هذه هي سياسة الأجور في سوريا ... والاقتراحات لزيادتها

هذه هي سياسة الأجور في سوريا ... والاقتراحات لزيادتها
الإثنين ٣٠ أكتوبر ٢٠١٧ - ١٠:١٥ بتوقيت غرينتش

ما هي سياسة الأجور والرواتب في سورية؟ وما هي المقترحات الملموسة التي تستطيع النقابات أن تقدمها للحكومة لزيادة الأجور والرواتب؟ هذا ما أراد الاتحاد العام لنقابات العمال أجوبة عليه في ندوة دعا إليها بعض الأكاديميين والنقابيين…

العالم - سوريا

موضوعياً لم تستطع الندوة الوصول إلى اقتراحات واضحة ملموسة وجديدة لم يتم تقديمها سابقاً لرئيس الحكومة واللجنة الاقتصادية، فكل ما يمكن أن يُقال قد قيل! حتى أن النقابيين أنفسهم قالوا: «كل يوم نقدم اقتراحاً ولكن ما في نيّة».. ولكنهم يصرون بأنّ عليهم أن يستمروا بتقديم الاقتراحات. ولكن هل ينفع هذا «الضغط الناعم» مع قسوة الواقع الاقتصادي-الاجتماعي السوري؟ 

ميزان القوى الطبقي المحلي في سورية: مختل، وبشكل عنيف، لمصلحة أصحاب الربح الكبير. فعلى «الكفّة الطابشة» من كفّات الميزان هناك قلّة قليلة، والأوزان الكبرى فيها لا تتجاوز أصابع اليدين، بينما على الكفّة الأخرى، الملايين من السوريين من أصحاب الأجور وأصحاب الدخل الصغير الإنتاجي، ومن العاطلين عن العمل، والمهمشين، والشباب المنخرطين في الميدان العسكري، والأطفال الذين يجوبون الشوارع ويملؤون ورش العمل، وعموم السوريين الذين أكثر من 7 مليون منهم بحالة طوارئ غذائية، وأكثر من 9.4 مليون يحتاجون إلى المساعدات الغذائية (التقرير العالمي لأزمات الغذاء 2017).

أما الحكومة والمؤسسات ومجمل السياسات الاقتصادية والخدمية والتعليمية بل والثقافية، فهي «ملحق رخو»، أي: أنه يتكيف ويميل حسب الأوزان. وطالما أن أصحاب الربح الكبير الذين يشكّل الفساد الكبير و«السلبطة» المصدر الأساسي لربحهم هم الأقوى، فإن الحكومة والمؤسسات والسياسات لا تستطيع إلا أن تتكيف مع نفوذهم ومصالحهم.

وإذا ما أردنا أن نفكر في الحلول التي يمكن اقتراحها، نلاحظ أنها كلها في إطار واحد: إعادة توزيع الثروة من الأرباح للأجور. فإذا ما أردت أولاً أن تزيد الأجور والرواتب لدى العاملين في الدولة، أو تزيد الإنفاق على الأجور عبر تحسين الوضع التعليمي والصحي وتقليص تكاليف النقل وغيرها، فإنك تقف بوجه عقبة أساسية هي قلة الموارد العامة، وعليك حينها أن تبحث للدولة عن طرق لزيادة مواردها.

مقترحات من الربح… للأجور

المقترحات هنا كثيرة أبسطها هو: الموارد المستحقة للدولة والتي تمتنع عن تحصيلها مثل: زيادة الضرائب على الأرباح، ووقف التهرب الجمركي، حيث إن مجمل أصحاب الربح يدفعون ضريبة تقارب ضريبة الأجور، فضريبة الأجور المقطوعة 22 مليار ليرة، وضريبة الأرباح 30 مليار ليرة كما أشارت الأرقام النقابية.
وعليك أن تقترح: أن تستعيد الدولة حصتها الضرورية من قطاعات الربح الكبرى المحتكرة من قبل كبار القطاع الخاص في الاتصالات، حيث كان من الممكن فيما لو عادت الشركتان للدولة وفق العقد أن نوفر إيرادات تقارب 860 مليار ليرة حتى 2020، وفي أرباح المصارف الخاصة الكبرى المعفاة من الضريبة البالغة نسبة 90% من أرباحها.

وفي التجارة الخارجية حيث الأرباح الاحتكارية للمستوردين الأساسيين، التي قد تقارب 70% من تكاليفهم في 2016 وحوالي مليار دولار ربح، فالدولة تستطيع أن تستورد بنفسها، وليس عبر متعهدي الاستيراد، وتلبي جزءاً أساسياً من حاجة السوق للمواد، إن كان مباشرة أو عبر الاتفاقات والخطوط الائتمانية، وتسعرها بنسبة ربح أقل، وتجبر بهذا المستوردين على تقليص نسبة ربحهم عبر تخفيض تسعيرتهم. وغيرها الكثير من الأمثلة التي تظهر في كل تفصيل بعلاقة الحكومة مع كبار السوق.

ومن جمع هذه الموارد المستحقة تستطيع أن تحولها نقداً مباشراً إلى جيوب أصحاب الأجور، إما عبر زيادة أجورهم النقدية، أو عبر تقديم تعويضات نقدية لكل أسر الدخل المحدود، تسد شيئاً ما من الهوة الكبيرة بين الأجور وتكاليف المعيشة. وعملياً مجمل هذه المقترحات، تعني أن تتواجه الحكومة مباشرة، مع القلة من كبار الرابحين، وتستعيد المكاسب التي منحتها لهم، وتعطيها للملايين من أصحاب الأجور بأشكال متنوعة.

وأخرى من الربح للإنتاج…

هناك مقترحات أخرى، لتزيد الدولة التشغيل، بما يؤدي إلى زيادة كتلة الأجور، والناتج عموماً، ويشكل ضغطاً على سوق الأجور المنخفضة في القطاع الخاص. وجوهر هذه المقترحات هو: تعبئة الموارد لتزيد الحكومة من الاستثمار والإنتاج الاقتصادي الفعلي. فعلى سبيل المثال لا الحصر: هناك أكثر من 2250 مليار ليرة مودعة في المصارف تستطيع الحكومة أن تستخدمها لتمويل استثمار حقيقي، وتوزع منها عوائد وأرباحاً بنسب مناسبة. كما يمكن فتح الباب كذلك لتجذب الحكومة الموارد والكتلة النقدية الموجودة في السوق، لتساهم في مشاريع استثمارية إنتاجية ذات جدوى اقتصادية، وتوزع كذلك منها عوائد بنسب مناسبة.

وأكثر من هذا، تستطيع الحكومة أن تمول نفسها بالعجز، أي: أن تصدر النقد من المصرف المركزي، وبشرط أن تحوله إلى إنتاج اقتصادي سلعي مباشر، وتحول هذا النقد إلى عمل وأجور وسلع. وعندها لن يكون للعجز أثر تضخمي، كما في الحالة السابقة عندما أصدرت الحكومة النقد بمئات المليارات سنوياً وبمجموع تراكمي قارب 3000 مليار ليرة في 2016 لتوزعه على أبواب موازنة لا نعلم ولا يعلم أحد من السوريين ما الذي ينفق منها فعلياً، وعلى أية جوانب، طالما أن الحكومات تتمنع عن إصدار قطع الموازنات.

هذه المقترحات تعني أن الحكومة عليها منافسة قوى السوق الكبرى، لتستولي على حصة من الموارد والربح الذي يغنمونه، وتحوّله لمال عام يخدم المصلحة العامة بزيادة مباشرة في الإنتاج والتشغيل بما يزيد نمو الناتج والأجور معاً، ويقلص حصة القلة القليلة من الموارد والأرباح الكبرى، أي: أنها أيضاً تنتزع من حصة الأرباح الكبرى، وتحولها إلى مال عام ومصدر للموارد والتشغيل وتوليد الناتج.

لا حلول لأزمة الأجور في سورية إلا بالأخذ من الأرباح، فحصة الأجور التي تتراوح بين 11- 18% من الناتج في عام 2016، وفق التقديرات المتباينة لرقم الناتج، تقابلها الكتلة الكبيرة المتبقية 82- 89% التي تعود بمعظمها للأرباح. أي: لا حلول إلا بجميع الإجراءات التي ينبغي أن تعيد توزيع الثروة في سورية، وتصب الموارد في الإنتاج المباشر والتشغيل الواسع والأجور العادلة والكريمة. لكن الحكومة والسياسات لا تقوم بإجراءات كهذه من تلقاء ذاتها، بل تقوم بها فقط عندما يصبح الملايين من أصحاب الأجور والدخول المحدودة قوة سياسية واقتصادية واجتماعية تغير كفّة الميزان، وتقلب الطاولة على معادلة توزيع الثروة الجائرة.

المصدر: قاسيون

102-104