حفلة تنكر جماعية من "الأصدقاء والأشقاء" للأردن وتغييب متقصد عن "عرس المصالحة"

حفلة تنكر جماعية من
الثلاثاء ١٧ أكتوبر ٢٠١٧ - ٠٣:٢٩ بتوقيت غرينتش

لا يبدو التركيز في الخطاب الرسمي الأردني على الملف الاقتصادي المحلي في الأسابيع القليلة الماضية تعبيراً مباشراً عن الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد، بقدر ما يمكن اعتباره مؤشراً حيوياً على الإقصاء الممنهج الذي تتعرض له المملكة من الأصدقاء قبل الأشقاء.

العالم - الاردن

الحكومة وهي تكثف الخطاب في دعوة الأردنيين للصبر والاحتمال عشية خطة ضريبية قاسية تتجنب الإقرار بأن هوامش المناورة والمبادرة أصبحت فجأة وبسرعة غامضة وضعيفة جداً أو نادرة على مستوى إدارة الدبلوماسية الخارجية والعلاقات الدولية والإقليمية.


هذه العلاقات كانت دوماً رديفاً لمساندة الأردن عبر ديمومة سياسة التمحور ضمن دور إقليمي يغيب تماماً اليوم عن الواجهة لينتج أزمة اقتصادية، ليس سراً اليوم أن المخاوف متكررة من إمكانية انعكاسها على الشارع والواقع الاجتماعي. يضعف الدور الإقليمي الأردني ضمن سياسة المحاور بشكل واضح، لم يعد من المفيد إنكاره برغم كل الضجيج الذي يثيره الخطاب الاستهلاكي مرة بعنوان الصبر والاحتمال، ومرة بعنوان الادّعاء بأن الملفات الأساسية في المنطقة من الصعب تخيل عبورها وحلولها من دون الأردن أو عبره، وهي النغمة التي كان يرددها دوماً على مسامع "القدس العربي" وزير الداخلية الأسبق عضو البرلمان حالياً مازن القاضي.


في مقاربات الحكومة تحديداً وحسب الناطق باسمها الدكتور محمد المومني، من الطبيعي التذكير بأن المصالح الحيوية الأردنية لا يمكن تجاهلها أو إنكارها من قبل اللاعبين الأساسيين في المنطقة جميعهم. وما يلمسه ويقوله الشارع ونخبه بالمقابل بأن مثل هذه الثقة بشبكة الحلفاء والشركاء والأصدقاء يبدو أنها لا تنعكس وقائع وحقائق رقمية على ميزانية الدولة. وهو ما لاحظه الوزير البرلماني الحزبي المناكف مرحلياً أمجد المجالي عندما وازن في بيان شهير له السياسة الخارجية والدبلوماسية تحديداً لبلاده بالطائر الهولندي الذي يترنح في السماء.

المجالي؛ في شروح موازية لموقفه يؤشر إلى نقطة الضعف في الأداء، والمراقبون المحايدون يرون أن الطواقم التي تدير السياسة الأردنية تخفق في التقاط حتى تلك المنجزات التي تحققها في العالم والمجتمع اختراقات المؤسسة المَلِكِية. بكل حال يمكن التحدث عن عنصرين أساسيين في تراجع وانحسار الدور الإقليمي الأردني؛ أولهما ذاتي وموضوعي، يرتبط بغياب طبقة رجال الدولة وعدم وجود ردود فعل تلقائية وذكية عند أطقم العمل الموجودة، وافتقار المسؤولين حالياً لمهارة التفاوض، وهو ما أشار إليه وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر عندما مارس الحنين في ندوة علنية للمطبخ السياسي الذي كان يؤسس لحالة تشاور مع طاقم من المثقفين والسياسيين ورجال الدولة، وليس مع شريحة من الموظفين التنفيذيين كما يحصل الآن. فرق الظل والنخب التي أتيحت لها فرصة التمثيل أصبحت بالنتيجة عنواناً مستقراً لأزمة الأدوات في البلاد، وبالتالي خريطة النخبة التي تدير الأمور اليوم جزء من المشكلة التي تعاني منها المصالح الحيوية الإقليمية ولا يمكنها أن تكون جزءاً من الحل. السبب الثاني لا علاقة له بالذات الوطنية، بقدر ما له علاقة بحفلة التنكر المباغتة والجماعية للمصالح الأردنية، فالسعودية وهي الحليف العربي الأهم أوقفت برنامجها الاستثماري في الأردن وتوقفت مساعداتها.. كذلك فعلت دولة صديقة مثل الإمارات. ومصر لم تظهر أي حرص على التشاور العميق مع الأردن في ملف المصالحة الفلسطينية، حتى أن مسؤولين في الدولة الأردنية يتحدثون همساً عن عدم دعوة بلادهم لحضور الزفاف السياسي الجديد في قطاع غزة، بين حركة حماس وفتح برعاية المنظومة الأمنية المصرية. الأمريكيون وهم أخطر وأهم الحلفاء وبعد إلحاح شديد تبين الوقائع أن مساعداتهم المالية المباشرة لا تزيد على 350 مليون دولار حسب مسؤول بارز تحدث في الموضوع أمام موقع القدس العربي وبعد إلحاح شديد أبلغ الأردنيين من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب أن حصتهم في المساعدات سوف تزيد بنسبة قليلة لكنها تبقى دون المطلوب وإن كانت لم توقع بعد.
يسأل سياسيون كبار بصيغ متباينة عن أسباب سياسة إبقاء الأردن على الحافة من جهة الراعي الأمريكي. إسرائيل وبالمدلول الجوهري العميق تحولت فجأة أيضاً من شريك مضمون للسلام وله دور إيجابي إلى خصم للمصالح الأردنية يشاغب ويناكف عليها ويقيم مؤتمرات ليكودية بعنوان إقامة الدولة الفلسطينية في الأردن.
وإسرائيل انقلبت على المؤسسة الأردنية بوضوح وتحولت من جهة كانت علاقات التحالف مأمونة ومضمونة مع عمقها إلى جهة غامضة تثير الشك والارتياب، وقد تملك أدوات العبث في الأردن الداخلي وهي مسألة لم تكن تُطرح في الماضي.
في الملف السوري لا يختلف الأمر كثيراً، فحتى الراعي الروسي لترتيبات تخفيض التوتر ترك الأردنيين في حالة ارتباك مرات عدة، وكل ما قيل عن إعادة تشغيل معبر نصيب لتنشيط التجارة الأردنية تم تأجيله، فيما تحولت العلاقة مع روسيا عندما يتعلق الأمر بملف جنوب سوريا إلى عبء يومي حقيقي، ليس على المنظومة الأمنية الأردنية فقط، ولكن على تحالفات وشبكة أصدقاء الأردن في معادلة الجنوب السوري، وهو أمر أقر مسؤولون كبار خلف الستارة من بينهم رئيس الديوان الملِكِي حاليا الدكتور فايز الطراونة بأنه مربك فعلا وينتج التشويش.

بسام البدارين