ماذا بعد تحرير البوكمال؟

ماذا بعد تحرير البوكمال؟
السبت ١١ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٥٨ بتوقيت غرينتش

تتجه الأمور أكثر نحو نهاية وشيكة لتنظيم "داعش" في الجبهتين العراقية والسورية بعد خسارة التنظيم سيطرته على مدينة البوكمال الموقع الأخير الهام، بحيث يمكننا القول أن "داعش" خسر كل معاقله الكبيرة لتنحصر سيطرته في العراق على بلدات وقرى الضفة الشمالية للفرات، ومساحات سيطرة لا تقل عن 24 ألف كيلومتر مربع وحوالى 20 ألف كيلومتر مربع في سوريا غالبيتها أراض صحراوية.

العالم ـ مقالات وتحليلات

المناطق الحيوية التي لا يزال التنظيم يسيطر عليها انحصرت بحوالى 700 كيلومتر مربع شمال وجنوب الفرات في سوريا، وتمتد من جنوب مدينة الميادين وصولاً حتى شمال البوكمال إضافة إلى حوالى 200 كيلومتر مربع على ضفتي نهر الخابور الشرقية والغربية بين مدينتي الشدادي شمالاً والصوَر جنوباً.

في العراق يسيطر التنظيم على حوالى 1200 كيلومتر مربع من المناطق الحيوية على الضفة الشمالية للفرات، تمتد من مدينة راوة شرقاً حتى مشارف مدينة القائم غرباً، مع ضرورة الإشارة إلى أن التنظيم لا يزال يمسِك بخط الحدود بين سوريا والعراق من شمال القائم والبوكمال حتى جنوب تل صفوك من الجهة العراقية، وحتى منطقة سعدة جنوب شرق الشدادي من الجهة السورية بخط سيطرة يبلغ حوالى 180 كلم.

وانطلاقاً من توصيف خريطة سيطرة تنظيم "داعش" بإمكاننا القول إن المواجهات القادمة ستنحصر في المناطق الحيوية المشار إليها أعلاه، وهي مناطق صغيرة المساحة قياساً على حجم القوى والوسائط التي يمتلكها الجيشان السوري والعراقي، يمكن حسم المعارك فيها بشكل سريع بعد فقدان التنظيم قدرة المناورة الواسعة واتجاهه الحتمي لخوض معارك دفاعية ضيقة والتحصن بالمدنيين، حيث لا يزال عدد كبير من المدنيين يسكن في المناطق الحيوية المشار إليها وهو الأسلوب الأخير الذي سيمكن "داعش" من الصمود فترة أطول.

تحرير مدينة البوكمال حَسَمَ الجدل حول السباق بين الجيش السوري والأميركيين للوصول إلى المدينة وأخرجها نهائياً من الحسابات الأميركية، ما يعني أن خريطة العمليات القادمة ستكون على الشكل التالي:

تنشيط قوات "قسد" لعملياتها في المنطقة الممتدة من بلدة القرَيا والعشارة جنوب شرق مدينة الميادين وصولاً حتى شمال البوكمال على كامل الضفة الشمالية للفرات، إضافة إلى تفعيل العمليات للسيطرة على خط الحدود الشرقية الشمالية بين العراق وسوريا لإقامة سد بمواجهة الجيش السوري ومنعه من العبور إلى الضفة الشرقية للفرات والتوجه شمالاً والاقتراب من مدينة الحسكة.

أولوية الجيش السوري ستكون محصورة بتثبيت القوات على خط التماس مع تنظيم "داعش" في المناطق المفتوحة الممتدة من جنوب مدينة الميادين حتى شمال البوكمال شرقاً، وصولاً حتى جنوب شرق السخنة والصرايم غرباً لتكوين منطقتين عازلتين على غِرار ما فعله الجيش في أغلب عمليات البادية معتمداً على نمط التطويق والإطباق والبدء بعمليات السيطرة على المنطقة الحيوية بين الميادين والبوكمال من نقطتي اندفاع إحداهما من جنوب الميادين والثانية من شمال البوكمال، في تكرار لسيناريو العملية التي حصلت انطلاقاً من شمال دير الزور وجنوب معدان بعد فك الطوق عن دير الزور، وهي عمليات بات بمقدور الجيش السوري إطلاقها قريباً وحسمها.

في المقابل تتحضر وحدات الجيش العراقي لحسْم معركة المنطقة الحيوية على الضفة الشمالية للفرات من راوَة شرقاً حتى القائم غرباً، وهو ما يستدعي تحريك العمليات العسكرية من غرب بيجي حتى الحدود مع سوريا غرباً لفصل وعزل "داعش" في عملية تقطيع أوصال واستكمال عملية السيطرة على خط الحدود مع سوريا انطلاقاً من تل صفوك شمالاً حتى القائم جنوباً.

في النتائج حققت العمليات المتتابِعة بمواجهة تنظيم "داعش" مجموعة من الأهداف المرتبطة بالبعدين العسكري والاقتصادي، حيث بات بإمكاننا القول إن ما تحقق على المستوى العسكري في الجبهتين السورية والعراقية أوصل الأمور إلى مرحلة ما قبل الحسم النهائي والكامل على "داعش"، وخصوصاً السيطرة على أغلب خط الحدود وهي نتيجة ستكون لها تداعيات إيجابية في التعامل لاحقاً مع أية مستجدات أمنية ترتبط بملاحقة خلايا التظيم النائمة، والتي ستنشط بالتأكيد في تنفيذ عمليات ذات طابع أمني وهو ما نتوقعه ويتوقعه الجميع، مع الإشارة إلى أن السيطرة على خط الحدود السورية – العراقية ستكون أحد العوامل الكبرى في تثبيت وتفعيل خط الإمداد الاستراتيجي من طهران إلى بيروت، عِلماً بأن هذا الخط لن يكون محصوراً في البعد العسكري على أهميته في تغيير ميزان القوى المرتبط بالصراع مع الكيان الصهيوني، بل سيتعداه إلى البعد الاقتصادي سواء الداخلي المرتبط بالعراق وسوريا أو بما يرتبط بإيران وروسيا أيضاً، فتحرير محطات النفط الأولى في العراق والثانية والثالثة والرابعة في سوريا من المؤكد أنه سيكون مرتبطاً بتفعيل وتنشيط خطوط النفط من إيران وروسيا إلى البحر المتوسط وتالياً إلى أوروبا.

لهذا تكتسب العمليات الأخيرة أهمية كبيرة في إعادة رسم خرائط السيطرة في أبعادها المختلفة، وكذلك ما سيترتب على ذلك من رسْم لمسار المفاوضات لتثبيت معالم جديدة للمنطقة مغايرة لتلك التي أرادها الأميركيون.

* عمر معربوني - الميادين

104-1