هل بات الحريري جاهزًا لخوض الانتخابات النيابية؟!

هل بات الحريري جاهزًا لخوض الانتخابات النيابية؟!
السبت ٢٥ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٦:٠٨ بتوقيت غرينتش

لا يخفى على أحد أنّ شعبيّة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ تراجعت خلال الأشهر القليلة الماضية إلى أدنى مستوياتها، داخل الشارع السنّي قبل غيره، كنتيجةٍ اعتبرها البعض "طبيعية" للتنازلات غير الشعبيّة التي أقدم عليها الرجل، بدءًا من انتخاب "خصمه" العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجمهورية بموجب ما اصطلح على تسميتها بـ"​التسوية الرئاسية​"، وصولاً إلى مساكنة "​حزب الله​" والتعايش معه، بل توفير الغطاء له في الكثير من الأحيان.

ولهذا السبب بالتحديد، "طارت" ال​انتخابات​ الفرعيّة التي كان من واجب ​حكومة الحريري​ تنظيمها في طرابلس وكسروان، لأنّ الرجل لم يكن يشعر، بكلّ بساطة، بالجهوزية اللازمة لها، في ظلّ المنافسة المحتدمة على "الزعامة".

اليوم، يبدو الوضع مختلفًا بالكامل بالنسبة للحريري، حيث تشير كلّ المُعطيات إلى أنّ "شعبيّته" قفزت إلى أعلى المستويات دفعة واحدة، بل إنّ صوره اجتاحت بشكلٍ عفويّ كلّ الشوارع، المحسوبة وغير المحسوبة عليه، وكأنّ لبنان يعيش مرحلة انتخابات. وبعيدًا عن "تعقيدات" الأزمة التي أفرزتها استقالته، والتي يُقال إنّها أوشكت على الانتهاء، وعن التكهّنات بسيناريوهات ما بعد العودة، على كثرتها، فإنّ علامات استفهامٍ بالجملة تُطرَح، فهل يمكن القول إنّ الحريري بات جاهزاً لخوض الانتخابات اليوم، إذا ما عاد إلى بيروت ولم يبتعد عن العمل السياسيّ؟!

للأزمة إيجابيّة!

قد يكون من الصعب العثور على "إيجابيّة" أفرزتها ​استقالة الحريري​ "غير السياديّة"، معطوفةً على الغموض غير البنّاء الذي تسبّبت به، ربطاً بوضع الرجل داخل المملكة العربية ​السعودية​، وما حُكي عن إقامةٍ جبريّة خضع لها، وعزّزتها الكثير من المؤشّرات السلبيّة التي أمكن رصدها منذ الرابع من تشرين الثاني، والتي أظهرت بما لا يقبل الشكّ أنّ سعد الحريري بعد الاستقالة لا يشبه أبدًا سعد الحريري ما قبلها ليس بأيّام فقط، بل بساعاتٍ معدودة.

وإذا كانت كلّ الاستحقاقات في البلد "تجمّدت" بانتظار عودة رئيس الحكومة، التي يبدو أنّها لم تعد بعيدة، وإن كانت السيناريوهات تتأرجح بين ما هو تفاؤلي وما هو تشاؤمي، ويصل لحدّ التكهّن بابتعادٍ طوعيّ للحريري عن الحياة السياسية بشكلٍ كاملٍ، ولو لفترةٍ مؤقّتة، فإنّ الموقف الوطنيّ الموحَّد عمومًا الذي أفرزته استقالته، وأظهر تماسكًا داخليًا قلّ نظيره، أوحى وكأنّ للاستقالة، رغم كلّ سلبيّاتها، إيجابيّة، انعكست بالحدّ الأدنى على الحيثيّة الشعبية التي يتمتّع بها الرجل، والذي سيكون بمقدوره استثمارها والبناء عليها، في حال قرّر المضيّ قدمًا في العمل السياسي، سواء في السلطة أو في المعارضة.

ولعلّ المفارقة التي يمكن الإشارة إليها في هذا السياق تكمن في أنّ استقالة الحريري حقّقت له ما عجز عن تحقيقه طيلة سنة كاملة، تبوّأ خلالها رئاسة الحكومة، لدرجةٍ يعتقد كثيرون أنّ الحريري، إذا ما عاد إلى العمل السياسي، يجب أن يكون من أول المطالبين بانتخاباتٍ مبكرة، اليوم قبل الغد، وذلك لاستغلال "اللحظة" وتوظيفها بما يخدم مصلحته، ويساهم في تحقيق "الانتصار" في أيّ استحقاقٍ انتخابيّ يمكن أن يحصل اليوم. ويذكر اللبنانيون جيّدًا أنّ الحريري، وافق على التسوية الرئاسية فقط للعودة إلى السراي الحكومي، باعتبار أنّه كان بأمسّ الحاجة لذلك، نظرًا للأزمات الكثيرة التي كان واقعًا تحت نيرها، والتي لم يتردّد في الاقرار بها في مرحلة من المراحل، إلا أنّه لم ينجح من الخروج في هذه الأزمات، بل إنّ شعبيّته بقيت تتراجع أكثر فأكثر، في ضوء المزايدات التي حاصرته من كلّ حدبٍ وصوب حتى اللحظة الأخيرة.

عوائق بالمرصاد...

انطلاقاً ممّا سبق، يمكن القول إنّ أيّ انتخابات تجري اليوم سيخرج منها الحريري الرابح الأكبر، بمُعزلٍ عن ​قانون الانتخاب​، بل إنّ هناك من يقول أنّه قادرٌ على احتكار "الأصوات التفضيلية" في كلّ لبنان، نتيجة التعاطف الشعبيّ الكبير معه، نظراً لاعتقاد كلّ اللبنانيين أنّه "ظُلِم" في مكانٍ ما، حتى أنّ الممتعضين من سياساته السابقة والمنقلبين عليه بشكلٍ أو بآخر انضمّوا إلى المتعاطفين معه، كما تؤكد كلّ الوقائع، لدرجة باتت تُسمَع انتقاداتٌ، مباشرة ومبطنة، للسعودية في مناطق لطالما شكّلت البيئة الحاضنة للسّنّة في لبنان.

لكن، وتمامًا كالسيناريوهات الكثيرة المتداولة لمرحلة ما بعد عودة الحريري، إن تمّت، هناك عوائق كثيرة بالمرصاد، أولها الفترة الفاصلة عن الانتخابات التي قد تأتي على حساب الشعبية، خصوصًا إذا ما عادت الاصطفافات السياسية إلى الواجهة. بمعنى آخر، فإذا كان لا شكّ فيه أنّ الحريري سيكون رابحًا إذا حصلت الانتخابات اليوم، فإنّ الكثير من المعطيات يمكن أن تتغيّر من الآن وحتى موعد الانتخابات في شهر أيار المقبل. وبالتالي، فإنّ لا شيء يضمن أنّ "الشيخ سعد" سيكون قادرًا على الحفاظ على نسبة المؤيّدين التي يتمتع بها اليوم، خصوصًا أنّه سيكون مضطرًا إلى تبنّي مواقف سياسية قد لا تعجب الكثيرين من المتضامنين معه اليوم، الأمر الذي لن يكون لصالحه.

أما العائق الثاني، فيتمثّل بالمرجعية السياسية للرجل، أي المملكة العربية السعودية، والخيارات التي ستّتخذها في المرحلة المقبلة، خصوصًا أنّ الشائعات المرتبطة بهذا الموضوع أكثر من أن تُعَدّ وتُحصى. من هنا، فإنّ من الضروري ترقّب موقف المملكة في المرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستعيد علاقتها بالحريري لسابق عهدها، وبالتالي ستعود للتنسيق معه، مستفيدة ممّا حصل، أم أنّها ستختار "بديلاً" ليتصدّى لقيادة مشروعها، بعد عجز الحريري عن تحقيق ما تطمح إليه. وبناءً على القرار السعوديّ، يمكن أن يتغيّر الكثير، علمًا أنّ هناك من يقول إنّ ورقة الحريري "احترقت" سعوديًا، وأنّ الرجل نتيجة ذلك، لن يغامر بمواصلة العمل السياسي، من دون أيّ "حصانةٍ" يتمتّع بها.

ويبقى العائق الثالث، وهو الأهمّ دون شكّ، ويتعلق بالتحالفات التي يفترض أن يخوض الحريري على أساسها الانتخابات، والتي يُقال أنّها يفترض أن تكون موضع إعادة نظر ومراجعة، سواء من جانب الحريري أو من جانب "​تيار المستقبل​" بصورةٍ عامة. وهنا، لا مبالغة في القول إنّ الأزمة الأخيرة أظهرت وجود "غدرٍ" في قلب البيت "المستقبليّ" كما عند الحلفاء، وهو ما لا يحتاج لأدلّة وإثباتات، علمًا أنّ البعض ذهب لحدّ الحديث عن "تحريض" حلفاء للحريري القيادة السعودية عليه. وتكفي للدلالة على وجود مثل هذا الجو العودة إلى التغريدة اللافتة لوزير الثقافة ​غطاس خوري​ قبل يومين، والتي أرفقها بصورة يظهر فيها يهوذا الإسخريوطي وهو يقبّل السيّد المسيح، كعلامة على تسليمه الى اليهود.

إعادة ترتيب للبيت الداخلي...

قد يكون من المبكر لأوانه البحث في ​الانتخابات النيابية​ وتحالفاتها، باعتبار أنّ الحريري لم يعد بعد إلى بيروت، ولم يُعرَف حتى الآن السيناريو الذي سيتمّ اعتماده، وما إذا كان أصلاً يفكر بالمضيّ قدمًا في العمل السياسي أم اعتزاله أو الابتعاد عنه، بالحدّ الأدنى.

إلا أنّ الثابت أنّ الأزمة السياسية لن تنتهي بعودة الحريري، بل إنّها قد تشتدّ ضراوةً، خصوصًا أنّ ما حصل سينعكس بشكلٍ مباشر على كلّ التفاصيل، التي ستكون الانتخابات في صلبها، باعتبار أنّ إعادة ترتيب البيت الداخلي يجب أن تشكّل أولوية للحريري، الذي بات على يقين أن الطامحين للاطاحة به أقرب بكثير ممّا كان يتصوّر...

حسين عاصي / النشرة

109-1