لبنان ما بعد الحريري

لبنان ما بعد الحريري
الأحد ١٢ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٩:١٤ بتوقيت غرينتش

في تاريخ لبنان الحديث ارتبط تفجير الأوضاع فيه بعاملين أساسيين، الأول هو وجود إرادة خارجية إقليمية ودولية لتصفية حساباتها على الأرض اللبنانية، والثاني هو ضعف المناعة الداخلية اللبنانية. حدث هذا في الطريق إلى اندلاع الحرب الأهلية في نيسان 1975 حين تفاعل العاملان الخارجي والداخلي لإطلاق شرارة حرب دامت أربعة عشر عاما.

العالم - لبنان 

كانت وفاة عبد الناصر في أيلول 1970 قد خلفت فراغا هائلا وتركت المشروع القومي في مهب الريح، وبدأت نذر الاستقطاب العربي بعد اتفاقية فَض الاشتباك الأولى في كانون الثاني 1974 .

وسرعان ما تعززت لاحقا بعد الاتفاقية الثانية في أيلول 1975، وفى الداخل كان التوتر على أشده بين ما عُرِف بتيار الانعزال اللبناني (الذي تزعمه حزب الكتائب) والتيار المضاد الذي يؤكد على هوية لبنان العربية ( التيار الشهابي نسبة إلى الرئيس فؤاد شهاب)، ومثلت قضية الوجود الفلسطيني على الأرض اللبنانية عموما والعمل الفلسطيني المسلح ضدالكيان الصهيوني  خصوصا محورا أساسيا للتفاعل بين هذين التيارين.

وعندما أطلق بعض شباب حزب الكتائب النار على حافلة فلسطينية في 13 نيسان 1975 ما أشعل فتيل الحرب كانت قد جرت مواجهات عسكرية بين الجيش اللبناني وبين الفدائيين الفلسطينيين في 2 أيار 1973.

صحيح أن اتفاقا تم برعاية الجامعة العربية بُعَيد المواجهات قضى بتأمين المخيمات الفلسطينية مقابل نزع سلاحها الثقيل والمتوسط وتجميد العمليات الفدائية انطلاقا من لبنان لكن الاتفاق لم يُحترم وظلت النار تحت الرماد حتى وقعت الحرب.

وفي عام 2008 أيضا وقع تلاق بين إرادتي الخارج والداخل فتوفرت البيئة المناسبة لاندلاع مواجهات مسلحة في العاصمة بيروت والجبل وضعت لبنان على شفا حرب أهلية.

في هذا العام كان الاستقطاب المذهبي على مستوى المنطقة قد بلغ مداه، وهو استقطاب مهدت له مجموعة من التطورات المتلاحقة أهمها:

بروز حزب الله كقوة عسكرية بعد دوره في تحرير الجنوب عام 2000 وتزايد دوره السياسي الداخلي، الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003وإطلاق يد إيران في شؤونه.

زلزال اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وانسحاب الجيش السوري وتكوين تيارّي 8 و14 آذار، الفوز الكبير لحركة حماس في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني 2006.

تسخين الجبهة الجنوبية باختطاف حزب الله جنديين إسرائيليين ورد إسرائيل المبيت سلفا بالعدوان على لبنان في 12 تموز وتصاعد التوتر الداخلي على خلفية انتقاد مغامرة حزب الله.

بقول آخر كان محورا 8 و14 آذار اللبنانيان هما الامتداد الطبيعي لما سمي محورا الاعتدال والممانعة على المستوى الإقليمي، حتى إذا ما أرادت حكومة فؤاد السنيورة اختبار رد فعل حزب الله بقراريها الخاصين بشبكة اتصالاته ومدير أمن مطار بيروت سنحت الفرصة للحزب لتثبيت توازنات القوة القائمة وكان أن اقتحم بيروت الغربية.

لم يتطور الأمر إلى حرب أهلية لسببين أحدهما امتلاك حزب الله القوة العسكرية والآخر الذكرى المريرة للحرب السابقة.

الآن ما هو الوضع ؟ خارجيا تتوفر كل الأسباب الممكنة لتفجير الوضع اللبناني بدءا من السياسة الأمريكية شديدة العداء لإيران ومن ثم لحزب الله والتحريض الصهيوني شبه اليومي ضدهما، مرورا بالصراع السعودي الإيراني المستعر في عدة ساحات عربية، وانتهاء بالخرائط الجديدة التي تُرسَم للمنطقة ومحاولة كل الأطراف التموضع فيها بما يناسب مصالحها.

لكن داخليا الوضع يختلف فحزب الله فى 2017 ليس هو نفسه في 2006 فهو يدرك جيدا أن تفجير التناقضات اللبنانية لا يخدمه لأن أمامه معارك تُخاض خارج الحدود، ومثل هذا الخيار لم يكن متاحا في 2006 باستثناء العراق.

هنا يمكن التوقف أمام الخطاب الهادئ المُطَمئن للسيد حسن نصر الله بعد استقالة الحريري، ففي هذا الخطاب ابتعد نصر الله عن إلصاق تهمة التآمر بالحريري بل إنه أبدى حرصا على حياة الحريري كمواطن لبناني واعتبره قد اضطر لفعل ما فعل، وبهذا يختلف الخطاب كلية عن خطابات نصر الله في مناسبات سابقة كمناسبة إعدام الشيخ نمر النمر مثلا.

ومن جهتهم فإن خصوم حزب الله أنفسهم التزموا في تصريحاتهم حتى الآن بما يختلف كليا عن تصريحاتهم عام 2006 فهم يدركون جيدا التكلفة الموجعة لتفجير الداخل مجددا.

ومثل هذا الاعتبار هو الذي جعلهم يبتلعون على مضض صفقة حزب الله مع داعش وفتح الشام ولو شاءوا التصعيد لوسعهم ذلك ولكان لهم منطقهم، فالجيش كان يواجه إرهابييي سوريا باقتدار ثم أتى الحزب ووجه الأمور وجهة أخرى، أما الآن والحريري يستقيل عن بعد فالمنطق أضعف والدافع أيضا ضعيف فالكل يتدخل في شؤون لبنان.

وفي موضوع لبنان كثير يقال ولعل الفرصة تسنح لاحقا لمناقشة الجوانب الدستورية لمأزق استقالة الحريري وتداعياته.

حمى الله لبنان الحبيب من كل سوء فله في نفس كل عربي نصيب وهذه الجملة لها معانٍ كثيرة جدا.

المصدر : القدس 

120