ماهي أهداف دمشق من منح إدارة ذاتية لأكرادها؟

 ماهي أهداف دمشق من منح إدارة ذاتية لأكرادها؟
الجمعة ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧ - ١٠:٥٨ بتوقيت غرينتش

يعتبر الأكراد السوريون الآن من أكثر القوى تأثيرا على مجريات الحرب في سوريا، حيث يطبقون منذ مارس 2016 نظاما فيدراليا لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

وفي ذلك السياق، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في تصريح سابق له، إنه إذا كانت رغبة اكراد سوريا هي ان يكون لهم ادارة ذاتية داخل حدود هذا البلد، فمن الممكن التفاوض حول هذه القضية والتحاور بشأنها.

ان هكذا موقف من مسؤول سوري رسمي تجاه الأكراد يحظى بأهمية جادة لأنه يبدي مرونة كبيرة من جانب الحكومة المركزية في دمشق، التي قد حافظت على وحدة البلاد وسيادتها بشتى الوسائل والطرق المتاحة وذلك في السنين التي كانت الازمات والحروب الداخلية تعصف بالبلاد. ومع ذلك، فقد تكتسب تصريحات المعلم اهمية خاصة لأنها جاءت من موقف حكومي رسمي، فتح فيها ابواب التفاوض بشأن الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا، وهناك العديد من العوامل الهامة التي ستبرر دوافع دمشق للتماشي مع الأكراد نسبيا. ويمكن دراسة هذه الدوافع في ثلاثة أبعاد.

دوافع دمشق الداخلية لفتح خط التفاوض مع الأكراد

لعب الأكراد السوريون دورا هاما خلال الأزمة السورية وفي مكافحة تنظيم داعش الارهابي والجماعات التكفيرية. وأدت مقاومتهم في كوباني ومناطق أخرى، بالإضافة إلى تصدرهم على عناوين الصحف والأخبار، إلى كسب دعم دولي للأكراد السوريين. وفي الوقت نفسه، حققت وحدات حماية الشعب والمعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، تقدما كبيرا في مواجهة تنظيم داعش، وتمكنت مؤخرا من السيطرة على الرقة وآبار النفط في دير الزور وطرد داعش من هذه المناطق، والتي تحققت في نفس الوقت الذي كان فيه الجيش السوري يخوض عمليات لتحرير المدينة.

وبالنظر إلى الظروف السائدة في سوريا حاليا، فإن الحكومة المركزية تفضل استخدام إمكانيات هذه القوات لحل الأزمة بدلا من مواجهتها، وذلك من خلال دمجهم في سوريا الموحدة، حتى وان كان ذلك على حساب إعطائهم ادارة ذاتية داخل الحدود السورية. وتأتي هذه الخطوة مع إعلان الأكراد السوريين عن إقامة ادارة ذاتية ونظام فيدرالي في شمال البلاد منذ عام 2016. ربما تنظر دمشق الى مجريات اكراد العراق وتتوقع انه من الممكن تكرار هذه الأحداث في سوريا إذا لم تدخل في حل وسط مع أكرادها، خاصة في ضوء الأحداث الأخيرة بما يتعلق باستفتاء اقليم شمال العراق وما تمخض عنه من إعلان نتائج الاستفتاء. لذلك، سيكون هناك حاجة إلى حل تفاوضي للحفاظ على الإمكانات الكردية داخل الحدود السيادية لسوريا، بدلا من إتخاذ استراتيجية عدوانية تجاههم وبدلا من مواجهتهم.

الدوافع الاقليمية لدمشق من فتح طريق التفاوض مع الاكراد

إن قضية الأكراد السوريين ليست محلية محضة ولها ابعاد إقليمية، بسبب كونها ترتبط أيضا بمصالح الدول المجاورة لسوريا. وفيما يخص دول الجوار، فان تركيا هي أكثر دولة مجاورة حساسة بشأن قضية الأكراد. إن الحدود المشتركة التي يتقاسم بها أكراد سوريا في شمال البلاد مع الأكراد في تركيا، تزيد بشكل كبير من تأثر تركيا بتطورات الأكراد السوريين، حيث ظهرت تلك البوادر عند الاحتفال بتحرير الرقة والسيطرة عليها من قبل وحدات حماية الشعب، حيث انتشرت صور لعبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني وهو يتواجد هناك، والذي يقضي حاليا حياته في سجن أبدي في جزيرة امرلي.

ولهذا السبب، فإن السلطات التركية تتحسس جدا من هذه التطورات، حيث أن الدافع الرئيسي لإضطلاعهم في الأزمة السورية وشنهم هجوماً على مدينة إدلب، وربما مستقبلا الهجوم على عفرين، هو قضية الأكراد لا غير. وقد أعلن المسؤولون الأتراك مرارا أنهم لن يقبلوا بوجود أية دولة كردية مستقلة بالقرب من حدودهم في سوريا والعراق، كما هاجموا مرارا مواقع الأكراد في هذه المناطق.

ومع ذلك، فإن الحكومة المركزية في سوريا حساسة في علاقاتها مع تركيا وسيكون لها دوافع هامة من خلال الحوار مع الأكراد. الدافع الاول، كما اُشير اليه سابقا، هو أن القضية الكردية هي أهم قضية بالنسبة لأردوغان والسلطات التركية، الأمر الذي عزز من مشاركة الأتراك في سوريا وتواجدهم العسكري في هذه البلاد. لذلك، فإن حل المشكلة الكردية من خلال التفاوض وإعطاء الحكم الذاتي سيقلل من الناحية القانونية من إمكانية التدخل العسكري التركي في المستقبل.

ثانيا، يمكن لهذا الإجراء أن يطمئن أنقرة جزئيا بعدم تشكيل دولة كردية مستقلة، ويقلل من نسبة تأثر اكراد تركيا بهذا الموضوع. وثالثا، من شأن منح استقلال ذاتي للأكراد مع سحب بعض الامتيازات منهم، مثل مراقبة الحدود والسيطرة عليها، ودمج القوات الكردية مع قوات الشرطة الاتحادية، أو السيطرة على الجمارك والموانئ من قبل الحكومة المركزية، أن يقضي جزئيا على مخاوف تركيا.

دوافع دمشق الدولية من فتح طريق التفاوض مع الاكراد

تم دعم وتدريب الأكراد السوريين وخاصة وحدات حماية الشعب (YPG)، من قبل أمريکا خلال الأزمة التي عصفت بسوريا. ويأتي ذلك في الوقت الذي لعب فيه محور المقاومة دورا حاسما في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في سياق الأزمة السورية، وتحمل تكاليف باهظة، وكان كل ذلك تمشيا مع مشروع الحفاظ على سيادة البلد ووحدة اراضيه. في ظل هذه الظروف، فإن القضية الكردية هي المبرر الأكبر للتدخل الأمريكي في سوريا.

لذلك، سيتم حل هذه القضية من خلال التفاوض والوصول الى اتفاق قانوني مع الأكراد، وستزول دوافع تواجد الولايات المتحدة في سوريا وستكون تدخلاتها غير شرعية أكثر من اي وقت مضى. من ناحية أخرى، فإن الأكراد السوريين الذين شاهدوا عدم دعم الولايات المتحدة لاربيل فيما يخص مجريات اقليم شمال العراق، بإمكانهم التوجه الى الحكومة المركزية في حال ابدت دمشق رغبتها في النظر بمطالباتهم، وبالتالي سيكونون في أمان من تدخلات تركيا وهجماتها، كما سيضمنون الوصول الى مطامعهم ورغباتهم المنشودة.

ومع كل ما تقدم، يبدو أن موقف وليد المعلم، اتخذ لمنع التدخل الإقليمي والدولي في التطورات المستقبلية في سوريا من جهة، ومن جهة أخرى، لمنع احتمال حدوث مزيد من التوترات بين القوات المركزية والكردية.
صحيفة الوطن