مرحلة ما بعد الانتصار.. ورسائل من حميميم وبغداد والضاحية

مرحلة ما بعد الانتصار.. ورسائل من حميميم وبغداد والضاحية
الخميس ١٤ ديسمبر ٢٠١٧ - ٠٧:٠١ بتوقيت غرينتش

قد تكون الصدفة أو التدبير وتناسق الأسباب الموجبة قد يكون بعضاً أو كل ذلك جعلت المشاركين في الحرب على الإرهاب يخرجون في الوقت ذاته ليعلنوا صراحة أو ضمناً انتصارهم في حرب شاءتها أميركا تدميرية وتغييرية لتحويل المنطقة مستعمرة لها مقطعة الأوصال وطنياً ثم مركبة بشكل واهن ضعيف تناحري على أساس ديني وعرقي أو مذهبي أو إثني تقوده "إسرائيل" ميدانيا في خدمة أميركا ومشروعها الاستعماري استراتيجيا.

العالم - مقالات وتحليلات

فقد احتفل العراق يوم الأحد 10 كانون الأول/ديسمبر الحالي بيوم النصر على الإرهاب واتخذه يوماً وطنياً من أيام العزّ والفرح العراقي، وفي اليوم التالي أعلن الرئيس الروسي بوتين لدى زيارته المعبّرة الى سورية ولقائه الرئيس الأسد على الأرض السورية في حميميم حيث أقيمت القاعدة العسكرية الروسية التي شاركت بفعالية بمواجهة الإرهاب، عندما لبّت روسيا الطلب السوري بالمساعدة الميدانية في مواجهة الأخطار التي يشكلها العدوان الإرهابي الأميركي عليها، أعلن الرئيس بوتين في زيارته تلك البدء بسحب القوات الروسية من سورية والإبقاء على القاعدتين العسكريتين فيها الجوية في حميميم والبحرية في طرطوس وأخيراً كان الكلام الصريح والواضح الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في تظاهرة نصرة القدس ورفض العدوان الأميركي عليها المتمثل بإعلانها عاصمة لـ «الكيان الاسرائيلي»، فكان كلامه ساطعاً أكد فيه انّ «محور المقاومة يخرج من المحنة منتصراً صلباً وأنه ينهي معاركه في الإقليم وسيعود إلى رأس أولوياته القدس وفلسطين».

هذه الصورة التي رسمت في العراق وسورية ولبنان ومعها إيران وروسيا، تؤكد أنّ منطقة استهدفت بالإرهاب فدافعت عن نفسها، وتمكّن المحور المستهدف بالعدوان أساساً محور المقاومة – من الثبات بوجه المعتدين ثم دحرهم وهزيمتهم، وإرغام المعسكر المعتدي الذي تقوده اميركا على الإقرار بشكل أو بآخر بأنه هزم وتجبره على التراجع عن أهدافه التي من أجلها أطلق عدوانه، ليشعر محور المقاومة بالنصر والعودة بعده الى متابعة المهام التي من اجلها كانت المقاومة وكان محور المقاومة في المنطقة في مواجهة المشروع الصهيوأميركي.

والسؤال الآن ماذا بعد الانتصار وكيف ستكون المرحلة المقبلة؟ بيد أنه لا بدّ من التوقف قبل الإجابة عند دلالات ومعاني زيارة الرئيس بوتين إلى سورية وإعلانه سحب قوات روسيا منها، وما يترتب على هذا الانسحاب من آثار وتداعيات.

لقد أطلق الرئيس الروسي من المواقف في سورية ما له دلالات هامة تعني الماضي والمستقبل على حد سواء، فعن المرحلة التي تنطوي الآن أكد الرئيس بوتين ما يمكن فهمه بأنّ سورية وحلفاءها حققوا الانتصار المرجوّ وأنّ الجيش العربي السوري كان الأساس والمرتكز الذي به صنع الانتصار وأن المساعدة التي جاءت من الخارج ما كان لها أن تكون فاعلة ومؤثرة لو لم يكن هذا الجيش قوياً ثابتاً يقدّم التضحيات الكبيرة في سبيل المحافظة على سورية، ثم أكد أنّ الإرهاب الذي استهدف سورية سُحِق ولم يعد بإمكانه اليوم خوض معارك تقوده الى السيطرة على مناطق أو تحقيق مكاسب تهدّد وحدة الدولة واستقرارها.

أما عن المستقبل ففي مواقف بوتين ما يشير الى ثقة كبيرة بقدرة الجيش السوري على متابعة المهمة في القضاء على الأوكار والخلايا الإرهابية المتبقية والتي لا يستلزم وجودها استمرار بقاء القوات الروسية في سورية التي جاءت من أجل مهمة محدّدة. وقد نفّذتها. وبالتالي انتفى سبب وجودها، اما إذا تجدد الخطر فإن طريق موسكو دمشق لا تتطلّب جواً أكثر من 3 ساعات والعودة عسكرياً تتمّ في أقل من 24 ساعة.

وباختصار نستطيع أن نقول إنه في حميميم وبلقاء جمع الرئيسين بوتين والأسد تمّ تأكيد الانتصار والاستعداد لاستكمال ما تبقى والجهوزية لمواجهة ما يستجدّ… فالخطر الذي كان يتهدّد سورية زال، وتالياً ما كان يبتغيه العدوان ضدّ محور المقاومة سقط. وهذا ما جعل الفرنسي يعود الى نغمة رفض تمدّد الهيمنة والنفوذ الإيراني الى ساحل المتوسط عبر سورية، والمطالبة بعودة سورية إلى وضع الدولة ذات السيادة، وهو أمر يثير الاستغراب ويطرح السؤال على فرنسا ومَن معها، حيث يجب أن تسأل: طالما أنكم تريدون احترام سيادة سورية فلماذا لم تكونوا حريصين عليها سابقاً، وسمحتم لأنفسكم بالتدخل الفظ في شؤونها وانتهكتم هذه السيادة عندما شاركتم بالعدوان على سورية، وعندما أعلنتم عدم شرعية رئاسة رئيسها؟

أما الدلالات الأخرى التي تستفاد من لقاء القمة في حميميم، وما صدر عنه من قرار سحب القوات الروسية، فإنه رسالة واضحة إلى اميركا التي تقيم بشكل غير شرعي قواعد عسكرية على الأرض السورية تنشر فيها أكثر من 5400 عسكري. رسالة مفادها أنّ روسيا انسحبت بعد أن أدّت مهمة محاربة الإرهاب. انسحبت رغم انّ الوجود الروسي كان ولا يزال شرعياً، لأنه جاء نتيجة طلب رسمي سوري، ومع هذا انسحبت لأن الإرهاب اندثر وبالموازاة يكون على اميركا ان تفعل الشيء نفسه، وتترك الأرض السورية التزاماً بسيادة الدولة، لأن وجودها أصلاً هو غير مشروع وينتهك هذه السيادة.

والدلالة الثانية لقمة حميميم. وهي هامة جداً، لأنها تتصل بمجمل المشهد الإقليمي، ومضمونها القول إنّ مَن كان يراهن على دور روسي من أجل تقديم خدمات لـ«إسرائيل» من قبيل إبعاد قوى المقاومة المناهضة لها وإخراجها من سورية وأن تكون القوات الروسية حرساً لـ«إسرائيل»، فإنه رهانه خاسر. فروسيا لم ولن تكون يوماً ضدّ محور المقاومة خدمة لأميركا و«إسرائيل». وهذا ما يقودنا إلى شيء آخر، وهو تعزيز معادلة الردع الاستراتيجي بين محور المقاومة و«إسرائيل» ما يؤكد استبعاد أيّ حرب إقليمية في ظلّ الواقع المتشكّل.

أما في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث كانت التظاهرة الحاشدة التي كانت المشاركة فيها جامعة شاملة كلّ القوى الرافضة للسلوك الأميركي والمناهضة للوجود «الإسرائيلي»، فقد كان كلام بالغ الخطورة والأهمية أطلقه السيد حسن نصرالله باسم محور المقاومة كله. وهنا نشدّد على هذه العبارة « باسم محور المقاومة كله»، وفيه ما يؤكد أنّ المحور حقق انتصاره في سورية والعراق، وأنه يتحضّر للانتقال الى مرحلة جديدة تكون سماتها أو محورها فلسطين والقدس.

فالمحور بعد أن نجح في الدفاع عن نفسه وخرج من حرب الدفاع هذه منتصراً، سيعود الى المهمة التي من أجلها أنشئ أصلاً، وهي مهمة فلسطين. وهنا كانت الرسائل اللفظية أو العملية التي تندرج فيها أيضاً زيارة الشيخ قيس الخزعلي أمين عام عصائب أهل الحق العراقية الى حدود فلسطين المحتلة ليؤكد على هذا المعنى ميدانياً.

وبالمحصلة نرى، أنّ ما شاءه العدوان من أهداف عمل عليها لسبع سنوات خلت في سورية، ثم في العراق سقط، ولم يستطع أن يفكّك محور المقاومة الذي خرج من المواجهة منتصراً ويحضّر للعودة الى مهمته الرئيسية، ولذلك نتوقع أن يقوم هذا المحور وبعد الكلام العلني الصريح للسيد حسن نصر الله بالآتي:

1 ـ إعادة تنظيم الذات ومعالجة الجروح التي حلّت به خلال السنوات الماضية واستعادة مَن خرج منه، واحتضان من شاء أن يعمل معه وفقاً لأهدافه الأساسية.

2 ـ وضع استراتيجية مواجهة ومقاومة شاملة تتوزّع فيها مكوّنات المحور الأدوار، كل في نطاقه وميدانه ووفقاً لإمكاناته.

3 ـ الانطلاق بعد ذلك إلى الميدان تنفيذياً في انتفاضة ومقاومة في الداخل أو مقاومة من الخارج.

4 ـ الاستعداد والتحضير المتقن للحرب المقبلة التي ستكون الحرب الأخيرة مع «إسرائيل»، حرب لا يبدو أنها ستقع في المدى المنظور، لكنها لا بدّ واقعة عندما تكتمل ظروفها.

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

2-4