واشنطن تتذكر ادلب.. والجولاني يستشعر الاخطار

واشنطن تتذكر ادلب.. والجولاني يستشعر الاخطار
الخميس ١٤ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٥:٣٢ بتوقيت غرينتش

بعد هدوء جبهات القتال في الشرق السوري إثر اندحار جماعة “داعش” الوهابية، كان من الطبيعي أن تتجه أنظار مختلف الأطراف الداخلية والخارجية نحو محافظة إدلب في الشمال. آخر اللاعبين الذين قرروا دخول الميدان الادلبي، هو الولايات المتحدة التي مهّدت للأمر بذريعة محاربة “القاعدة”.

العالم - مقالات وتحليلات

هذه المتغيرات دفعت الفصائل المسلحة وعلى رأسها “جبهة النصرة” إلى محاولة البحث عن صيغة جديدة للتحالف بين بعضها بعضاً، خشية أن تؤدي التطورات الجديدة إلى اقتلاع جميع الفصائل من أراضي إدلب دون أن يستطيع أحد التكهن بطبيعة الطرف الذي سيرثها هناك.

التلميح الأميركي بإمكان دخول واشنطن على خط الصراعات الدائرة حول إدلب، جاء على لسان الكولونيل جون توماس المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” الذي قال في مقابلة صحافية أن “الولايات المتحدة ستلاحق القاعدة بغض النظر عن وجود داعش” وأشار إلى أن “القاعدة في سوريا غيرت اسمها إلى فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام لكن القاعدة تبقى قاعدة”.

ويأتي هذا التصريح الأميركي بعد أيام فقط من استبعاد موسكو احتمال التعاون مع واشنطن ضد “جبهة النصرة” كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي وصف التعاون بأنه سيكون غير مثمر.

ويقطع كلام توماس فترة طويلة من التجاهل الأميركي للملف الإدلبي والتي بدأت فعلياً من شهر آذار الماضي تاريخ صدور آخر بيان للمبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني الذي صنّف بموجبه “فتح الشام” على قائمة الارهاب.

وكان من اللافت أن توماس حرص لدى حديثه عن ملاحقة “النصرة” على التمييز بين الولايات المتحدة والتحالف الدولي، معتبراً أن الأولى هي من ستقوم بالمهمة.

في غضون ذلك، واصل الجيش السوري تقدمه داخل الحدود الإدارية لمحافظة إدلب مسيطراً، أمس، على تلّة السيرياتيل في الريف الجنوبي الشرقي للمحافظة، وذلك بعد سيطرته أمس الأول على عدة قرى في نفس المحور.

وبالرغم من أن تقدم الجيش السوري يشكل هاجساً يؤرق الفصائل المسلحة المتمركزة في إدلب، خشية أن يتيح له تفرّغه من القتال في الجبهات الشرقية أن يحشد تعزيزات ضخمة نحو إدلب، فإن الهاجس الذي لا يقلّ خطورة ولا حساسيةً عن تقدم الجيش هو الاختراق الذي حقّقه جماعة “داعش” في المنطقة وجعله يقف بدوره على تخوم الحدود الإدارية لمحافظة إدلب.

وكان من الطبيعي أن يستشعر أبو محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” التي تشكل “جبهة النصرة” عمودها الفقري، خطورة هذه التطورات أكثر من غيره من قادة الفصائل الأخرى. وذلك لأنه بعد محاربة الفصائل المنافسة له وتشكيل “حكومة الانقاذ” بات هو المسؤول أمام الجميع عما يحصل في إدلب، ولا يستطيع التنصل من المسؤولية بأي ذريعة من الذرائع.

هذا الاحساس بالخطر قاد الجولاني على ما يبدو لتقديم تنازلات مهمّة سواء أمام الفصائل التي كان يحاربها بالأمس أو أمام تنظيمه الأمّ “القاعدة” الذي اعتقل قادته منذ وقت قريب. وغاية الجولاني من وراء تقديم هذه التنازلات هي محاولة إنهاء خطر “داعش” الذي يدرك الجولاني من تجاربه السابقة في الرقة وديرالزور في العام 2014 أن تقدّمه نحو بعض المناطق السكنية في محافظة إدلب يمكن أن يترتب عليه انهيار صفوف مسلحي “النصرة” واستحالة طرده منها بعد ذلك، هذا إذا لم يتغوّل على كامل المحافظة.

ولعلّ هذا ما دفع الجولاني إلى إطلاق سراح الأردني سامي العريدي عشية الاجتماع الذي ضمّه، أمس الأول، إلى كل من حسن صوفان القائد العام لأحرار الشام، وأبو صالح طحان أمير جيش الأحرار، والشيخ توفيق شهاب قائد “حركة الزنكي”، وذلك كبادرة حسن نية موجهة إلى مختلف الأفرقاء بأنه سيغير من طريقة تعاطيه مع هذه الفصائل وقاداتها.

كما أن الجولاني بالافراج عن العريدي يقفل ملفاً فتح عليه أبواباً واسعة من الشجب والتنديد لاسيما بعد التوبيخ العلني الذي تلقاه من “أميره السابق” أيمن الظواهري قبل أسبوعين. وسبق للجولاني أن أفرج عن جميع الذين اعتقلهم على خلفية رفضهم لفك الارتباط مع “القاعدة” بمن فيهم أبو جليبيب الأردني وأبو خلاد المهندس، وأبو سمير مرافقة.

وتم خلال الاجتماع السابق الاتفاق على أربعة بنود هي: تشكيل غرفة عمليات مشتركة (إعادة تفعيل جيش الفتح مرحلة أولية)، وإنهاء ملف قضية (الزنكي) الأخيرة مع (الهيئة)، وإطلاق المعتقلين بين الفصائل، وأن تقوم (النصرة) برد حقوق الفصائل (أحرار الشام وجيش الأحرار) على مراحل” مع التشديد في ختام الاجتماع على “ضرورة إعلان استنفار ونفير عام لصد هجمات النظام وداعش في ريف حماة الشرقي”.

لكن هذا التحالف العسكري الذي دفعت إليه الضرورات الميدانية والعسكرية، لم يترافق مع تقارب سياسي، بل على العكس فقد تصاعدت الخلافات بين حكومتي الشمال السوري “المؤقتة” و”الانقاذ”: الأولى تتبع إلى “الائتلاف السوري المعارض” والثانية إلى “هيئة تحرير الشام”. وجديد فصول هذه الخلافات أن حكومة الانقاذ وجّهت إنذاراً شديد اللهجة إلى “الحكومة المؤقتة” وأمهلتها مدة 72 ساعة للانسحاب من محافظة إدلب وسحب كافة مقتنياتها.

ويأتي هذا الانذار بعد نجاح السياسة المتشددة التي اتبعتها “الانقاذ” في تحجيم نفوذ “المؤقتة” وسحب غالبية صلاحياتها من المؤسسات الكائنة في إدلب. ومع ذلك ما تزال الحكومة المؤقّتة تملك عدداً كبيراً من المشاريع والمؤسّسات في محافظة إدلب، من بينها عدد من المجالس المحلية وبعض مؤسسات قطاعي التعليم والصحة.

وفي تصعيد جديد للعلاقة بين الطرفين، أقدمت حكومة الانقاذ على رفع دعوى قضائية ضد ياسر الحجي المتحدث الرسمي باسم “الحكومة المؤقتة” بسبب تصريحه الذي قال فيه ” نرفض التعاون مع أي حكومة لها علاقة بالإرهاب” وهو ما اعتبرته “الانقاذ” أنه “يعطي المبرر لقوى الاحتلال الروسي والتحالف الدولي في الاستمرار بضرب وقصف محافظة إدلب”.

عبدالله سليمان علي - الاتحاد

2-4