بين "الجزيرة" و"العربية".. الإعلام الخليجي يستعرض قوى ملّاكه

بين
الثلاثاء ٠٥ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٩:٢٠ بتوقيت غرينتش

شكّل مقتل علي عبد الله صالح أحدث فصول مواجهة بين إعلام السعودية وإعلام قطر. فليست المصطلحات وحدها التي تختلف، بل استراتيجية تنتصر للعائلتين الحاكمتين وللأدوار الإقليمية لكلّ بلد.

العالم - العالم الاسلامی

منذ إدراك دول الخليج (الفارسی) لأهمية الإعلام الفضائي، وتنافس صامت حيناً ومعلن أحيانا أخر، يجري بين قناة الجزيرة وقناة العربية. كانت الجزيرة سباقة في التأسيس بست سنوات، راكمت خلالها شهرة كبيرة بتطرّقها إلى ملفاتٍ سياسية كانت من المحرمات في المنطقة العربية، ولحقتها “العربية” التي أرادت رؤية “أكثر اعتدالا” وفق تصريحات مؤسسيها في التطرّق لقضايا المنطقة. بيدَ أن تمويل قطر لقناة الجزيرة التي أحدثت بمرسوم أميري، وامتلاك رجال أعمال سعوديين لقناة “العربية“، جعلا من القناتين في تحدٍ لتغطية الأخبار وما يجري من جهة، ومن جهة ثانية كيفية التعامل مع مصالح قطر والسعودية.

وجاءت الأزمة الخليجية الأخيرة لتكشف تحوّل جزء كبير من الإعلام في الشرق الأوسط إلى أدوات لا تكتفي فقط للدعاية لأطراف الأزمة، بل تشحذ سكاكين الهجوم ضد الطرف الآخر، وهو ما ظهر مباشرة في الأيام الأولى للأزمة، إذ كُتبت مقالات كثيرة ونُشرت برامج متعددة واستضيف عشرات الخبراء على عجل لانتقاد قطر وتسويد سمعتها. ردت قطر عبر وسائل الإعلام المقربة منها، وكان واضحا أنه رغم اضطلاع هذه الوسائل بالدعاية لقطر، إلّا أنها كانت أكثر حفاظا على القواعد المهنية من الطرف الآخر، كما كانت أكثر انتشارا في حالة الجزيرة، التي استفادت من اتساع جمهورها وقوة إمكانياتها.

ويظهر دور الإعلام في قائمة المطالب التي قدمتها دول المقاطعة لقطر لعودة العلاقات، إذ كان هناك مطلب إغلاق قناة الجزيرة وجميع المنصات التي تموّلها قطر، وهو ما استفادت منه الجزيرة لبناء تعاطف دولي معها، عندما قالت ردا منها على المطلب، إن لديها طلبا واحدا لدول المقاطعة هو ضمان حرية الإعلام.

يرى عبد الرحيم العلام، باحث في العلوم السياسية، أن الأزمات التي شهدتها المنطقة أسقطت مجموعة من الأقنعة التي كانت ترتديها وسائل إعلام خليجية بحديثها عن الاستقلالية، ومنها الجزيرة والعربية. إذ صارتا أكثر تقدما في خدمة الأجندة الخاصة بالعائلتين الحاكمتين في كل من قطر والسعودية.

غير أن الفارق بينهما في هذا الإطار، يردف العلام، أن الجزيرة بقيت على مدار عقدين تحاول إقناع الجمهور بمبدئها “الرأي والرأي الآخر“، وكانت تستخدم طريقة ذكية في الانتصار لقطر من خلال الترويج لحلفائها واستضافتها لمن يباركون سياسة قطر الخارجية، في حين أبانت “العربية” منذ بدايتها عن عدم حيادها، إذ كانت الكثير من برامجها دعائية لآل سعود. وقد استفادت الجزيرة في هذا السياق، يتابع العلام، من خبرة صحافييها وتنوع مشاربهم وحيازتهم رصيدا إعلاميا يملك حدا معينا من الاستقلالية.

صراع إعلامي في اليمن

جاء مقتل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، اليوم الاثنين، 04 ديسمبر/كانون الثاني، ليعكس الاختلاف الكبير في تغطية الطرفين، فالجزيرة كانت من أوائل من سارعوا لنشر خبر الوفاة، وكانت من أوائل من بثوا الفيديو الذي يُظهر صالح جثة هامدة، بل إنها نشرت الفيديو بالكامل في صفحتها على فيسبوك دون تضليل بعض أجزائه التي قد تزعج المشاهدين ودون بثّ أي تحذير بشأنه. في الجانب الآخر، تريثت العربية كثيراً في نشر الخبر، ونقلت في البداية أن هناك أنباءً متضاربة عن مصير صالح، إذ نشرت تصريحاً لحزب المؤتمر بكون صالح لا يزال حيا، وبعد ذلك نشرت خبر الوفاة لكنه نسبته إلى الحوثيين.

وتقدم المصطلحات المستخدمة جانبا آخر من هذا الاختلاف في التغطية، فبعدما كان صالح رئيساً مخلوعا بالنسبة لـ“العربية“، أضحى رئيسا سابقا بعد تقاربه مع السعودية، بينما لا يزال مخلوعاً عند الجزيرة التي استضافت عدة محلّلين للحديث حول الموضوع. ومن الأكيد أن مقتل صالح بعد أيام من نهاية تحالفه مع الحوثيين، وهو من كانت السعودية والإمارات تراهنان عليه لإحداث تحوّل في الساحة اليمنية، سيخلق مساحة جديدة بين إعلام قطري لا ينظر بعين الود إلى التغيير التكتيتي في تعامل قوات التحالف العربي مع الشأن اليمني، وبين إعلام سعودي يبّرر خطوات بلده.

الاختلاف في التغطيتين يعود إلى ما قبل مقتل صالح، وتحديدا منذ إعلان السعودية إنهاء مهمة قطر في التحالف الذي تقوده الأولى في اليمن، إذ وجهت الجزيرة منذ ذلك الوقت أسلحتها الإعلامية لانتقاد السعودية والإمارات، وقد ركزت كثيرا على الإمارات لتحرّكاتها النشيطة في جنوب اليمن. بثت القناة القطرية عدة أفلام وثائقية منها “اليمن.. كيد الأشقاء“، الذي تحدثت فيه عن “سياسة الإمارات التدميرية من التعذيب إلى القتل الجماعي“، كما تطرّقت برامجها كـ“للقصة بقية” أكثر من مرة للتدخل الإماراتي باليمن، إذ وصفته الجزيرة بأنه “خطة للهيمنة على ثروات اليمن“.

حتى السعودية لم تسلم من انتقادات الجزيرة في مجموعة من المواد والمقالات، وكمثال فأحد الأخبار المنشورة في موقعها يحمل عنوان “السعودية تشدد حصار اليمن بإغلاق المنفذ البري الوحيد“. كما ركزت “الجزيرة” على الجانب الإنساني في تغطياتها لليمن، ونشرت أكثر من مرة تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التي تنادي بإنهاء الحصار، مصحوبة بصور لأطفال وسكان في أوضاع صعبة.

لم تحد قناة العربية عن توجهها في اليمن، من خلال انتصارها الكبير لقوات التحالف وكذا دعايتها لعبد ربه منصور هادي. وكنوع من الرد على التقارير الدولية المنتقدة لحصار، روجت “العربية” لـ“الجهود الإنسانية” السعودية والإماراتية في مكافحة الكوليرا وإيصال المساعدات، كما نشرت موادا ترّد من خلالها على أن الحصار غير موجود وأن هناك منافذ مفتوحة. كما استمرت “العربية” في نشر مقالات رأي تتماهى مع وجهة نظر السعودية.

يتحدث الاعلام عن أن الجزيرة غيّرت من تكتيكها في التعامل مع الأزمة اليمنية، فعندما كانت قطر عضواً في قوات التحالف، غيّبت الرأي اليمني المدافع عن الحوثيين وقوات صالح، ولم تعد تستقبل حتى شخصيات معروفة برفضها لقوات التحالف، إذ تعاملت الجزيرة هنا بالمنطق ذاته التي تعاملت به في تغطيتها للأزمة السورية لمّا كانت قطر تتدخل بشكل ميداني في سوريا. بينما في المقابل، لم تخف “العربية” توجهها منذ البداية، من انتصارها لرواية التحالف الذي تقوده السعودية، حسب قول الاعلام.

مصر.. واجهة أخرى للمواجهة

ما بثته “الجزيرة” في موضوع أحمد شفيق كان إخباريا بالدرجة الأولى، تخلّله نوع من تصفية الحسابات مع الإمارات، فقد جاء في تقرير لها أن “الإمارات تنتقم من الفريق شفيق لقيامه بكشف تدخلها السافر في الشؤون المصرية“، كما بثث ريبورتاجا لها بعنوان “لماذا منعت الإمارات شفيق من السفر؟“، جاء فيه أن أساليب الاختطاف تشبه في نظر كثيرين “طرق تعامل العصابات“.

في المقابل، أعطت قناة العربية حيزا قويا لتصريحات أحمد شفيق عندما صرّح لقناة مصرية أن الإماراتيين كانوا “كرماء معه” ولم يرحلوه، بل غادر برضاه، ونقلت تصريحاته عندما قال إنه يتمتع بحرية تامة في القاهرة ويلقى معاملة طيبة“. كنا نشرت القناة مقال رأي هاجمت فيه كاتبة المقال شفيق وقناة الجزيرة، بما أن هذه الأخيرة بثت فيديو شفيق يتهم فيه الإمارات بمنعه من السفر (أوضح شفيق أن الفيديو حقيقي لكنه سُرب إلى الصحافة بما أنه لم يرغب ببثه إلّا في حالة وقع منعه فعلا).

يقول الاعلام إن الحالة المصرية عكست تماهي “العربية” مع السياسات الخارجية للسعودية، ففي الوقت الذي دعّمت فيه هذه القناة الربيع العربي في ليبيا وسوريا عندما فتحت مساحة لمناهضي بشار الأسد ومعمر القذافي، رفضت في الآن ذاته إزاحة حسني مبارك، ثم ناهضت محمد مرسي وهي اليوم مع عبد الفتاح السيسي ضد معارضيه. في وقت بقيت فيه الجزيرة، يضيف العلام، وفية للنهج القطري في دعم موجات الربيع، واستطاعت الجزيرة من خلال هذا النهج تسجيل عدة أهداف في مرمى خصومها، خاصة عندما وصفت صعود السيسي بالانقلاب، وهو الوصف ذاته الذي استخدمته قنوات عالمية مهنية.

ومن المواضيع الأخرى التي قد تزيد من دائرة هذا الصراع الإعلامي، ما يتعلّق بالقمة الخليجية المرتقبة، ففي الوقت الذي تظهر فيه العربية صامتة عن إبداء رأي ما بما أن الموقف الرسمي السعودي غير واضح حول ما يخصّ مشاركة قطر في القمة، تبدو “الجزيرة” أكثر تحركاً في هذا الجانب، إذ رأت أن أيّ “انفراج محتمل” في الأزمة الخليجية قد يحيل إلى عدة أسباب منها “الضغوط الخارجية والظروف الداخلية والأزمات الإقليمية والامتعاض الشعبي“.

شفقنا

221