل ذلك سيكون بمثابة ترتيب لمقدمات حل سيكون السعي له مرتكزًا على البعد السياسي، وإلّا فإنّ الأمور ستتجه الى مواجهة كبيرة ستكون مزيجًا من اقتتال داخلي وعمليات من خارج ادلب لإقتلاع النصرة نهائيًا.

وحتى حسم التفاصيل الإجرائية في أستانة 7، سيستمر الجيش السوري في عملياته بمواجهة تنظيم “داعش” وسيتم تفعيل انتشاره شرق الفرات وسيتم تعزيز جبهة ريف حماه حتى تحين ساعة الإنقضاض على “جبهة النصرة”، وهو أمر قد يستلزم بعض الوقت ليتحقق ويتحول الى واقع لكنه في كل الأحوال سيكون مكلفًا على تركيا وجيشها والقوات المدعومة منها في حال حصلت المواجهة بين “النصرة” وتركيا في المرحلة القادمة.

عمر معربوني / بيروت برس

109-4