قسد بين نهاية الدور العسكري والمثول للمخطط الأميركي

قسد بين نهاية الدور العسكري والمثول للمخطط الأميركي
الأربعاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٤:٤٢ بتوقيت غرينتش

وصلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، امس الأول، إلى الحدود السورية – العراقية شرق نهر الفرات، في خطوة هي آخر الخطوات الاستراتيجية التي يمكنها تحقيقها ضد تنظيم “داعش”. بنك الأهداف الذي شارف على الانتهاء، يجعل رصيد القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة، يصل إلى ذروته … ماذا بعد؟.

العالممقالات وتحليلات

مسار سوتشي برعاية ثلاثية روسية تركية إيرانية، يثير القلق الكردي ليس بسبب الاشتراط التركي باستبعادهم من هذا المسار وحسب، بل لعدم وضوح ما يمكن أن تفضي إليه الصفقات حول مصير السيطرة الكردية على بعض المدن والمناطق. من جهة ثانية، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان وما أثارته من لغط حول استمرار الدعم الأميركي لقسد، كي تحيي المخاوف الكردية من إمكان استنساخ سيناريو كركوك الذي مازال ماثلاً للعيان ولم تنته تداعياته بعد.

واكثر من ذلك، ها هو مؤتمر الرياض 2 للمعارضة السورية يختتم أعماله ويشكل وفداً واحداً لخوض محادثات جنيف من دون أن يكون لحزب الاتحاد الديمقراطي أي حضور فيه.

لم تفعل الولايات المتحدة حليفة الحزب عسكرياً، كما فعلت روسيا التي ضغطت بقوة ليكون لمنصتي موسكو والقاهرة نصيب في تشكيلة الوفد المفاوض. وهذا يضع القوات الكردية أمام مأزق مزدوج فمن جهة انتهاء الأعمال العسكرية ضد تنظيم “داعش” مع ما يعنيه ذلك من توقف الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها بسبب قيامهم بهذا الدور. ومن جهة أخرى، افتقارهم إلى أي دور سياسي في المرحلة المقبلة لا في مسار سوتشي ولا جنيف ولا حتى مسار أستانا.

أما مشروعهم “الفيدرالي” الذي من المقرر أن يشهد المرحلة الثانية من الانتخابات في الأول من كانون الأول، فيبدو أكثر من اي وقت مضى كمشروع منعزل لا يحظى بدعم من أي طرف إقليمي أو دولي.

وقد برز تناقض كبير بين مشروع “قسد”، وما تخطط له الولايات المتحدة لمناطق شرق سوريا، إذ تحدثت صحيفة واشنطن بوست عن نية واشنطن إنشاء إدارة مستقلة عن العاصمة دمشق، في حين يقول القائمون على مشروع “فيدرالية الشمال السوري” أن مشروعهم ليس مشروعاً انفصالياً.

يأتي ذلك في وقت تخطط فيه الولايات المتحدة لإعلان أعداد قواتها العسكرية المتواجدة في سوريا، والذي يبدو أنه سيفوق جميع التقديرات السابقة التي كانت تتحدث عن بضعة مئات من الضباط والجنود الأميركيين، بينما ما تكشف حتى الآن يدل على أن العدد لا يقل عن ألفي جندي من القوات الخاصة الأميركية. وما زال العدد قابلاً للزيادة، حتى أن “وكالة باسنيوز” الكردية التي تعمل من كردستان العراق، أكدت أن عدد القوات الأميركية في شرق نهر الفرات يبلغ 4000 جندي نقلاً عن مصادرها في المنطقة.

أهمية الإعلان الأميركي بالنسبة إلى قوات “قسد” يكمن في أنه تكرار للإعلانات التي صدرت من عدة جهات ودول ودلت على انتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة. فواشنطن لن تعلن عن قواتها من باب الشفافية والمصداقية، بل لتؤكد على دورها العسكري في سوريا وتثبت مدى حضورها في هذه الساحة، من جهة. ولتعلن – وهذا الأهم – بداية مرحلة جديدة من الصراع يستهدف أساساًَ مواجهة ايران.

ومن هنا خطورة الأمر بالنسبة لقوات “قسد”، لأنه سيضعها أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما مسايرة الهدف الأميركي وبالتالي التحول إلى مجرد أداة لتنفيذ الأجندة الأميركية بعيداً عن مشروع “الأمة الديمقراطية” الذي وضعه زعيمها عبدالله أوجلان. وإما رفض ذلك وبالتالي خسارة الدعم الأميركي.

لكن المشكلة الكبرى التي ستواجهها هذه القوات، وهي في النهاية مزيج من قوات غير متجانسة يغلب على قيادتها الطابع الكردي، أن الذهاب نحو خيار “المسايرة” سيؤدي إلى زيادة الضغوط على هذا التحالف غير المتجانس ويرفع من فرص تعرضه للتشقق والتشرذم، وما زالت حادثة انشقاق طلال سلو المتحدث الرسمي باسم “قسد” ماثلة للأذهان. فهناك فصائل وكتائب منضمة إلى “قسد” من غير المكون الكردي، سترفض الدخول تحت العباءة الأميركية لخوض مواجهة غير واضحة مع ايران. بل أن تياراً من داخل “حزب الاتحاد الديمقراطي” وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب” الكردية، لا يوافق على أن يتحول إلى أداة لمواجهة إيران.

وحسب خبير في الشأن الكردي، فإن هذا التيار قد يفضل الانشقاق عن الحزب على الموت في سبيل أهداف أميركية محضة.

واشار الخبير الذي تحدث إلى “الاتحاد” لكنه رفض الكشف عن اسمه كونه يعيش في مناطق سيطرة “قسد”، إلى وجود علاقة قديمة بين إيران وهذا التيار، وأن الدعم الأميركي قد يكون غيّب هذا التيار طوال السنوات الماضية، لكن هذا لا يعني أنه انتهى ولم يعد يملك تأثيراً داخل الحزب، مستشهداً بإقالة جوان ابراهيم من قيادة الأسايش عقب تصريحه لصحيفة عكاظ السعودية تصريحات نارية ضد وجود ايران في سوريا، واعتبر ذلك دليلاً على أن التيار ما زال قادراً على الفعل عندما يحين الوقت المناسب.

ورغم الاحتفاء التركي بمضمون المكالمة الهاتفية التي جرت بين أردوغان وترامب، وإصرار وزير الخارجية التركي على مطالبة واشنطن بتنفيذ مضمونها المتمثل بقطع الدعم عن “حزب الاتحاد الديمقراطي” إلا أن مصادر كردية أفادت “الاتحاد” بأنه لا جديد في هذه المكالمة وأنها استكمال لتصريح ترامب عقب تحرير الرقة وحديثه آنذاك عن “مرحلة جديدة” حيث اعتبرت المصادر أن أحد معالم المرحلة الجديدة هو تغيير قواعد الدعم وأساليبه وليس قطعه كما يبشر المسؤولون الأتراك.

وفي هذا السياق، نفى المتحدث باسم التحالف الدولي صحة التصريحات التركية حول قطع الدعم عن “قسد” رافضاً في الوقت ذاته التعليق على الكلام المنقول عن الرئيس الأميركي.

وحول التصريحات التي أدلى بها رياض درار الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطي “مسد” حول انضمام قوات سوريا الديمقراطية إلى الجيش السوري بعد التسوية السياسية، والتي أثارت جدلاً واسعاً، قال لـ “الاتحاد” شيفان خابوري المتحدث الرسمي باسم “مسد” أن هذه التصريحات هي “نوع من الرد على المكالمة الهاتفية بين أردوغان وترامب” لكنه أوضح أن المقصود منها هو “قطع الحجج أمام أردوغان تجاه كرد سوريا حيث أن العلاقة بين التحالف وقسد علاقة استراتيجية ولن تنتهي بمدة زمنية قريبة”.

قد يؤكد ما سبق أن رهان أردوغان على دق اسفين بين الإدارة الأميركية وقسد ليس في محله ولن يصل إلى اي نتائج إيجابية، لكنه يزيد من الشكوك والتساؤلات حول ما تريده الولايات المتحدة من وراء استمرار دعمها العسكري لقسد، وعما إذا كانت الأخيرة جاهزة لتحمل التبعات التي ستواجهها في حال مسايرتها للإملاءات الأميركية؟.

الاتحاد

2-4