كيفية تعامل اسرائيل في الحروب المقبلة

الثلاثاء ٢٣ نوفمبر ٢٠١٠ - ١٢:٥٣ بتوقيت غرينتش

"إسرائيل" يجب أن تصوغ مفاهيم عسكرية جديدة بما يقتضيه واقعها الاستراتيجي الجديد:قبل الخروج بعملية "الرصاص المصبوب" اجريت في الجيش "الإسرائيلي" وفي جهاز الأمن نقاشات كثيرة تتصل بالحاجة إلى وجود عملية عسكرية في قطاع غزة وكذلك لمسألة هدف العملية الإستراتيجي عندما تحدث.اجريت هذه النقاشات على خلفية التوصيات الحادة للجنة فينوغراد التي كتبت في تقريرها الكلام الأتي:- فوجئنا ان نتبين ضعفاً كبيراً للتفكير العميق والتخطيط الإستراتيجي المتعدد الابعاد، العمق والمحكم، المطلوب في حلبات مركبة وفي ظروف رد سريع وعدم يقين.

"إسرائيل" يجب أن تصوغ مفاهيم عسكرية جديدة بما يقتضيه واقعها الاستراتيجي الجديد:

قبل الخروج بعملية "الرصاص المصبوب" اجريت في الجيش "الإسرائيلي" وفي جهاز الأمن نقاشات كثيرة تتصل بالحاجة إلى وجود عملية عسكرية في قطاع غزة وكذلك لمسألة هدف العملية الإستراتيجي عندما تحدث.

 

اجريت هذه النقاشات على خلفية التوصيات الحادة للجنة فينوغراد التي كتبت في تقريرها الكلام الأتي:

 

- فوجئنا ان نتبين ضعفاً كبيراً للتفكير العميق والتخطيط الإستراتيجي المتعدد الابعاد، العمق والمحكم، المطلوب في حلبات مركبة وفي ظروف رد سريع وعدم يقين.

 

- تخطيط الحرب وادارتها، او استعمال قوة عسكرية على نحو ذكي آخر، يجب ان يشتملا ايضا على تنبه لمبادىء التفكير الاستراتيجي.

 

- إن التفكير في مخطط انهاء حرب او الخروج منها ليست علامة على ضعف بل عنصرا ضروريا في التخطيط للحرب. لا تتطور الأمور دائما كما خطط لها حقا، لكن يجب ان توجد خطة تقوم على معلومات وسيناريوات.

 

- يجب ان يطمح الجيش في الحرب إلى النصر، اذا كان معلوما سلفا انه لا يوجد استعداد أو امكان للتوصل إلى نصر كهذا – فيحسن الامتناع منذ البداية عن الخروج للحرب بل عن اجراءات قد تفضي إلى الانزلاق نحوها.

 

كل هذا كما قلنا آنفا لم نجده في تفكير الجيش في حرب لبنان الثانية – بل ولا في المادة التي عرضها على المستوى السياسي (كما قلنا آنفا ان حقيقة أن المستوى السياسي لم يطلب مواد كهذه هي اخفاق شديد منه).

 

إن إرادة تحقيق توصية لجنة فينوغراد – حتى لو لم يقل متخذو القرارات الكلام بصراحة – سببت طول النقاشات وتقديرات الوضع الإستراتيجي، حتى وان كان قد أصبح واضحاً لكل ذي لب في نهاية سنة 2008 انه في ضوء مقدار اطلاق الصواريخ وقذائف الرجم من قطاع غزة اصبحت العملية العسكرية محتومة. لكن، برغم كبر وعظم المواد الأولية لمسارات التفكير الإستراتيجي وتقديرات الوضع التي تمت في الجيش "الإسرائيلي" والمستوى السياسي قبل العملية، لم تفضِ إلى وضع كان فيه الخروج إلى عملية الرصاص المصبوب يقع تحت مخطط استراتيجي واضح أو مخطط خروج واضح.

الكلام الاتي للواء (احتياط) غيورا ايلاند، يجسد جيدا الفرق:

- "لم يكن واضحاً عندما خرجنا في الرصاص المصبوب ماذا يريدون (الحكومة) احرازه، كان التحديد كما اعطي في المستوى السياسي احداث ظروف امنية افضل.

- نريد أن يكون الوضع أفضل، ليس هذا تحديداً يمكن أن يترجم للمستوى العسكري، بعد ثلاثة ايام فقط بدأ نقاش.

- ماذا كان الهدف عندما بدأوا الرصاص المصبوب؟ اقول لكم لم يكن محددا"

 

سأزعم في هذه المقالة أن أهداف حرب "إسرائيل"، في ضوء طراز التهديد الذي نشأ في السنين الأخيرة، هي أهداف ثابتة يمكن احرازها بمبادىء عمل ثابتة. سأعرض في ضوء هذا الزعم عدم كون استعمال مصطلح النصر ومصطلح الحسم في الخطاب الاستراتيجي في "دولة إسرائيل"، ذا صلة وسيتضح بذلك لماذا كانت توصية لجنة فينوغراد فضلاً عن انها غير واضحة وغير قابلة للتطبيق يبدو ضررها أكبر من فائدتها.

 

أهداف الحرب العسكرية

لقد تم بحث تغير تهديد إسرائيل، ام تهديد اطلاق الصواريخ المائلة المسار يقف اليوم على رأس قائمة التهديدات التي يجب على إسرائيل أن تواجهها. يقوم هذا التهديد على استعمال سلاح تقليدي (صواريخ وقذائف صاروخية وقذائف رجم) بمقدار كبير. يقوم هذا التهديد إلى جنب التهديد التقليدي الكلاسيكي الذي قام على استعمال اطر عسكرية كبيرة في معارك مناورة، يمكن أن نسمي هذين التهديدين تهديداً تقليدياً. يقوم هذان إلى جنب تهديدات مختلفة في ماهيتها: تهديد غير تقليدي، وتهديد "الارهاب" (في الداخل وفي الخارج). من أجل حصر النقاش تتناول هذه المقالة اهداف محاربة التهديد التقليدي.

 

لم يتغير وضع "إسرائيل" الجغرافي – الإستراتيجي منذ اقامتها، ان "دولة إسرائيل" لا تستطيع انهاء النزاع مع جاراتها باستعمال القوة، وفي ضوء ذلك تعمل تحت مبادىء استراتيجية دفاعية اساسها: محاولة الحفاظ على الوجود القومي في إسرائيل وتحصينه. إن جميع حروب "إسرائيل" تقريباً حدثت عن هذا التصور الإستراتيجي.

 

اوضح بن غوريون وضع " إسرائيل" الخاص في هذا السياق بحديثه امام قادة الجيش الإسرائيلي إذ قال:

"يوجد فرق عميق... بين وضعنا في هذا النزاع وبين وضع العرب فيه. هاجمنا العرب؛ انتصرنا؛ انهم يدبرون لجولة ثانية. لنفرض ان تأتي جولة ثانية في سنة س وننتصر ثانية. سيبادرون آنئذ إلى جولة ثالثة. لا يوجد عندنا امكان حل نهائي للنزاع بيننا ما دام العرب لا يريدونه... ولا امكان عندنا ان ننهي النزاع، لكنهم يستطيعون وآنئذ سينقضي النزاع بيننا".

 

إن الزعم التاريخي والتأسيسي لكلاوزفتش في شأن غلبة الأهداف السياسية للحرب على الأهداف العسكرية ساري الفعل هنا ايضا. لكن في ضوء وضع "دولة إسرائيل" الخاص – كما وصف بن غوريون اعلاه – الهدف السياسي لاستعمال القوة العسكرية في "دولة إسرائيل" هو هدف دفاعي ثابت ينحصر في الحفاظ على الوجود القومي في إسرائيل. في حال قبل هذا الحكم يمكن ان يشتق منه اهداف استعمال القوة العسكرية في إسرائيل، ان هدف الجيش "الإسرائيلي" هو تثبيط تدبيرات العدو العربي عن المس بوجود "دولة إسرائيل" وسيادتها.

 

نتيجة استيعاب ادراك أنه بعد كل جولة مواجهة تأتي جولة اخرى، يحسن ان نفحص ما هو الانجاز المطلوب من الجيش الإسرائيلي في جولات المواجهة هذه. في حالة لم يمكن احداث انجاز سياسي قائم كهدف مباشر للحرب، يجب ان يكون المطلب الاعلى من الجيش الإسرائيلي هو أن يزيد المدة بين جولات المواجهة وان يضائل قدر المستطاع أمد كل جولة مواجهة وضررها. يتم احراز هذه المدة بردع العدو عن العمل في مواجهة "دولة إسرائيل".

 

في ضوء هذا الادراك يمكن ان نحدد صورتي عمل اساسيتين يستطيع تحقيقهما ان يمكن ثبات الجيش الإسرائيلي لهذا المطلب:

 

1. ضربة ومس شديد بالعدو – على الجيش الإسرائيلي أن يستعمل عنصري قدرته الرئيسين وهما النار والمناورة. ذلك للمس بعناصر القدرة العسكرية وبعناصر البنية التحتية السياسية او التنظيمية. إن هدف هذا المس هو ان توسم ذاكرة العدو وان يحفظ ذلك زمنا طويلا قدر المستطاع لدفع عملية اخرى منه في مواجهة إسرائيل لسنين، إلى كونه مشغولا بترميم طويل ملتهم للموارد. ينبغي أن نذكر هنا ان العدو الذي يريد الامتناع عن هذه الضربات، يعمل على نحو متهكم وعلى عمد من داخل تجمعات سكنية مدنية من أجل هدفين:

 

- الأول: تقييد قدرة إسرائيل عن العمل بحرية.

- الثاني: فيمكنه من ان يعرض إسرائيل على أنها تعمل في مواجهة المدنيين. للامتناع عن المس بغير المشاركين، يعمل الجيش الإسرائيلي في اجلاء السكان عن مجال القتال والتفريق بين المدنيين والعدو. ان تطوير هذا التوجه وتحسينه سيمكنان من تعميق قوة اصابة العدو في مقابلة مضاءلة الضرر بالسكان المدنيين غير المشاركين.

 

2. عملية لتقصير أمد جولة المواجهة وضررها – يحتاج الجيش الإسرائيلي للعمل لمضاءلة الضرر الواقع بدولة إسرائيل نتيجة الحرب. يتم احراز مضاءلة الضرر بعدة اعمال:

 

* عزل حلبة المواجهة – يحتاج الجيش الإسرائيلي للعمل في عزل حلبة القتال عن سائر حلبات المواجهة. باقامة واستعداد قوات للعمل في هذه الحلبات وكذلك باستعمال قوة بمقادير ملائمة – بحسب الحاجة – لردع العدو عن فتح حلبة قتال اخرى.

 

* مضاءلة مقادير اطلاق الصواريخ على" دولة إسرائيل" – عملية لمضاءلة مقادير اطلاق الصواريخ على دولة إسرائيل بنيران دقيقة موجهة إلى مصادر وموارد الاطلاق (المستودعات، ومواقع القيادة والسيطرة وقواعد الاطلاق وما أشبه) وبمناورة نحو مناطق ومواقع لها تأثير مباشر في مضاءلة مقادير الاطلاق.

* مضاءلة الضرر – استعمال وسائل وتحصين لمضاءلة الضرر الذي يقع على نسيج الحياة المدنية في جولة المواجهة.

* مضاءلة مدة القتال – يجب على الجيش الإسرائيلي ان يعمل من أجل مقدار ضربة وقوتها يفضيان بالعدو إلى ادراك ان الاستمرار على القتال مناقض لمصلحته. ومن جهة ثانية ينبغي وقف القتال بعد أن يحرز اصابة بالغة للعدو كما حدد أعلاه.

 

ان خصائص هذه العملية ثابتة، وملائمة لتهديد ثابت نسبيا ولا تقتضي فحصا مجددا قبيل كل مواجهة. يجب على الجيش الإسرائيلي أن يبني القوة ويستعملها ساعة الامتحان كي يثبت لهذه المبادىء. بينت تجربة الماضي القريب، في حرب لبنان الثانية وعملية الرصاص المصبوب ان الاستعمال الجزئي حتى لهذه المبادىء يمكن من احراز نتائج استراتيجية ذات بقاء. ان ضم مبادىء العمل المتعلقة بالدفاع والانتقال إلى الهجوم (نقل القتال إلى ارض العدو) يصفان الصورة الكاملة لمبادىء الرد.

 

ان وضع "دولة إسرائيل" الجغرافي – الاستراتيجي، يقتضيها ان تستغل على أفضل نحو الفترات الزمنية بين المواجهات لاحراز ثلاثة أهداف رئيسة:

 

- أولها أمني: بناء القوة العسكرية استعدادا للمواجهة المقبلة وبناء الشروط السياسية استعدادا لها (مثل بناء الشرعية الدولية).

 

- والهدف الثاني: هو تطوير الدولة في مختلف مجالات العمل ومنها: الهجرة والاقتصاد والتربية والمجتمع وغير ذلك.

 

- أما الهدف الثالث: فهو محاولة المستوى السياسي العثور على سبل للتوصل إلى تسوية سياسية مع العدو. إن عمل المستوى السياسي لاعطاء الجيش الإسرائيلي سياقا لعمله، حيوي. برغم تحديد هدف الحرب كما وصفنا أعلاه، يجب على المستوى السياسي أن يقدم ضرائر استعمال القوة إلى جنب الحاجة إلى أن يصف كيف تستعمل العملية العسكرية في رأيه لتصبح انجازا سياسيا.

 

في حالات كثيرة وعن عدم فهم للمبادىء التي وصفت آنفا، يحاول المستوى السياسي تقديم توجيه سياسي غامض كي يكون من الممكن احداث وهم انجاز "نصر" في وعي الجمهور.

 

النصر والحسم

في ضوء تحليل مبادىء العمل أعلاه، يكون من المناسب أن نتبين ما هو معنى مفهومي النصر والحسم في خطاب دولة إسرائيل الاستراتيجي. يصعب أن نفهم ما الذي قصدت اليه لجنة فينوغراد عندما قررت أنه "يجب في الحرب على الجيش أن يطمح إلى النصر. اذا كان معلوما مسبقا انه لا يوجد استعداد او إمكان للتوصل إلى نصر كهذا فانه يحسن الامتناع منذ البدء من الخروج إلى الحرب..." ويسأل السؤال: ما الذي قصدت اليه اللجنة بقولها "نصر كهذا"؟ يبدو ان قول اللجنة هذا مأخوذ من مجال المصطلحات التكتيكية اكثر من كونه من مجال المصطلحات الاستراتيجية.

 

رأى كلاوزفيتش النصر محدودا في المستوى التكتيكي في المعركة. وزعم أنه "لا يوجد في الاستراتيجية ما يسمى نصرا". يكتب هريكبي في كتابه ان "النجاح الاستراتيجي – السياسي في الحرب يشخص بمعايير من خارج المجال العسكري".

 

تستطيع وحدة تكتيكية ان تجزم بيقين أن العدو الذي يواجهها هزم وأنها انتصرت في المعركة في حال كف العدو عن أن يصبح ذا صلة في تلك المعركة. يكون ذلك مع وجود واحد من ثلاثة اوضاع: القضاء المادي على العدو؛ أو انحلاله كأطار مقاتل وهزيمته من ميدان القتال؛ أو استسلامه لقواتنا.

 

ليست هذه المعايير ذات صلة في الخطاب الاستراتيجي لانه لا يمكن القضاء ماديا بالفعل على كيان العدو الذي تواجهه إسرائيل. من جهة أخرى يصعب تخيل وضع يرفع فيه علم أبيض على القصر الرئاسي في سورية.

 

وكما يقول هريكبي: "الحكم على "النصر" في المعركة تلقائي اذن، مطوي في ذاته. انه حكم من الفور، مع انقضاء المعركة. اما الحكم على الحرب فليس تلقائيا، بل هو مشروط بنتائجها غير المباشرة، بل هي في الاساس مؤخرة".

 

قد يكون أعضاء لجنة وقعوا ضحية لاقرار مقياس وعي لنتائج الحرب، ولتصور وعي الجمهور على أثر الحرب، ووعيه للنصر. لقد عود الجمهور في الحقيقة سنين طويلة ان يستعمل مصطلح النصر وان لم يكن ذا صلة البتة. أفضى تغير التهديد إلى وضع صعب على الجمهور فيه بعد حرب لبنان الثانية أن يتعرف "المنتصر" مع انقضاء جولة القتال من الفور.

 

وازدادت الصعوبة عندما نشأ في إسرائيل من جهة رقص أشباح مغطى اعلاميا، أما في الجانب الاخر من التل فازدادت احتفالات "النصر الالهي" للعدو. برغم ان النظر إلى عنصر الوعي في إسرائيل في الداخل وفي خارج إسرائيل ايضا مهم وذو وزن، فليس فيه ما يمكنه من الوقوف ازاء احراز هدف استراتيجي ذي بقاء في صورة ردع العدو عن مهاجمة إسرائيل لسنين.

 

ينبغي ألا نستخف بقوة ذلك، قبل الخروج لعملية "الرصاص المصبوب"، شغل الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي اللذان كانا ما يزالان تحت تأثير تقرير فينوغراد، أنفسهما بهذا الموضوع كثيرا. تمت نقاشات لا عدد لها حاولت أن تدرك ما الذي سيحدد "النصر والحسم" في الجنوب.

 

وذلك برغم أن ازدياد اطلاق الصواريخ على غلاف غزة مع المس الشديد بنسيج حياة المواطنين، قد اقتضى عملا سريعا لوقف الاطلاق ولردع العدو عن اتخاذ طريقة مشابهة في المستقبل بغير صلة بمشهد "النصر" المأمول.

 

بين الانجاز الذي يجب على الجيش الإسرائيلي أن يقدمه لـ"دولة إسرائيل" وبين مفهوم "النصر" لا توجد أي علاقة بتة. يراد من الجيش الإسرائيلي أن يبعد المواجهة المقبلة قدر المستطاع. هذا هو هدفه الاعلى. مقياس امتحان هذا الانجاز واضح ويقاس بقوة الضربة التي تلقاها العدو وبمدة سني الهدوء بين جولات المواجهة. في الوسط الذي نعيش فيه، ليس يمكن دائما رؤية النتيجة بوضوح مع انقضاء القتال ويجب ألا تؤثر فينا البتة أقوال تبجح "العدو".

 

ينبغي أن يسمح في المستقبل باستعمال مصطلحي النصر والحسم في مجال مصطلحات القتال التكتيكي وعدم استعمالهما استعمالا غير مناسب في خطاب دولة إسرائيل الاستراتيجي.

 

الخروج للحرب

ان هدف استعمال القوة العسكرية هو احراز اهداف سياسية. بتحليل الكلام أعلاه، يمكن أن نرى أن الاهداف السياسية البعيدة المدى في سياق "دولة إسرائيل" الخاص هي أهداف ثابتة جوهرها – الحفاظ على الوجود القومي في إسرائيل وتحصينه.

 

من هنا اشتقت مبادىء استعمال القوة كما فصلت اعلاه. من أجل زيادة عمق النقاش يحسن أن نفحص في أي سيناريوات يراد أن تخرج إسرائيل للحرب او في عملية عنيفة ذات قوة كبيرة. يجب على إسرائيل الخروج للحرب في واحد من السيناريوات الثلاثة الآتية:

 

- وقف عمل عنيف للعدو – يتسلح العدو من الشمال والجنوب سلاح مائل المسار. هذا السلاح موجه ليستعمل على أهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل. كلما احترس العدو من استعمال هذا السلاح ولم يمس نسيج الحياة المدنية في المنطقة فان غاية استعمال قوة إسرائيل هي الحفاظ على الردع والمس قدر المستطاع باجراءات بناء العدو قوته. لكن مع تحقق هذا التهديد، يجب على إسرائيل ان تعمل سريعا كي تقفه وكي تنشىء ردعا جديدا. في هذا السيناريو ترد على التهديد المتحقق بالفعل.

 

- تثبيط تهديد محدد محسوس – توجد أوضاع ينشىء فيها تهديد ترى إسرائيل وجوده واحتمال استعماله خطرا كبيرا. لهذا يبقى في مسار ادارة الاخطار ازاء هذا التهديد وبعد استعمال أدوات تثبيط ليست في مجال القوة (اقتصادية وسياسية وما اشبه) يبقى استعمال القوة كآخر بديل. في حالة كهذه تستعمل القوة لاحداث ضربة استباقية هدفها الاعلى هو تثبيط طاقة التهديد الكامنة. في هذا السيناريو تبادر إسرائيل إلى استعمال قوتها على احتمال تهديد العدو.

 

- رد استراتيجي على عملية للعدو – يوجد احيانا وضع يتحقق فيه احتمال تهديد وليست عملية لوقفه ذات صلة. مثلا – هجوم لمرة واحدة على إسرائيل بصواريخ بعيدة المدى او عملية ارهابية كبيرة. يراد من إسرائيل آنذاك ان تستعمل قوة هدفها ضربة مجازات استراتيجية موجهة إلى اهداف مختارة عند العدو. في هذا السيناريو ايضا ترد إسرائيل على تحقيق العدو لتهديد بالفعل.

 

المشترك بين جميع مخططات استعمال القوة هذه هو الاستراتيجية الدفاعية عن ادراك ان استعمال القوة في إسرائيل لا يأتي بخدمة اهداف سياسية بعيدة المدى سوى ابعاد التهديد عن جدول العمل ومنح سنين من الهدوء تمكن المستوى السياسي من القيام بعمله بحيث يقبل العرب وجود "دولة إسرائيل" في المنطقة. في السيناريوات الثلاثة كلها مبادىء عمل الجيش الإسرائيلي ثابتة.

 

العناصر المتغيرة تتعلق في الاساس بصورة التسوية التي تأتي على اثر العملية العسكرية. وكما قال بن غوريون، ليس الحديث هنا عن تسوية سياسية سلمية، بل عن تسوية مكانية تأتي لاحداث ظروف لوقف اطلاق النار. يؤثر السياق السياسي المحدد في الحقيقة في صورة استعمال القوة لكن هذا التأثير ضئيل لان اطار العمل ثابت.

 

ان وجود نقاشات لا تحصى قبل الخروج للمعركة في قطاع غزة، في حين كانت تطلق في مقابلة ذلك مئات الصواريخ على دولة إسرائيل كانت بلا معنى ولم يكد يسهم في فاعلية العملية العامة. يسترعي الانتباه في هذا السياق الكلام الذي نطق به ايهود باراك اذ قال: "ان نقاشا آخر وجلسة اخرى وتقديرا اخر لن تحل المشكلات التي نواجهها... أكان نقاش آخر في مقر قيادة الحرب تغير شيئا ما؟ في النهاية يوجد قادة وتوجد قيادة".

 

ينبغي على خلفية هذا الكلام ان نقرأ من جديد توصية لجنة فينوغراد: "اذا كان معلوما سلفا انه لا يوجد استعداد او امكان للتوصل إلى نصر كهذا فانه يحسن الامتناع منذ البدء من الخروج للحرب" وان نقرر ان هذا قول ليس فيه أي ادراك يمكن تحقيقه في واقع دولة إسرائيل الجغرافي – الاستراتيجي.

 

الخلاصة

يبدو ان حرب الايام الستة وخصائصها لن تتكررا مرة اخرى. يحتاج إلى اطار مفاهيم جديد للتنسيق بين توقعات الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي ومواطني الدولة. يجب ان يقوم هذا الاطار على خطاب استراتيجي ذي صلة هدف الجيش الإسرائيلي الاعلى فيه احراز انجازات ثابتة.

 

ينبغي ان يبعد عن الخطاب الاستراتيجي في إسرائيل مصطلحات مثل نصر وحسم سريعين مطلقين او ان يحددا في الاقل من جديد في سياقات التهديد الحالي. استعمال لجنة فينوغراد لهذه المصطلحات فضلا عن انه لا يخدم القضية أضر بالقدرة على اقامة خطاب استراتيجي مناسب.

 

والى ذلك، يراد من من متخذي القرارات في إسرائيل تبني مسارات اتخاذ قرارات يكون اعتمادها على نقاشات تقدير الوضع في الوقت المناسب أقل واعتمادها على نقاشات الدراسة في الاوقات العادية اكثر. في نهاية الامر تستهلك نقاشات تقديرات الوضع في الوقت المناسب موارد زمنية ثمينة، وليست مجدية، وذات تأثير محدود في خصائص استعمال القوة. يجب ان تشتق هذه كما قلنا من مبادىء العمل الثابتة.

 

في مقابلة ذلك توجد لنقاشات الدراسة اهمية كبيرة من أجل انتاج وتعميق لغة وفهم مشترك للتحديات الامنية وتحليل الحالات والردود. ينبغي الحذر من ان نكون مستعبدين لتوصيات لجنة فينوغراد التي تريد تحديد وتعريف "النصر" سلفا او صياغة استراتيجية الخروج قبل الحرب. تبين خصائص البيئة الاستراتيجية لإسرائيل ان هذه المسارات قد تسبب شلل الجهازين العسكري والامني.

* جبريئيل سيبوني، رئيس برنامج بحث الجيش والإستراتيجية في معهد أبحاث الامن القومي الاسرائيلي